Search
Close this search box.

العَبَاسُ (ع) رَمزُ الفِدَاءِ وَنَبعُ العَطَاءِ

العَبَاسُ (ع) رَمزُ الفِدَاءِ وَنَبعُ العَطَاءِ

الحسين أحمد كريمو

4 / شعبان / 1444ه

الحديث والبحث عن عظماء التاريخ وشخصياته البارزة، وقممه الشَّاهقة هو بحد ذاته حديث جميل، وجليل، ومفيد لأننا نقدِّم تلك الشخصيات الراقية لأجيالنا ليكونوا لهم قدوات ولمسيرتهم أسوات في خضم هذا العصر الذي صارت سمته الواضحة (التفاهة)، لأن هؤلاء الأشقياء من عبدة العجل الذَّهبي منذ أن صنعه لهم السَّامري صاروا يروِّجون لثقافة السخافة والمياعة والتفاهة بكل معانيها وأبشع مبانيها.

ف(عصر التفاهة) كما سمَّاه (آلان دونو) في كتابه المعروف انطلق من صناعة أشخاص في غاية التفاهة والسقوط ليُقدِّمهم إلى الأجيال الشَّابة على أنهم نجوم يجب أن يقتدوا بهم، أو بهن، وبذلك يضربون الأسس التربوية والأخلاقية لهؤلاء الفتية فيسيروا وراءهم كالقطيع تماماً، حتى لو دخلوا نفق قذارة لدخلوه معهم، لأنهم يستلبون منهم إرادتهم أولاً ثم يقدِّمون لهم الطعم ثانياً، ليستدرجونهم إلى مقتلهم بل ومقتل أممهم وشعوبهم وبلدانهم وحضاراتهم بأيديهم..

حضارة القيم الراقية

ونحن نبحث ونشجِّع على حضارة القيم الراقية، والحضور الدائم والضروري لمنظومة الأخلاق الإنسانية في المجتمعات البشرية، لأنه لا حضارة بدون حضور الإنسان لدى أخيه الإنسان وفق تلك المنظومة الضابطة والناظمة لحركة الحياة بينهما، وأما ما نراه اليوم في أصحاب الحضارة الرقمية البراقة وأضوائها اللامعة فإنها ليست حضارة بل حقارة تريد أن تطغى على الحضارة، لأنها تضرب أسس الحضارة وقيم الإنسانية في الشعوب والأمم.

فالحضارات تقوم على الأخلاق، والحقارات تدمر الأخلاق، وتميِّع الأعراق، ومنظومتنا الأخلاقية غنية جداً بتلك القيم الإنسانية كالوفاء، والعطاء، والكرم، والجود، والإحسان، والشجاعة، والبطولة، والشهامة، والرجولة، ومن مختصاتنا الإيمانية الإيثار، والإحسان، واليقين، والجهاد في سبيل إحقاق حقوق الآخرين، وتقديم النفس والروح بالشهادة.

فالشهادة عندنا قيمة عظمى من القيم الإنسانية والإيمانية تعلمناها وأخذناها من أولئك العظماء، وقادة، وسادة الشهداء، بل سادة الخلق أجمعين محمد وعترته الطاهرين (صلوات الله عليهم جميعاً)، فصارت الشهادة ثقافة حضارية في هذه الأمة في عصر الحضارة الرقمية، وهذا ما أثار أصحابها وأزعجهم فراحوا يحاربوننا بكل ما لديهم من قوة وخبث وإعلام فاسق.

العباس (ع) رمز الفداء

ومن هؤلاء القادة العظماء ندرس حياة سيدنا أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين الإمام علي (ع)، حيث قام بتلك القامة العالية، ووقف تلك الوقفة الشامخة رافعاً سيفه ليكون أطول سيوف الحق في التاريخ، وشامخاً بقامته ليكون حامل لواء العدالة في طول الزمن الآتي بعده، وهو في كربلاء ويوم عاشوراء أعلى وأطول راية رفعتها البشرية في مسيرتها الإنسانية عبر العصور وكرِّ الدُّهور.

فالعباس الذي رفض كل العروض المقدمة له من أجل الحياة الذليلة، في ظل الخسَّة والدناءة الأموية فرفضها هو وإخوته الكرام الشهداء وفضَّلوا وقدَّموا الموت في ظل الولاية الإلهية، والدفاع عن الحق والعدل والرسالة، وعن الإمام الذي نصبه الله ليكون مناراً وراية هدى للعالمين وكان ذلك بشخص أخيه الإمام الحسين (ع) فقدَّم نفسه العزيزة، وإخوته الكرام، فداء لهذا الإمام الكريم، والإسلام العظيم، والحق القويم.

العباس (ع) نبع عطاء

ومن قيمنا التي نفخر بها هي قيمة العطاء بلا حدود والشاعر يقول: (والجود بالنفس أسمى غاية الجود)، والعباس أعطى كل شيء عنده، وكل ما لديه في سبيل الله، وبذلك شرَّع للشباب والأجيال شريعة العطاء كما تشهد له بالولاء والفداء شريعة الفرات التي تسمَّى باسمها حتى صار السَّقاء للماء في يوم عزَّ فيه الماء، لأن الأعداء قطعوا الماء عن معسكر الإمام الحسين (ع) وهم على شاطئ الفرات المتلاطم، وتشربه الوحوش والحشرات إلا أن نذالة وحقارة أولئك الأشقياء الذين منعوا عنهم الماء والماء حياة، فقدَّم حياته ليجلب الماء إلى عيالاته وبنات رسول الله (ص).

فصار العباس بتلك الفضيلة، مجمعاً للفضائل والقيم وقد أحسن الشاعر حين قال:

 أبا الفضلِ يا مَنْ أسّسَ الفضلَ والإبا*** أبي الفضلُ إلا أن تكون له أبا

فأصبح العباس قيمة من قيم الحق والفضيلة والعطاء بلا حدود وكأنه نبع من ينابع ذلك كله وهو قدوتنا في الفداء، وأسوتنا في العطاء فهل عرفناه واستطعنا أن نقدِّمه للأجيال بهذه الصورة الراقية لنقول لهم: هذا هو القدوة والنجم فاقتدوا به تهتدوا؟

 السلام على أبي الفضل العباس رمز الفداء، ونبع العطاء وعلى أمه وإخوته الشهداء.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل