Search
Close this search box.

لَيلَةُ القَدْرِ هِيَ فَاطِمَة فَاعرِفُوا قَدْرَهَا

لَيلَةُ القَدْرِ هِيَ فَاطِمَة فَاعرِفُوا قَدْرَهَا

الحسين أحمد كريمو

ليلة القدر 19 / شهر رمضان / 1444

مقدمة نورانية

النور في هذه الدنيا هو الذي يُظهر الأشياء، ولكنه يخفى على الآخرين لشدَّة ظهوره، ووضوحه، ولولا النور لبقينا في ظلمات لا يكشفها إلا الخالق تعالى، والرَّب سبحانه ضرب لنا مثلاً لنوره في هذه الحياة، فقال: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النور: 35)

فهذا المثل هو خاص بأهل النور في البشر الذين اصطفاهم الله، واجتباهم، واختارهم على علم على العالمين، وهم الصَّفوة المختارة من الخلق، الذين اصطفاهم واجيباهم وأنزل عليهم كتابه ورسالته ليبلِّغوها للعالمين فهم القادة والسَّادة، الذين قال الباري سبحانه عنهم في نفس سياق ذلك المثل: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ) (النور: 36)

وهم أهل البيت الأطهار الأبرار الأخيار الذين اصطفاهم الله وجعلهم أهل الفضيلة والشَّرف والقَدْر والذِّكر، وسيِّدة ذلك البيت الذي أذن الله أن يُفرع على كل البيوت، هي سيِّدة نساء العالمين في الدنيا والآخرة، وهي الجوهرة القدسية التي وهبها الباري لحبيبه المصطفى لتكون مشكاة النور، وأم الأئمة في هذه الأمة.

فاطمة ذات القَدر

وفاطمة الزهراء (ع) تلك المرأة الفريدة في نوعها وبنات جنسها هي الوحيدة التي يصدق عليها أنها الدُّرة اليتيمة في هذه الدنيا لأنها وحيدة لا ثاني لها في عصمتها وخصوصياتها وصفاتها ونورها المتألق الذي يقف برزخاً بين النبوة والرسالة الخاتمة، والولاية الإلهية العظمى، فكانت كنزاً مخفياً عن الخلق ولولا أن الرسول الأعظم (ص) وأهل البيت عرَّفونا مقامها وعظيم شأنها لما عرَّفناها بأدنى مراتب المعرفة إلا أنها امرأة قرشية عاشت فترة قصيرة من الزمن وذهبت إلى ربها شهيدة مظلومة في شرخ شبابها، كما يُحاول رجال قريش ونساؤها أن يظهروها.

ولكن الآيات الكريمة، والروايات الشريفة التي جاءت بمدحها ووصفها وبيان مكانتها وقَدْرها هي التي عرَّفتنا بهذه النفحة الروحانية، والمخلوقة النورانية، فهي الحوراء الإنسية، والبضعة النبوية، والقرينة العلوية، بل هي أم أبيها، وشرف زوجها، وفخر بنيها، ولذا ورد أنها علَّة الخلق الأولى، كما في الحديث القدسي الوارد: (يا أحمد؛ لولاك ما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما)، فمَنْ أراد المعرفة الفاطمية عليه أن يعرفها هنا، وفي هذا المقام الشامخ.

ومعرفة السيدة فاطمة (عليها السلام) متعذرة على الخالق إلا بقدْرهم لا بقدْرها ولذا ورد في الحديث عن سبب اسمها: (إِنمَا سُمِّیتْ فَاطِمَةَ لِأَنَّ الْخلْقَ فطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا)، ولذا قالت للأمة في مسجد أبيها رسول الله (ص) في خطبتها الفدكية الاحتجاجية على السلطة القرشية: (أَيُّهَا النّاسُ؛ اِعْلَمُوا أَنّى فاطِمَةُ وَأَبى مُحَمَّدٌ)، أي على الناس معرفتها بهذا القَدْر وهذه النسبة الفريدة الوحيدة في هذه الدنيا (فاطمة بنت محمد)، وهنا إنكسر القلم.

فاطمة ليلة القدر

ونحن نحاول أن نحصل ونُحيي لنحيا في ليلة القدر العظيمة التي هي خير من ألف شهر وهو فترة حكم بني أمية، وهي التي نزل فيها القرآن هدى للناس وبيِّنات من الهدى وفيها ارتفع مَنْ ارتفع من الأنبياء والأولياء لا سيما ولي الله الأعظم أمير المؤمنين (ع)، والتي جعلها الله خفيَّة في العشر الواخر من شهر الله شهر الضيافة الربانية، والكرامة الرحمانية، شهر رمضان المبارك.

وهي ليلة الشَّرف، والكرامة، والتقدير لكل ما ينزل في السَّنة من الأرزاق والأعمار والآجال على هذا الخلق تتنزل بها الملائكة الكرام على ذلك النور الذي جعله الله حُجة على خلقه من أبناء تلك البضعة النبوية المباركة التي على معرفتها دارت القرون الأولى، وهي المخلوقة ذات الشَّرف والمكانة والقَدر، ولذا ورد في الأحاديث الشَّريفة ما يضعها في مكانها ومكانتها التي أرادها الله لها وهي أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي ليلة القدر.

فعَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ الصَّاِدق (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أَنَّهُ قَالَ: (إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِاَللَّيْلَةُ فَاطِمَةُ، وَاَلْقَدْرُ اَللَّهُ فَمَنْ عَرَفَ فَاطِمَةَ حَقَّ مَعْرِفَتِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ اَلْقَدْرِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ لِأَنَّ اَلْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا).

والإمام محمد الباقر (عليه السلام) قال: (إنَّ فَاطِمَةَ هِيَ لَيلَةُ القَدْرِ، مَنْ عَرَفَ فَاطِمَةَ حَقَّ مَعرِفَتِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ لَيلَةَ القَدْرِ، وَإِنَّمَا سُمِّيتْ فَاطِمَة لِأنَّ الخَلقَ فُطِمُوا عَنْ مَعرِفَتِهَا، وَمَا تَكَامَلَتْ النُّبُوَّةُ لِنَبِيٍّ حَتَّى أَقَرَّ بِفَضلِهَا وَمَحَبَّتِهَا وَهِيَ الصِّدِّيقَةُ الكُبرَى، وَعَلَى مَعرِفَتِهَا دَارَتْ القُرُونُ الأُولَى).

فمَنْ أراد أن يصل أو يحصل على بركات ليلة القدر عليه أن يعرف هذه المعرفة النورانية ويتمسَّك بها وإلا فإنه يبحث عنها في غير موضها التي وضعها الله فيه، ولذا ترى الكثيرين منا يبحثون طيلة عمرهم عن ليلة القدر ولا يحصلون عليها، لأنهم لا يعرفونها.

فليلة القدر فاطمة الزهراء (عليها السلام) فهل عرفنا قدرها، لنحصل على بركتها ونورها؟

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل