Search
Close this search box.

(البصيرة والاستقامة ) 2 وقائع من التاريخ

(البصيرة والاستقامة ) 2 وقائع من التاريخ

12- إن الفارق الأساسي بين أمير المؤمنين في عهد حكومته، وبين رسول الله صلى الله عليه وآله في أيام حياته وعهد حكومته هو أن الخنادق كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وآله متمايزة بعضها عن بعض ومفصولة تمامًا؛ خندق الإيمان، وخندق الكفر. أما المنافقون فكثيرا ما كانت الآيات القرآنية تشير إليهم وتحدر منهم، وتقوّي صفوف المؤمنين في مواجهتهم، وتضعف من شوكتهم. أي إن كل شيء في النظام الإسلامي كان في عهد الرسول واضحا تمام الوضوح، وكانت الصفوف مفروزة بشكل صريح؛ فطائفة على

الجاهلية والكفر والطاغوت، وأخرى على الإيمان والإسلام والتوحيد. ومن الطبيعي أن تضم كل واحدة من هاتين الطائفتين صنوفًا شتى من الناس، لكن الصفوف كانت ممتازة وواضحة كل الوضوح.

۱۳۷۷/۱۰/۱۸

13- في عصر النبي صلى الله عليه وآله كانت الصفوف واضحةً ومشخصة؛ ففي الطرف المقابل كان هناك الكفار والمشركون وأهل مكة، وكان لكل واحدٍ من المهاجرين ذكرى عن هذه الأمور؛ فلان قتلوه وضربوه، فلان أخرج من دياره، وآخر سطوا على أمواله، وغيره تم حبسه… ولذلك لم يكن هناك شبهة.

كان هناك اليهود المتآمرون الذين يعرفهم كل أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، فعندما وقعت معركة بني قريضة أمر النبي بقطع رؤوس كثيرين. لم يبال بأحد ولم يعترض أحد؛ لأن الساحة ساحة واضحة؛ لم يكتنف الساحة أي غبار، ففي مثل هكذا ساحة تكون الحرب سهلة، وكذلك الحفاظ على الإيمان؛ لكن في عصر أمير المؤمنين، من هم الأشخاص الذين كانوا في مواجهته؟ اتتصورون أنه كان سهلا أن يصبح عبد الله بن مسعود ذلك الصحابي الكبير – حسب نقل بعضهم – غير ثابت على ولاية أمير المؤمنين وأن يصبح أحد المنحرفين عنها ؟ عندما أتت جماعة – ومنهم ربيع بن الخيثم – في معركة صفين، وقالوا نحن غير راضين عن هذه الحرب دعنا نذهب إلى ذلك الجانب ولا نشارك في المعركة جاء في الرواية «نَفَرٌ من أصحاب عبدالله بن مسعود..»(۱)! هنا

القضية صعبة.

14- عندما يصبح الغبار أكثر غلظةً نصبح في عصر ومرحلة الإمام الحسن عليه السلام؛ وقد رأيتم ماذا جرى. كما أنه في مرحلة أمير المؤمنين كان الغبار على نحو أرقّ وأقل كثافة، كان هناك أشخاص في جهاز الحكم عند أمير المؤمنين أمثال عمار ياسر ذلك المبين

1 | بحار الأنوار الجزء ٦٠ ، الصفحة ٣٠١.

والداعي إلى البصيرة (1) . فقد كان عند وقوع أي حادثة يذهب مع بعض صحابة النبي صلى الله عليه وآله يتحدثون ويذكرون ويوجهون، وعلى الأقل يزيلون الغبار عن أعين جماعة من الناس؛ لكن في

عصر الإمام الحسن عليه السلام لم يكن الأمر كذلك.

في عصر الشبهة تعدّ المعركة مع الكافر غير المكشوف، ومع الأشخاص الذين يمكنهم أن يحملوا الشعارات ويطبقوها على أهدافهم وهم بالسر كافرون بها] غاية في الصعوبة، ينبغي اليقظة.

