Search
Close this search box.

الشهيد الصّدر لم يكن مجرّد مجتهد بل كان أمل مستقبل الإسلام

الشهيد الصّدر لم يكن مجرّد مجتهد بل كان أمل مستقبل الإسلام

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ مقطع من كلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 10/4/1987 حول مختلف الجوانب للشهيد محمّد باقر الصّدر حيث يشيد سماحته بكونه المجتهد القويّ الذي كان يحظى باحترام قاطبة العلماء ولم يكن له من العمر أكثر من 25 ربيعاً ويقول أنّه لم يكن مجرّد مجتهد بل أملاً لمستقبل الإسلام، ويدين قائد الثورة الإسلاميّة إقدام الحكومة المجرمة في ذلك الزّمان على اغتياله بذاك الأسلوب الشّنيع دون أيّ مراعاة لمكانته العظيمة في العالم الإسلاميّ.

أوّل قضيّة سوف أشير إليها احتراماً للروح الجليلة لشهيدنا العزيز، المفكّر الإسلاميّ العظيم المرحوم آية الله الصّدر، هي إشارة مقتضبة إلى شخصيّة هذا العظيم وأهميّة حادثة استشهاده. المرحوم آية الله الصّدر كان بلا شكّ من الشخصيّات البارزة في العالم الإسلاميّ. لم يكن مجرّد عالم دين ومجتهد بل أملاً لمستقبل الإسلام وخاصّة لمستقبل العراق والشّعب العراقي. كان من الشّخصيّات النادرة التي حملت الفقاهة الإسلاميّة مع الفكر الجديد والإبداع في المسائل والشّجاعة والتديّن والتّقوى.

لقد التقيت ذاك الشّهيد الجليل عام 1957، أي قبل ثلاثين عاماً، في النّجف. كان حينذاك شابّاً له من العمر أربعة وعشرون أو خمسة وعشرون ربيعاً، وفي ذاك العُمر، كان هذا الرّجل معروفاً بالفضل والإحاطة بالأسس الإسلاميّة والفقاهة؛ كنت أستغرب كيف يحظى رجلٌ شابٌّ في هذا العُمر باحترام قاطبة الفُضلاء لكنّه كان كذلك. كنّا نسمع في تلك الأيّام من العديد من الأشخاص أنّ سماحته مجتهدٌ قويّ، وأعتقد أنّه في تلك المدة كان قد ألّف أحد هذين الكتابين – لعلّه كان «فلسفتنا» – أو نشره أو كان يُتناقل أنّه ألّفه ومن المقرّر أن ينشره. أذكر أمراً كهذا. وعموماً كان شخصيّة بارزة إلى هذا الحدّ في الساحة العلميّة.

في تلك المرحلة كان معروفاً بالتّقوى والتديّن أيضاً، أي كان في حوزة النّجف معروفاً بأنّه شخصيّة متديّنة ومُتّقية وشابّ لطيف، وهذا الإنسان مع هذا الكمّ من الموهبة والعلم والأخلاق والتّقوى عمل سنوات طويلة: ألقى الدّروس، ربّى التّلاميذ، مارس العمل السّياسي، مارس العمل التّنظيمي، خاض في الشؤون السياسيّة العراقية، أدرك الشؤون العالميّة للإسلام وعرفها. طبعاً ذاك المقدار الذي نعلمه عن شخصيّة سماحته هو أقلّ قطعاً ممّا هو عليه، والدّليل أنّه كلّما كانت تُنشر مقالة أو مخطوطة عن سماحته ويصلنا شيءٌ جديدٌ من سماحته، نشعر من جديد باحترام أكبر تجاه سماحته. مثل هذه الشخصيّة ومثل هذا الفرد! حقّاً إن واحدة من كبريات جرائم نظام [البعث] في العراق إقدامه على قتل مثل هذه الشخصيّة العظيمة بهذه الكيفيّة الشّنيعة، وسلبه من البشريّة والأمّة الإسلاميّة. لا تدور القضيّة حول اختلافٍ سياسيّ في الرّأي، ففي أنحاء العالم كافة، تواجه الحكومات معارضيها بممارسات عنيفة في بعض الأحيان، لكن هناك شيءٌ من المراعاة في أنحاء العالم كافة للشخصيّات العلميّة البارزة والعظيمة. لا ينكّلون بهذه السّهولة بالورود الاستثنائيّة، ولا يقلعون ويقمعون بهذه السّهولة غرسةً استثنائيّة أو إنساناً استثنائيّاً. والنظام المجرم والقسيّ القلب والشّقي الحاكم على العراق لم يكتفِ بسماحته فقط، بل قتل بأسلوب شنيع أيضاً أخته التي كانت كما ينقلون سيّدة بارزة أيضاً وجديرةً ومناسبةً حقاً أن تكون شقيقة المرحوم الصّدر. طبعاً إنّ الكلام والروايات حول كيفيّة شهادة هذه الأخت والأخ كثيرة، ولأنّني ليس لديّ يقين حول خصوصية الأمر وهو شنيعٌ طبعاً، لا أرغب في نقلها، لكن ليس هناك شكٌّ في أنّه سلبنا وسلب المجتمع الإسلاميّ والشعب العراقيّ خاصّة هذا الإنسان العظيم بمظلوميّة كبيرة.

