لا شك في أن لله تعالى حق الطاعة على البشر، فهو الذي خلقهم وأوجدهم، ويلطف بهم ويرزقهم ويتفضل عليهم بشتى أنواع النعم، وتتمَثَّل الطاعة لله بالخضوع له، وامتثال جميع أوامره ونواهيه.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “آفَةُ الطّاعَةِ الْعِصْيانُ”
الطاعة هي الاستجابة لأمر الغير والعمل به طوعاً، وقيل: هي امتثال الأمر، واجتناب النهي، لكل صاحب حقٍ أو وِلايَةٍ.
ولا شك في أن لله تعالى حق الطاعة على البشر، فهو الذي خلقهم وأوجدهم، ويلطف بهم ويرزقهم ويتفضل عليهم بشتى أنواع النعم، وتتمَثَّل الطاعة لله بالخضوع له، وامتثال جميع أوامره ونواهيه.
وإن من مراتب التوحيد لله تعالى الربوبية والحاكمية انحصار حق الطاعة به، فإن الله تعالى بما أنه خالق ومالك الوجود بأسره، ورب الكون كله، والعارف به معرفة تفصيلية تامة كاملة شاملة فلا يعزب عن علمه ذرة ولا مجرة، ولا ما يجري في الذرة والمجرة، فهو ولي الوجود بأسره، إذ الوجود كله مستند إليه، ومفتقر إليه بدءاً وعوداً، وحدوثاً وبقاءً، وهو الذي وضع له قوانينه ونُظُمَه، والإنسان مفردة صغيرة من مفردات الوجود، خلقه الله وأنعم عليه، وكما وضع له قوانينه التكوينية فهو الذي يضع له قوانينه التشريعية، وذلك يُلزم الإنسان بالطاعة لله تعالى وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
وتقوم هذه الطاعة على يقين الإنسان من أن الله عارف به معرفة تامة، عارف بقدراته وإمكاناته، وما يَقْدِر عليه وما يعجز عنه، محيط بحاجاته الروحية والبدنية، وأنه تعالى عارف بما يصلح عليه أمره وبما يتأتى منه الفساد والضرر عليه، وأنَّ طاعته لله ليست ناشئة من حاجة الله إليها بل هي حاجة له أي للإنسان لأن الله تعالى غني عنه وعن سواه، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ”﴿15/ فاطر﴾. وقال تعالى: “وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ”﴿133/ الأنعام﴾.
وبهذا يتبين أن مَردود الطاعة يرجع إلى الإنسان، كما أن أضرار المعصية يرجع عليه أيضاً، فلا نفع يرجع إلى الله ولا ضرر يعود عليه، فإذا أيقن الإنسان بذلك لم يُطِع الله طاعة العبد الذليل، طاعة العاجز عن المعصية، بل يطيعه طاعة العارف بمقامه والمُعَظِّم لأمره، يطيعه طاعة المحب العاشق، طاعة المُريد المُتقَرِّب إلى مولاه الذي يرجو الزلفة لديه.
وكما يُروى عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “إلهي مَا عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَ لَا طَمَعاً فِى جَنَّتِكَ، بَلْ وَجَدْتُكَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُك”. وكما قال الإمام الصادق (ع): “الْعُبّادَ ثَلاثَةٌ: قَوْمٌ عَبَدوا اللَّهَ عَزّ وَ جَلَّ خَوْفاً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبيدِ، وَ قَوْمٌ عَبَدوا اللَّهَ تَبارَكَ وَتَعالَى طَلَبَ الثَّوابِ فَتِلْكَ عِبادَةُ الأُجَراءِ، وَ قَوْمٌ عَبَدوا اللَّهَ عَزّ وَ جَلَّ حُبًّا لَهُ فَتِلْكَ عِبادَةُ الأَحْرارِ، وَهِيَ أفْضَلُ الْعِبادَة”.
وإذا كان مَردود الطاعة عظيماً وأولى درجاته السعادة الحقيقية فإن السعيد من أطاع الله، وأطاع من أمر الله بإطاعته، فإن ثاني درجاته ذلك الاستقرار النفسي الذي يناله، والانسجام مع فطرته التي تشده إلى الله وتدعوه إلى امتثال أوامره ونواهيه، فإن ذروة عطاءات الطاعة تتمثل في الفوز العظيم الذي يتشرَّف به المطيع في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: “وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ”﴿52/ النور﴾. وجاء في الحديث عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: “إنّهُ لا يُدرَكُ ما عِندَ اللَّهِ إلّا بطاعَتِهِ”.
في المقابل حَذَّر الله تعالى من معصيته، لأنها الآفة القاتلة التي تمنع الإنسان من الطاعة، وتسدُّ أبواب الخير والصلاح في وجهه، وتؤدي بالإنسان إلى الشقاء والعَنَت والضياع والعذاب الدنيوي والأُخرَوي، قال تعالى: “قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ”﴿13/ الزُّمر﴾.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي