كلمة الإمام الخامنئي لدى زيارته عائلة اللواء الشهيد الحاج قاسم سليماني في منزله

03-01-2020

منّ الله عليكم بالأجر والصبر إن شاء الله. لقد كانت حياة الحاج قاسم امتحاناً بالنسبة لكم وشهادته أيضاً امتحان لكم. الآلام كثيرة والأحزان عميقة لكن الأجر أيضاً كبير بنفس الدرجة. يجب أن نتحمل ونصبر وينبغي أن نكون راضين بقضاء الله تعالى، وكل إنسان بالتالي سينتقل من هذه المرحلة من الحياة ومن هذه النشأة إلى النشأة التالية لها، الكل سوف ينتقلون: أنا وأنتم والآخرون، الكل، الشباب والشيوخ، لكن المهم هو كيفيّة الانتقال. الشخص الذي يستشهد في سبيل الله ويعمل لله بإخلاص ينتقل على أحسن وجه. تعرّض الحاج قاسم للشهادة مائة مرة ولم تكن هذه المرة الأولى، لكنه لم يكن يخشى شيئاً في سبيل الله وفي سبيل أداء الواجب وفي سبيل الجهاد، لم يكن يهاب أي شيء، لم يكن يخشى العدو ولا يخاف كلام هذا وذاك، ولم يكن يخشى تحمل المشاق. افترضوا مثلاً أنه قضى أربعاً وعشرين ساعة في البلد الفلاني وعمل تسع عشرة ساعة! يجتمع بهذا وذاك ويقنع هذا ويستدل ويبرهن ويتكلم، لماذا؟ من أجل أن يوصله إلى النتيجة المنشودة، لم يكن يعمل لأجل نفسه، بل كان يعمل لهم، هكذا كان الحاج قاسم، لقد عاش حياة صالحة، فرحمه الله، عاش حياة صالحة. وأنتم أيضاً عشتم معه حياة صالحة، أنتم أيضاً صبرتم وواكبتم وتحملتم المشاكل، أنتم أنفسكم وأولادكم البنين والبنات تحملتم المشاكل، وهذه كلها لها أجرها عند الله. على كل حال ينبغي الانتقال من هذه المرحلة ومن هذه النشأة، وقد انتقل هو على أحسن وجه.

لدينا الكثير من الشهداء – لدينا شهداء من بين القياديين أيضاً ومن بين الناس العاديين – لكن الشهيد الذي يستشهد على يد أخبث البشر في العالم أي الأمريكيين أنفسهم ويفاخرون بأنهم استطاعوا قتله، لا أذكر وجود شهيد كهذا غير الحاج قاسم. لقد كان جهاده جهاداً كبيراً وقد جعل الله تعالى شهادته أيضاً شهادة عظيمة. نتمنى أن يعلي الله من درجاته إن شاء الله، وأن يهنأ بتلك النعمة العظيمة التي فاز بها فقد كان يستحقها وكان جديراً بهذه النعمة الكبيرة. الحق أن الحاج قاسم لو مات في الفراش أو في حادث سير أو بسبب هذه الملمّات – فقد كان يعاني من رئته في الفترة الأخيرة لأنه كان مصاباً بالأسلحة الكيمياوية ويعاني منها – لحزن المرء لذلك وأسف. الحاج قاسم كان ينبغي أن يستشهد بهذا الشكل. شهادته طبعاً صعبة علينا جداً وصعبة عليكم، وربما كانت أصعب عليّ أنا (1) ولكن ينبغي الصبر والتحمل، ويجب أن نجتاز هذه المرحلة.

نأمر أن يغمر الله تعالى هذه القلوب بالفرح إن شاء الله، وأن تُعوّض هذه الضربة والإصابة، وأن ينزل الله بفضله إن شاء الله سكينته على قلوبكم وعلى قلوبنا وعلى قلوب كل أبناء شعبنا. لقد شاهدتم اليوم، وفي كرمان يعرف الجميع الحاج قاسم عن قرب، هذه الحشود التي خرجت اليوم إلى الشارع في كرمان، لم تكن بالشيء العجيب، ولكن ماذا عن تبريز؟ هل شاهدتم تبريز؟ هل شاهدتم؟ أية حشود! وأية مشاعر حب! أي بكاء بكاه أهالي تبريز – تلك الحشود المليونية الهائلة – في الشوارع! هذه طبعاً النعم التي أمام أنظارنا والتي يضعها الله تعالى أمام أنظارنا لندرك كم قدر الشهادة – وسوف ترون تشييعه وما سيكون وأي تشييع سيشيع – هذه نعم صغيرة أمام أنظارنا، أما النعم الكبيرة فتلك التي لا نراها ولا ندركها وتلك التي «ما رَاَت عَينٌ‌ وَلا سَمِعَت اُذُنٌ‌ وَلا خَطَرَ عَلى قَلبِ بَشر» (2) تلك النعم التي لم تخطر حتى على بالنا وقلوبنا بل ولا يمكننا تصورها، تلك النعم منّ الله تعالى بها عليه. هنيئاً له، هنيئاً له، هنيئاً له! لقد بلغ أمنيته وأمله، كان يتمنّى ذلك، وكان يبكي شوقاً للشهادة، والكثير من رفاق دربه كانوا قد ذهبوا وكان مفجوعاً برفاقه بيد أن الشوق للشهادة كان في داخله بحيث كان يبكي لذلك، وقد نال أمله. نتمنى إن شاء الله أن تنالوا أنتم أيضاً أمانيكم وننال نحن أيضاً أمانينا وأن يعوض الله تعالى هذا الفقد.

وأنتم تحملوا، تحملوا، فهذا التحمل نفسه فيه أجر وثواب. الجهاد في سبيل الله يعني الكفاح الداخلي، وكل جهاد خارجي يعتمد في الواقع على جهاد داخلي، فالرجل الذي يسير ويقف بوجه العدو ولا يهاب ولا يعرف التعب في كل الساحات ولا البرد ولا الحر، لو لم يكن قد انتصر في داخل نفسه وفي ذلك الجهاد الأكبر لما استطاع أن يسير هكذا ويقف بوجه العدو. إذن فالجهاد الخارجي يرتكز على جهاد داخلي. واعتمدوا أنتم أيضاً على ذلك الجهاد الداخلي في أنفسكم وحققوا السكينة في قلوبكم بذكر الله وسوف يمنّ الله تعالى على قلوبكم بالسكينة والطمأنينة إن شاء الله. ونحن بدورنا ندعو، وترون ما الذي يفعله الناس للحاج قاسم، فهذا سلوان لكم. اليوم في طهران – الشمال والجنوب وكل مكان وهنا حول بيتكم حيث تجمعت حشود غفيرة – وفي مختلف المدن الناس كلهم أصحاب عزاء ويشعرون بالحزن والفقدان، وهذا ما ينبغي أن يكون سلواناً لكم. اعلموا أن الناس عرفوا قدر أبيكم وهذا ناجم عن الإخلاص، هذا إخلاص. لو لا الإخلاص لما مالت قلوب الناس هكذا، فالقلوب بيد الله، أن تميل القلوب كلها هكذا فهذا دليل على وجود إخلاص كبير كان ذلك الرجل يتحلى به. أعلى الله من درجاته إن شاء الله.

الهوامش:
1 – بكاء الحضور.
2 – كنز العمال، ج 15 ، ص 778 .