زهیر الأعرجی
لا شك ان النظرية القرآنية تولي الأسرة عناية فائقة لادراكها أهمية الدور الذي ينبغي أن تلعبه تلك المؤسسة على الساحة الاجتماعية ، بخصوص ضبط السلوك الجنسي كما في قوله تعالى :
( ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )
( 1 ) . و ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) ( 2 ) . وتعويض الخسارة البشرية للمجتمع الناتجة بسبب الموت : ( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور ) ( 3 ) . ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) ( 4 ) . وحماية الافراد وتربيتهم واشباع حاجاتهم العاطفية :
( ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين ان اشكر لي والوالديك إلي المصير ) ( 5 )
( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احساناً وبذي القربى . . . ) ( 6 ) . ( وعاشروهن بالمعروف ) ( 7 ) .
( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) ( 1 ) ، وتنميتهم للاختلاط والتفاعل الاجتماعي لاحقاً :
( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور . ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً ان الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك واغضض من صوتك ) ( 2 ) .
وينضوي البناء التحتي للنظرية القرآنية على تحديد دوري الرجل والمرأة في المؤسسة العائلية ؛ أو بتعبير أدق : تفصيل التكليف الشرعي فيما يخص واجبات الزوج وحقوق الزوجة أولاً ، وحقوق بقية الافراد في المؤسسة العائلية ثانياً .
ولا شك ان النظرية الاسلامية تؤمن بان الانسان ليس حيواناً اجتماعياً كما تزعم النظرية التوفيقية ( 3 ) ، بل تعتبره كائناً كريماً ، رفعه الخالق سبحانه وتعالى بالعلم والعقل والادراك والتفكير ، ومنحه قابلية الاستخلاف في الأرض .
بمعنى ان
الانسان المفكر كلما ارتقى عن الحيوان بدرجة التفكير والادراك ، اختلفت – عندئذٍ – العلاقات والوظائف الاجتماعية بينه وبين الافراد كماً ونوعاً عن العلاقات الجمعية التي تجمع القطيع الواحد من الحيوانات ضمن مزرعة واحدة . فالحيوانات ضمن ذلك القطيع لا تعرف ضابطاً يضبط سلوكها الجنسي ، ولا نظاماً يحدد من شهوتها الهائجة ، على عكس النظام الاجتماعي الانساني الذي ينظم العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى عن طريق المؤسسة العائلية ، التي تعتبر من أهم المؤسسات الاجتماعية خدمة للانسان . وبطبيعة الحال ، فان الاسلام لم ينظر للمؤسسة العائلية باعتبارها مؤسسة اجتماعية لتعويض الخسائر البشرية الحاصلة نتيجة موت الافراد فحسب ، بل نظر لها باعتبارها محطة استقرار لعالم متحرك ، تنتقل من خلاله ممتلكات الجيل السابق للجيل اللاحق عن طريق الإرث والوصية الشرعية ؛ ومحطة لفحص وتثبيت أنساب الافراد عن طريق اعلان المحرمات النسبية والسببية الناتجة عن الزواج ، وجواز الاقرار بالنسب ؛ ومركز
حماية الافراد بتقديم شتى الخدمات الانسانية لهم بخصوص الملجأ والمطعم والدفء والحنان . وإذا كانت العائلة محطة لشحن الطاقات العملية ، وقاعدة لتنشيط الانتاج الاجتماعي ، فإنها تعتبر – في الوقت نفسه – مركزاً لاشباع الحاجات العاطفية كالحب والحنان والعطف والرحمة ، ومكاناً لتهذيب السلوك الجنسي ، ومسرحاً لتعليم المعارف الأساسية قبل الخروج للساحة الاجتماعية كاللغة والأعراف والعادات والتقاليد والقيم الأخلاقية . فالعائلة – اذن – تساهم في خلق الفرد الاجتماعي الصالح للعلم والانتاج والمساهمة في بناء النظام الاقتصادي والسياسي للمجتمع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الروم : 20 – 21 .
( 2 ) البقرة : 187 .
( 3 ) الشورى : 49 .
( 4 ) النحل : 72 .
( 5 ) لقمان : 14 .
( 6 ) النساء : 36 .
( 7 ) النساء : 19 .
( 1 ) الانعام : 151 .
( 2 ) لقمان : 17 – 19 .
( 3 ) ( روبرت ميرتون ) . النظرية الاجتماعية والتركيب الاجتماعي . نيويورك :
المطبعة الحرة ، 1968 م .