۱٣٧٠/٦/٢٧

أنه

15- أما في عهد أمير المؤمنين عليه السلام فالمشكلة الكبيرة كانت في تداخل الصفوف والخنادق؛ وهذا هو السبب الذي جعل للفئة الثانية – أي الناكثين – وضعًا مقبولاً ومبررا، وكان أي مسلم يتردد كثيرًا في محاربة شخصيات أمثال طلحة أو الزبير؛ فالزبير هو ابن عمة الرسول وكان من الشخصيات البارزة والقريبة منه، حتى بعد عهد الرسول صلى الله عليه وآله كان ممن اعترضوا على السقيفة دفاعا عن أمير المؤمنين ، ولكن الأمور بخواتيهما. نسأل الله أن يجعل عاقبتنا إلى خير قد يؤثر حب الدنيا ومظاهر الحياة في بعض الناس إلى درجة تجعل المرء يشكّ حتى في الخواص، فما بالك بالعوام، وعلى كل الأحوال، كانت الظروف آنذاك عصيبة حقا.

16- ولا بدّ أن الناس الذين صمدوا مع أمير المؤمنين وحاربوا إلى جانبه كانوا على قدر كبير من البصيرة. وقد استشهدت عدة مرات بقول أمير المؤمنين عليه السلام: «فلا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر». فلا بد من توفر البصيرة بالدرجة الأولى. ومن هذه التداخلات والاعتراضات نعرف طبيعة المشاكل التي واجهت أمير

المؤمنين والأساليب الملتوية التي اتبعها الذين حاربوه. طُرحت في صدر الإسلام أفكار كثيرة خاطئة، ولكن كانت تنزل

 وبلغة عصرنا الإعلامي العاذق والكبير في حكومة أمير المؤمنين عليه السلام.

آية قرآنية تفنّدها بصراحة؛ سواء عندما كان النبي في مكة أو في المدينة؛ فسورة البقرة – على سبيل المثال – وهي سورة مدنية، حاشدة بصور من التحديات والجدال بين الرسول صلى الله عليه وآله والمنافقين واليهود؛ حتى أنها تناولت التفاصيل الجزئية واستعرضت الأساليب التي كان يتبعها يهود المدينة في إيذاء الرسول نفسيًّا، ومنها (لا تَقُولُوا رَاعِنَا) (۱) وما شابه ذلك. وجاءت أيضًـا سـورة الأعراف وهي سورة مكيّة زاخرة بمحاربة الخرافات وكرّس فصل منها للحديث عن تحريم وتحليل أنواع اللحوم، في مقابل التحليل والتحريم الزائف الذي اصطنعه الناس لأنفسهم يومذاك : (إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (٢)، هذه هي المحرمات الحقيقية وليست تلك التي اصطنعتموها أنتم لأنفسكم من أمثال البحيرة والسائبة وما شاكل ذلك. وكان القرآن يحارب مثل هذه الأفكار صراحة.

أما في عهد أمير المؤمنين، فقد كان أعداؤه يستفيدون من القرآن ويستغلون تلك الآيات القرآنية لصالحهم. ولذلك كانت مهمة أمير المؤمنين عليه السلام أكثر صعوبة من هذه الجهة، لقد قضى أمير المؤمنين مدة خلافته القصيرة في مثل هكذا معضلات. ۱۳۷۷/۱۰/۱۸ ٢٤ – وفي مقابل هؤلاء كانت جبهة عليّ، وهي جبهة قوية حقًّا، وكان فيها رجال كعمار ومالك الأشتر وعبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر وميثم التمار وحجر بن عدي، فقد كانوا حقا رجالًا مؤمنين

ذوي بصيرة ووعي، وكان لهم دور مؤثر في توعية الناس الآخرين.

ومن المواقف الجميلة في عهد أمير المؤمنين – ويعزى جمالها طبعا إلى الجهود الطيبة لهؤلاء الأكابر ، إلا أنها في الوقت ذاته كانت مريرة بسبب ما لحقهم من جرائها من عناء وعذاب – هو مسيرهم نحو الكوفة والبصرة من بعد ما هبَّ طلحة والزبير وغيرهما واستولوا على البصرة وأرادوا المسير منها نحو الكوفة، حيث أرسل أمير

| سورة البقرة، الآية ١٠٤. | سورة الأعراف الآية ٣٣

المؤمنين الإمام الحسن عليهما السلام وبعض هؤلاء الأصحاب، وكان لهم مع الناس في المسجد مداولات وأحاديث ومحاججات تعتبر من المواقف المثيرة وذات المغزى العميق في تاريخ الإسلام. ولهذا السبب يُلاحظ أن الهجمات الأساسية لأعداء أمير المؤمنين وجهت صوب هذه الشخصيات؛ ضد مالك الأشتر، وضد عمار بن ياسر، وضد محمد بن أبي بكر، وضد كل من وقف إلى جانب أمير المؤمنين منذ البداية وأثبت صلابة إيمانه وسلامة بصيرته، ولم يتورع الأعداء عن كيل أنواع التهم إليهم والسعي لاغتيالهم، ولهذا قضى أكثرهم شهداء؛ فاستشهد عمار في الحرب، واستشهد محمد بن أبي بكر بتحايل أهل الشام، وكذا استشهد مالك الأشتر بحيلة من أهل الشام. وبقي البعض الآخر منهم إلى أن استشهدوا على نحو قاس

وفجيع.

كان أمير المؤمنين عليه السلام في مواجهة فئات ثلاثة : القاسطين والناكثين والمارقين؛ أي أولئك الذين ظلموا؛ والذين نكثوا البيعة؛ والذين ارتدوا عن الدين فمجموعة تشكلت من أهل الشام؛ أي أصحاب معاوية وعمرو بن العاص حيث كان لبعضهم تجربة طويلة نسبيًّا في الإسلام، وبعضهم كان حديث العهد بالإسلام، ولم يمض على إسلامهم في حياة النبي صلى الله عليه وآله إلا سنتين أو ثلاث ولم يدركوا شيئًا من ذلك الزمان؛ وكانت عمدة فترة إسلامهم ما بعد حياة النبي. بعض الذين كانوا من جناح أهل الشام كانوا من أصحاب النبي. هؤلاء كانوا قوةً مقتدرة باللحاظ السياسي، وكذلك من جهة الإمكانات المالية والمناورات الحكومية أيضًا، وكان بيدها إمكانات

كثيرة، كانت في مواجهة أمير المؤمنين عليه السلام.

17- بالطبع لم تكن المسألة أن يعتبر الإمام عليه السلام حاكم (والي) الشام فاسقا ويواجهه فقط؛ لأن الولاة لم يكونوا جميعهم عادلين عندما وصل أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحكم كانوا جميعهم، موجودين [كولاة] ولم يكونوا عادلين، لم تكن مشكلة أمير المؤمنين عليه السلام معهم في عدم عدالتهم، كان من بين هؤلاء أشخاص ضعاف الإيمان؛ فزياد بن أبيه الذي كان على ما يبدو قبل

حكومة أمير المؤمنين حاكمًا في فارس وكرمان وهذه المناطق؛ وكان كذلك في زمن أمير المؤمنين عليه السلام، وعندما وصلت الخلافة والحكومة إلى الإمام الحسن عليه السلام كان حاكمًا أيضًا؛ بالطبع الحق فيما بعد بمعاوية، لذلك كانت المسألة مسألة ظلم، كانت القضية قضية تغيير منهج الخط الإسلامي وتغيير وجهة حياة المسلمين، فكان من الإمام أمير المؤمنين أن صمد وثبت ولم يقع تحت تأثير أي ضغط أو اعتراض

18- والمعضلة الأشد كانت مع أصحاب الجمل حيث كانت عائشة أم المؤمنين من ضمن هؤلاء، مع كل ذلك الاحترام الذي يكنه المسلمون لها، كما أن طلحة والزبير كانا من أقدم المسلمين إسلاما من الصحابة الكبار، ومن أتباع أمير المؤمنين نفسه عليه السلام وبعضهم من أقربائه – حيث كان الزبير ابن عمة أمير المؤمنين والنبي صلى الله عليه وآله – هؤلاء جميعًا اجتمعوا في جهة ووقف علي في جهة أخرى، وقد حدد عليه السلام تكليفه بدقة وتحرّك وعمل

بحسم.

