الحسين أحمد كريمو
6 / رجب المرجَّب / 1444ه
جميل أن نبحث ونقرأ ونتأمل في حياة هذا الإنسان المثال، وهذا الإمام الكامل، وهذا الشَّخص الشَّاخص في حياتنا هذه، لأنه الإنسان الذي يمكن أن نصفه بمعجزة الإمامة حقاً. إنه الإمام التاسع من أئمة المسلمين الإمام المعجزة محمد الجواد (ع) ابن الرِّضا كما هو مشهور في التاريخ، وكأن الأمة والتاريخ حفظت له هذا الاسم للإشارة إلى تلك المسألة الإعجازية في حياته الشَّريفة.
ابن الرضا (ع)
أعتقد أن المسألة نبعت من أمر الله تعالى بأن يتأخَّر وجود وولادة الإمام محمد الجواد (ع) لأبيه الإمام علي بن موسى الرِّضا (ع) ليكون مثار جدل في الأمة، والموالين على وجه الخصوص. وليُشكِّل مشكلة حقيقية لأبيه الإمام الرِّضا (ع) حيث بلغ من العمر فوق الخمسين وجاءه الكثير من الأصحاب المخلِصين ليسألوه عن وريثه والإمام من بعده. ولذا عندما ولد الإمام الجواد كان مفاجأة أولى للمؤمنين. وعندما سافر والده عنه وهو في عمر الرابعة ولم يأخذه معه إلى خراسان واستشهد في غربته بعد سنتين فكان عمر ولده الإمام الجواد (ع). ست سنوات وتسنَّم وتسلَّم منصب الإمامة في هذا العمر المبكر أيضاً.
والعجيب أن الإمام محمد الجواد (ع) بهذا العمر القليل. استطاع أن يملأ الفراغ الذي خلَّفه والده الإمام الرِّضا (ع). في الأمة وهو ولي عهد عبد الله المأمون لدولة مترامية الأطراف شاسعة وواسعة. الذي سكَّت العملة باسمه الشَّريف. ونودي باسمه المبارك على كل منابر المسلمين لأكثر من عامين. وكان ذكره قد ملأ الآفاق وعلمه حيَّر العلماء والفقهاء والفضلاء حتى سمِّي بعالم آل محمد (ص) لما نشر من علومهم. والإمام محمد الجواد (ع) استطاع أن يملأ هذا المكان بقامته النحيلة. وسنواته القليلة وهنا الإعجاز حقاً.
جهاد الإمام الجواد (ع)
الإمام الجواد (ع) فتح عيونه المباركة في هذه الدنيا على الجهاد في سبيل الله. لأنه واجه السلطة العباسية بشخصية الداهية عبد الله المأمون الذي لم يوجد في العباسيين مثله. وكان يستخدم الدَّهاء والمكر والخديعة تجاه أئمة أهل البيت (ع) خاصة. ولذا استقدم الإمام علي الرِّضا (ع) إلى مرو حتى إذا استقرَّ ملكه المضطرب احتال ومكر وغدر به (روحي فداه) وتخلَّص منه بالسُّم الذي دسَّه له. وراح يستقوي بالإمام الجواد (ع) على العلماء، والفقهاء، والعباسيين كما في قصَّة تزويجه من ابنته أم الفضل.
يقول سماحة السيد القائد علي الخامنئي (دام عزه) عن جهاد الإمام الجواد (ع): (فإنّ هذا الإمام العظيم قد أضاف بعمله إلى الإسلام دعامة مهمّة من الجهاد الشّامل. وقدّم لنا درساً عظيماً.. وذاك الدّرس العظيم هو أنّه عندما نكون في مواجهة القوى المنافقة والمرائية يجب أن نسعى جهدنا من أجل أن نستنهض وعي النّاس لمواجهة هذه القوى. فلو أنّ العدوّ يُظهر عداءه بنحوٍ صريحٍ وعلنيٍّ ولا يُرائي. فإنّ التّعامل معه أسهل. ولكن عندما يكون العدوّ كالمأمون العبّاسي الّذي يتظاهر بالقداسة والدّفاع عن الإسلام فإنّ التعرّف عليه سيكون صعباً بالنّسبة للنّاس). (إنسان بعمر 250 سنة: ص 479)
علم الإمام الجواد (ع)
واللافت في حياة ووجود وشخصية الإمام التاسع من أئمة المسلمين الإمام الجواد (ع) هو علمه الذي دوَّخ به المأمون العباسي وجميع فقهاء وعلماء البلاط عنده في ذاك العصر الموصوف بالذَّهبي. ولكن مَنْ الذي علَّم الإمام (ع) هذا العلم؟ لا سيما وقد تركه والده في تلك السِّن المبكرة وذهب عنه ولم يرجع إليه أبداً. فمَنْ الذي رعاه وربَّاه وعلَّمه لأن التاريخ لم يُحدِّث عن أستاذ واحد تلقَّى الإمام العلوم منه؟.
والمسألة الأخرى من أين لفتى في عمر السادسة من العمر أن يحوز ويستوعب ويلمَّ بكل هذه العلوم من تفسير. وفقه، وعربية، وحلال وحرام حتى عندما سأله يحيى بن أكثم سؤالاً عن الحج – والحج لا يعرف مسائله إلا مَنْ حج، فكيف بمَنْ لم يتكلَّف أصلاً بالحج وغيره– ففرَّعه إلى أربعين فرعاً. وأخرس السائل والخليفة وجميع العلماء. وأجاب بأجوبة قاطعة مانعة عنها كلها، بل وسأل قاضي القضاة سؤالاً حيَّره بنفسه وقطع حجته بحضور الحاكم وكل ذاك الحشد في مجلسه المعروف.
فالإمام الجواد (ع) علمه لدنِّي أي من تعليم الله له. ووراثة للولاية والإمامة كابراً عن كابر من آبائه الأطهار من آل محمد (ص) فهو لا يحتاج في علمه وحياته إلى مربِّي أو مؤدِّب أو حتى معلم لأن الله تعالى تكفَّل بذلك لكه، ولذا ظهر منه (ع) هذا الإعجاز الخارق للعادة في البشر.