ورأي السيد البروجردي “قدس سره“
بقلم آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي “رحمه الله تعالى”
وفيم يلي تفصيل وإيضاح وبسط لبعض النقاط المتقدمة في المقالتين رقم (1) و (2) الذي يحتاج إلى بسط وتفصيل:
تفصيل النقطة الأولى
للحياة لاجتماعية حاجات ومتطلبات ضرورية لا يمكن أن ينهض بها الفرد في أي مجتمع من المجتمعات. وأهم هذه الضرورات ثلاثة:
أولاً: الخدمات الاجتماعية البالغة حد الضرورة، وهي تحتل مساحة واسعة من حياة الناس مثل الخدمات الصحية والتربية والتنظيم والمواصلات، وأمثال ذلك، وهذه الخدمات تتوسع وتزداد وتتعقد كلما تقدم الزمان، وتطورت حياة الإنسان.
ثانياً: القضاء وحسم الخلافات والمشاكل التي يتعرض لها الناس في علاقاتهم وتعاملهم عادة.
ثالثاً: توفير الأمن في حياة الناس من العدوان الداخلي وهو عدوان بعضهم على بعض، والعدوان الخارجي، وهو يتطلب وجود رقابة اجتماعية قوية وإنزال العقوبات القانونية لحماية أمن الناس من الداخل، وحفظ أموال الناس وأعراضهم وحفظ أموال القصر والأموال والثروات العامة من الضياع والتلاعب والعدوان، كما يتطلب وجود قوة عسكرية نظامية لحفظ أمن المجتمع من الخارج.
وليس من الشك في ضرورة هذه الحاجات في الحياة الاجتماعية واختلال الحياة الاجتماعية من دونها، كما لا شك أن هذه الحاجات لا يمكن أن ينهض بها الفرد إطلاقاً، ولا يتيسر القيام بهذه الحاجات إلاّ من خلال الهيئة الحاكمة والنظام السياسي والإداري للمجتمع.
أن الدولة بكل مكوناتها هي المؤسسة الوحيدة التي تستطيع القيام بهذه المهمات في حياة الناس، وضرورة هذه الحاجات في حياة الناس تساوي ضرورة قيام الدولة في المجتمع للقيام بهذه المهام.
يقول أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: ((لا يصلح الناس إلاّ أمير برّ أو فاجر)).
قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا البر فكيف بالفاجر؟
قال: ((ان الفاجر يؤمّن الله به السبيل، ويجاهد به العدو، ويجبى به الفيء، ويقيم به الحدود، ويحج به البيت، ويعبد الله فيه السلم حتى يأتيه أجله)).
تفصيل النقطة الثانية
تتناول الشريعة كل الشؤون التي ذكرناها في النقطة المتقدمة بشكل واسع ومنظم، وتتشابك الأحكام التي لا يمكن تنفيذها إلاّ من خلال وجود سيادة شرعية (دولة ونظام) في أبواب الفقه المختلفة حتى يكاد أن يكون هو الطابع العام لأوسع مساحة في الفقيه.
ففي العبادات، وهي تخصّ العلاقة بين العبد وربّه نجد أن طائفة واسعة من العبادات مصمّمة لكي تتم ممارستها من خلال وجود نظام سياسي وإداري وسيادة شرعية، مثل صلاة الجمعة والعيدين والحج وتربطه الشريعة نظام علاقة الإنسان بأسرته في شؤون الزواج والطلاق والنفقة والميراث وهي ما يسمى اليوم بـ (الأحوال الشخصية)… وبالقضاء، وهو الذي يتولى حسم الخلافات التي يحدث داخل الاُسرة في الزواج والطلاق والميراث والنفقة، ولا يمكن تنفيذ هذا النظام بشكل كامل من دون القضاء.
وتتناول الشريعة بتنظيم علاقات الناس بعضهم ببعض في الأموال والحقوق وهو (الأحكام المدنية) و (المعاملات) وهي كذلك تحتاج إلى رقابة الدولة القضاء.
وتتناول الشريعة أحكام الرقابة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) و (الحسية).
كما تنظم الشريعة علاقات الناس بالحاكم والهيئة الحاكمة وهي (الأحكام السلطانية)، وتتناول القانون الإداري و الحقوق الدستورية.
وتنظم الشريعة واردات الدولة ومسؤولياتها المالية وهي (النظام المالي) وأحكام الزكاة والخمس والأنفال والفيء.
كما تتناول الشريعة ما يحدث بين الناس من الخلافات بالتسريع والتفصيل، وتحدد الجزاء والعقوبات بشكل دقيق وهو (باب القضاء) وقانون (العقوبات والجزاء).
كما تنظم الشريعة علاقة الدولة الإسلامية بالدول الاُخرى في السلم والحرب، وهو ما يسمى بـ (القانون الدولي).
ولا نريد أن ندخل تفاصيل البحث عن هذه النقطة فهي كثير، وكما قلنا سابقاً تشبيك أحكام الولاية والسيادة السياسية والحاكمية بأبواب الفقه المختلفة حتى تكاد أن تغطى أوسع مساحة في الفقه من العبادات إلى المعاملات والعقود والإيقاعات والسياسات.
يتبع…
التكملة في المقالة رقم (4)
لقراءة المقالة رقم ( 2 ) اضغط هنا