19- إن أكبر مشكلة كانت في زمن أمير المؤمنين هي وجود تيار يدعي الإسلام في الظاهر ويرفع الشعارات الإسلامية؛ إلا أنه كان منحرفًا في قضية أساسية جدًّا في الدين ألا وهي قضية الولاية؛ لأن الولاية هي . ، علامة التوحيد وظله الولاية تعني الحكومة؛ ذلك الشيء المتعلّق بالله تعالى في المجتمع الإسلامي، وجاء منه تعالى إلى النبي صلى الله عليه وآله، ووصل من النبي صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام كان لدى هؤلاء الاشخاص شكّ في هذه النقطة ووقعوا في الانحراف ولم يفهموا الحقيقة، رغم كون بعضهم من أصحاب السجدات الطويلة هؤلاء الأشخاص الذين انكفأوا عن أمير المؤمنين في معركة صفين وذهبوا لحراسة الحدود في خراسان وبقية المناطق وسكنوا هناك، كانت لهم عبادات وسجدات ليل لساعات طويلة، لكن ما هي فائدة ذلك من شخص لا يعرف أمير المؤمنين، ولا يعرف الخط الصحيح، الذي هو خط التوحيد

وخط الولاية، ويذهب وينشغل بالسجود؟؟

ما مي فائدة هذه السجدة؟ تشير بعض روايات الولاية إلى مثل هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يقضون أعمارهم في العبادة ولكنهم لم يعرفوا ولي الله ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أ بدلالته ). أي عبادة هذه؟ لقد واجه أمير المؤمنين مثل هؤلاء.

١٣٧٠/١/٢٦

أعماله

20– لا يخلو أي موقف نتخذه في الحياة من أحد طريقين ولونين. فأينما اتجهتم وذهبتم ستكونون إما في هذا الطريق أو في ذاك، ولا طريق وسط؛ ولا ثالث لهما. فما هما هذان الطريقان؟ هما «الحق والباطل» طريق الحق وطريق الباطل «حق وباطل ولكل أهل (۲) ولكل واحد منهما أتباع وسالكون. لا يظنن أحد أن طريق الوسط موجود هنا أيضًا! ولا يتصورنّ أحد أنه توجد منطقة وسطية غير منحازة ، عسكرية أو غير عسكرية بين منطقة وصف ومعسكر أمير المؤمنين عليه السلام وبين منطقة وصف ومعسكر طلحة والزبير أو معاوية بن أبي سفيان. أبدًا؛ لا يوجد البتة.

إذا لم تكن – أنت – ضمن دائرة ومحيط صف علي عليه السلام فأنت خارج صفه الولاية هي أهم أصل إسلامي. فالولاية هي الالتحاق والالتصاق بصف الإسلام بشكل واضح وجلي وكذلك الانفصال عن صف الباطل بنحو بارز وجلي أيضًا، لا مكان وسط بين هذين الصفين ليكون له صفة اللامعارضة لأي طرف حتى تقول أنا لست هنا ولست هناك لا لي ولا علي» لا ثوابا أريد ولا ذنبًا

أقترف، وأجلس جانبًا في زاوية؛ فهذا الشيء غير متصور. ١٢٥٢/٩/٢٢ ٢٩ – إنها لمثيرة للدهشة تلك الجملة التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام أيها الناس إنَّ أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه فإن شَغَبَ شاغبٌ استعتب فإن أبى قوتل»(۳)، فإذا ما وقف شخص مقابل هذا المسير الصحيح الذي أخطط له فتنة واضطرابا نصحته ليؤوب ويرجع وإن أبى أسل السيف.

1 | بحار الأنوار، العزء ٦٥ ، الصفحة ٣٣٣

۲ | نهج البلاغة الخطبة ١٦.

| نهج البلاغة، الخطبة ١٧٣.

فالشخص الذي يتخطى هذا الطريق، يواجه بالسيف العلوي.

۱٣٧٠/١/٢٦

للمشاركة:

روابط ذات صلة

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل