الحسين أحمد كريمو
5 / شعبان / 1444ه
ولادة الإمام علي بن الحسين زين العابدين وسيِّد السَّاجدين (ع) هي مناسبة للحديث والبحث عن تلك القامة الإيمانية، والعلمية، والشخصية الرَّبانية المميَّزة في هذه الأمة، بل في هذه الإنسانية المعذَّبة في عصر الحضارة الرقمية اليوم، وذلك لأنها تعاني من كثير من المعضلات التي تراها مستحيلة الحل، وذلك لأن المفكرين والمعنيين بحلِّها يُفكرون فيها من داخلها فيدورون في حلقة مفرغة.
وفي الحقيقة يجب النظر إليها من خارجها ليروها كاملة وتكون صورتها واضحة وعندها يمكن رؤية نقاط الضعف والتَّلف فيها، ويمكن ترميمها أو إعطاء وصفة علاج لها تكون ناجعة في حلِّها، ونافعة لأصحابها، وأصحاب الحضارة الرقمية قتلوا الإله كما قال نيتشة المجنون يوماً من أيام الصحوة، فكيف لهم علاج أزماتهم وهم مصابون بها؟
أزمة الحقوق المعاصرة
ومن أكبر وأعقد هذه الأزمات هي أزمة الحقوق، فهي الأزمة التي ضاعت تحت أقدام الأقوياء في عصر القوة والهيمنة لإمبراطورية الشَّر العالمي على هذا الكوكب ومحاولتها لسلب كل الحقوق لكل الشعوب، ونهب كل خيرات الأمم لتكديسها عندهم لأن شعارهم المعروف: (أمريكا أولاً)، وبعدها الناس إلى الجوع، والحرب، والموت بلا شفقة.
فالحقوق هي أزمة الإنسان المعاصر، لأن أصحاب الحضارة الرقمية نظرت لنفسها فقط ولم تنظر للشعوب والأمم الأخرى كبشر يحقُّ لهم العيش بأمن وأمان، وسلم واطمئنان، بل نظروا إليهم كحيوانات التجارب كما رأينا وقرأنا من تسريبات عن الحرب البايولوجية التي تشنها إمبراطورية الشيطان الأكبر على شعوب الأرض والتي فضحتها كوفيدا 19 أو فايروس كورونا الذي أربك العالم أجمع لأكثر من سنتين ولم تنته بعد فصولها التدميرية ففي كل يوم نسمع بفايروس قاتل جديد من صناعتها وتوزيعها.
الإمام زين العابدين (ع) وأزمة الحقوق
وحل هذه الأزمة المستعصية لن يجدها العالم أجمع إلا بالعودة إلى تلك القمم الشَّاهقة، والقامات السَّامقة من أئمة المسلمين، الذين جعلهم الله حججاً على العباد وقادة للبلاد ليصنعوا الحضارة الإنسانية ويوزعوا السَّعادة على البشرية، ولكن شحَّت نفوس بعضهم بها وسخت نفوسهم الأبيَّة أن يتنازلوا قيد أُنملة عن القيمة والفضيلة في سبيل الدنيا الدَّنية.
والعالم كم هو بحاجة إلى ذلك الدستور والمنهج الراقي جداً الذي كتبه الإمام الرابع من أئمة المسلمين الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) زين العابدين وسيِّد السَّاجدين (الذي ما رُؤي في أولاد الأنبياء مثله) كما يقول جابر بن عبد الله الأنصاري، باسم (رسالة الحقوق) حيث يفصِّل فيها الحقوق الثلاثية للبشر وهي:
1- حق الله سبحانه وتعالى الخالق والمنعم.
2- حق النفس – الجوارح والجوانح- على الإنسان بالتزكية والتطهير.
3- حق الآخر من البشر كالوالدين والأولاد والزوجة والأهل والجيران والمعلم..
فهذه الحقوق المتشابكة والمترابطة بعضها مع بعض يُفصِّلها الإمام زين العابدين (ع) في رسالته بأكثر من خمسين حقاً وهي متماثلة ومعادلة وعندما يعرف البشر هذه الحقوق ويؤدونها سوف تُحلُّ كل معضلات الحقوق العالمية التي نعاني منها جميعاً في ظل الهيمنة ومحاولة السيطرة لإمبراطورية الشَّر الشيطانية وربيبتها الصهيونية المجرمة.
أصل الحقوق وأساسها
ولكل شيء أصل، ولكل بناء أساس لا يمكن أن يقوم بدونه ولكن هل عرفت البشرية أصل الحقوق، وأساسها الذي بُنيت عليه؟
أعتقد بيقين الجازم أن غير أصحاب هذه المدرسة المحقَّة لم يعرفوا إلا نزراً يسيراً عن ذلك، وهو ما بيَّنه بكل بلاغة وبيان ووضوح الإمام السجاد (ع) في مقدمته الرائعة حيث يقول في رسالته الذهبية الحقوقية: (اِعْلَمْ رَحِمَكَ اَللَّهُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيْكَ حُقُوقاً مُحِيطَةً بِكَ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ تَحَرَّكْتَهَا، أَوْ سَكَنَةٍ سَكَنْتَهَا، أَوْ مَنْزِلَةٍ نَزَلْتَهَا، أَوْ جَارِحَةٍ قَلَبْتَهَا، وَآلَةٍ تَصَرَّفْتَ بِهَا، بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَكْبَرُ حُقُوقِ اَللَّهِ عَلَيْكَ مَا أَوْجَبَهُ لِنَفْسِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ حَقِّهِ اَلَّذِي هُوَ أَصْلُ اَلْحُقُوقِ وَمِنْهُ تَفَرَّعَ). (تحف العقول: ج۱ ص۲۵۵)
وأصحاب الحضارة الرقمية ضيَّعوا أصل الحقوق وأساسها الذي هو حق الله تعالى، فظنوا في أنفسهم عندما استغنوا أنهم استغنوا عن المبدأ والميعاد للأسف الشَّديد.
فحلُّ أزمة الحقوق العالمية عند الإمام السجاد (ع) ولن يجدوا لها حلاً إلا في رسالته الربانية، ونظرته الرَّحمانية، وكلماته النورانية، فهلا عرَّفنا العالم بهذا الكنز الثمين؟