تلك النّقطة التي أريد تأكيدها هي أنّ حادثة استشهاد هذا العظيم لها بُعدان. البُعد الأوّل هو ما ذكرته، أي الخسارة. لقد كانت خسارة للعالم الإسلاميّ. وفعلاً «ثَلُمَ في الإسلامِ ثَلمة لا يسدّها شيء». لقد ثُلم وأُحدثت حفرة وأُلحق ضرر كبير. هذا أحد أبعاد القضيّة. ولا بدّ في هذا البُعد أن يُساءل النظام العراقي ويُؤاخذ بجديّة، لا من شعبنا أو الشّعب العراقيّ فقط، بل مِن العالم الإسلاميّ أجمع والعالم العربيّ كلّه، خاصّة أولئك الذين يتبجّحون بالعروبة. قُتلت شخصيّة عربيّة عظيمة على يد هؤلاء الجناة العديمي المروءة، ولا بدّ أن تجري مؤاخذتهم، بل يجب أن يؤاخذهم التاريخ. هذا أحد أبعاد القضيّة. والبُعد الثاني لها هو البُعد البنّاء لهذه الحادثة العظيمة، فهذه شهادة وهذا دم، وهو دمٌ بهذه الطّهارة وبهذه النفاسة. هذا الرّجل النّفيس والعزيز الذي كان وجوده نافعاً للإسلام، وهو أيضاً كان مدركاً ذلك، بقي في العراق وناضل وقاوم ولم يستسلم حتّى بذلَ حياته، وبتلك الكيفيّة أيضاً. لا شكّ في أنّه لو تجاوب قليلاً، أو لمّح قليلاً إلى ذلك، أو أقدم على حركة تدلّ على نوعٍ من المساومة، لحُفظت روحه. وكان قادراً على أن يحفظ نفسه لكنّه رفض ولم يقبل.

لقد أوصى شعبه وأهله وأتباعه قائلاً: «ذوبوا في الإمام الخمينيّ كما ذابَ هو في الإسلام». قال لهم ذوبوا في الإمام العزيز للأمّة الإسلاميّة كما أذابَ نفسه في الإسلام. وسلّموا له كما سلّم نفسه للإسلام. أيُّ بصيرة عميقة وعظيمة هذه! أيُّ شجاعة تكون لدى الإنسان إلى حدّ أنّه يجلس في العراق تحت الظلّ الثقيل والعكر والمظلم لتلك الحكومة المجرمة والنظام البوليسي وتضييق الخناق الشّديد ويتكلّم بهذه القوّة ويُثني على الثّورة الإسلاميّة في إيران وقائد هذه الثّورة! هذه هي الشخصيّة البارزة لسماحته. إن مقاومته وشجاعته وصراحته ومحبته وإنصافه وفي نهاية المطاف شهادته قدوة للجميع وخاصّة للمجاهدين العراقيّين والشّعب العراقيّ عامة ليستلهموا الدروس منه وليُبقوا ذكرى شهادته حيّة. هذه الأشكال من الشّهادة حيث تُراق فيها مثل هذه الدّماء الطّاهرة، وفوقها كلّها شهادة الحسين بن عليّ (ع) في عاشوراء، لا بدّ أن تبقى حيّة حتّى الأبد وتكون درساً، ولا بدّ أن نستلهم منها. هذا في ما يخصّ هذا الموضوع ونأمل أن يشكّل هذا اليوم المحفوف بالحماسة منعطفاً لكي يتمكّن الشّعب العراقي من الاستلهام منه وينهض بمسؤوليّته التاريخيّة في هذه البرهة وهذه المرحلة.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل