الشهيد مطهّري كان من أصحاب الدور الأكبر في إحياء الفكر الإسلامي والمناداة بالرؤية الإسلامية الجديدة
سماحتكم، تعلمون أن الشيخ مطهري كان شخصيةً شاملة وذات أبعاد مختلفة. كان معروفاً في المقام الأول بصفته حوزويّاً – حوزويّاً مناضلاً – وفقيهاً وفيلسوفاً وأستاذاً جامعياً وكاتباً وخطيباً منبريّاً. اسمح لي أن أغتنم الفرصة كي أعرف رأيكم: أي بعد من الأبعاد السابقة لشخصيته هو الأكثر تأثيراً في مجتمعنا، وعندما يراودكم اسم الشيخ مطهري، أي جانب من جوانب شخصيته يراود ذهنكم أولاً؟
أتصور أنه يجب أن يُنظر إلى المرحوم آية الله مطهري – رضوان الله عليه – بصفته واحداً من الشخصيات التي كان لها الدور الأكبر في إحياء الفكر الإسلاميّ، وأحد المنادين بهذه الرؤية الإسلامية الجديدة، وبإعادة تقديم الإسلام في الثقافة المعاصرة إلى العالم. كما نعلم، منذ مئة وعشرين عاماً أو مئة وثلاثين أو مئة وأربعين إلى يومنا، ظهر مفكرون عملوا على إعادة تقديم الإسلام والتعاليم الإسلامية وسط الضجيج الإعلاميّ الكبير للثقافة الغربية – كانت تُعدّ ثقافة جديدة وعصرية – وبرزت في هذا الإطار شخصيات معروفة مثل السيد جمال الدين [الأفغاني]. تنظر أجيال اليوم إلى هؤلاء بصفتهم مصلحين اجتماعيين ومناضلين كباراً وشخصيات فكرية وسياسية وثورية للإسلام، فترى هذه الميزات كلها في السيد جمال. إبداعه لم يكن في نضاله السياسيّ بل في إعادة تقديم الإسلام بصفته ديناً حيّاً ووسيلةً للحياة ومذهباً له نظامه الاجتماعي. جهد السيد جمال وحركته كلها في آفاق الإسلام من الشرق إلى الغرب كانا بسبب رغبته في إحياء هذه النظرة المتجددة للإسلام في المجتمعات الإسلامية وإنهاء تلك الحالة – حالة الخمول الإسلامي – التي كانت مسيطرة لسنوات طويلة على أفكار المفكرين الإسلاميين. كانت لدينا شخصيات من المفكرين الإيرانيين وغيرهم – سواء أكانوا عرباً أم هنوداً أم أتراكاً – ممن اتبعوا هذا التيار. كذلك في وقتنا الحالي هنالك شخصيات مشهورة مثل بعض المؤلفين والشعراء والفلاسفة من هذا القبيل. عندما أنظر إلى هذه الشخصيات المعروفة في هذا الخط والطريق، أرى أن المرحوم الشهيد مطهري من أفضلهم والسبب هو الشمولية التي أشرت إليها. لقد كان هذا الرجل فقيهاً، فعندما كان يريد توضيح الإسلام والقضايا الإسلامية لم يكن يأتي بشيء من عنده، إذ كان على دراية بالإسلام وملمّاً بالفقه الإسلاميّ، وكما تعلم، الأخير يعني طريقة استنباط الأحكام من مصادر الإسلام الأساسية – الكتاب والسنة – والفقيه هو الذي يلمّ بطريقة الاستنباط. ما يُدرس في الفقه في الحوزات هو في الواقع التعريف بهذه الطريقة. المرحوم مطهري كان مجتهداً، فكان يلمّ بهذه الطريقة جيداً. لذلك، لم يكن ممن يقع في فخ المعتقدات الانتقائية الشرقية منها أو الغربية كالتي وقع فيها عدد من المفكرين المصلحين ومؤيدي تيار إحياء الإسلام. لقد كان فيلسوفاً وعلى دراية بالتعاليم العميقة والمنطق الاستدلالي للإسلام وخطيباً، فكان قادراً على التعبير عما يعرفه كله، وكان كاتباً جيداً جداً وقادراً أن يدون هذا كله. هذه الجوانب كلها التي تفضلت بها تبين أنه كان فعلاً شخصية بارزة ورفيعة، ويمكن عدّه من أبرز المفكرين وحاملي راية إحياء الفكر الإسلاميّ.
يعني، تلك الشخصيّة التي يمكن النظر إليها بصفتها مصلحةً ومفكّرة ومجددّة ولا بدّ أن تشتمل على هذه الأبعاد طبعاً. حسناً، أنتم على دراية كاملة بالوجوه المجدّدة المعروفة في العالم الإسلاميّ وتعلمون أنّ هؤلاء غالباً ما أخطؤوا في مكان ما ولم يفهموا المعارف الإسلاميّة. وقع بعضهم في فخ الأفكار اليساريّة وبعضهم في الأفكار الغربيّة وبعضهم في فخ تفسير الإسلام بالرأي. حسناً، بعض المفكّرين الهنود – كما تعلمون – كان تفسيرهم على نحو دفع السيّد جمال الدين الأفغاني إلى مواجهته والوقوف في وجهه. هذه الأمور كلّها سببها قلة معرفة المعارف الإسلاميّة.
ذلك العظيم كان يمتلك تمام هذه المعرفة. خطؤهم كان سببه قلة المعرفة. نعم، وهو امتلكها بصورة كاملة، سواء في الجانب الفقهي أو المعارف الإسلاميّة.
نعم، وبجرأة كبيرة. من بين الأمور التي سمعتها منه شفاهياً ولم أرها مدوّنة في أي مكان هذا الأمر، إذ كان يقول إنّ المدة الفاصلة بين الثورة الدستوريّة[1] وشهريور 1320 (1941) هي أخطر حقبة على الإسلام في إيران منذ دخلها إلى اليوم. كان يعتقد أنّه لم يكن هناك أي حقبة أكثر خطراً على الإسلام في إيران من هذه الحقبة. أردت أن أعرف رأيكم في خصوص هذا الأمر، وإن كنتم تعتقدون ذلك، فبيّنوه لنا، يعني حلّلوا لماذا كان لدى الشهيد مطهري مثل هذا الاعتقاد؟
نعم. طبعاً، الشهيد مطهري كان يعرف التاريخ جيّداً، وحتماً اطّلع على الحقب التاريخيّة المختلفة للبلاد بعد الإسلام وكان يعرفها. لم يكن ممن يتكلّم دون مبالاة أو اطّلاع. أريد أن آخذ هذا بصفته قرينة على أنّه عندما كان يقول هذا الكلام، كان على سبيل المثال ملتفتاً إلى عصر المغول…
على أي حال، أريد الآن في ما يخص تسويغ رأي المرحوم الشهيد مطهري أن أتّكئ على أنّ حقبة الهجوم الثقافي الغربي – صاحَبها هجوم سياسي واقتصادي وطبعاً هناك هجوم ثقافيّ – كانت أخطر من حقبة المغول لكون المهاجمين أكثر ذكاءً ووعياً وتجهيزاً بالأسلحة اللازمة، وعليه: هذا التفكير صحيح. حسناً، الحمد لله أنّه وسط مساعي هذه الشخصيّة العزيزة والشخصيّات الأخرى من قبيلها ووسط التحرّك العظيم لهذه الثورة التي أُنجزت قُطع – بحمد الله – مسيرُ مئة عام من مجابهة هذا الهجوم في مدّة زمنيّة قصيرة.
من الأسئلة التي يمكن طرحها في هذه الفرصة عن دور الشهيد مطهري في إفشال هذه المؤامرة الخطرة للفصل بين الحوزويين والشباب الجامعيين. جنابكم، تعلمون أنّ واحداً من الأسس التي عمل عليها رضا خان بالقمع والقلع هي الفصل بين هاتين الفئتين. هذه الفكرة نفسها التي أكّدها إمامنا العظيم الشأن من اليوم الأوّل ودائماً ما كان يفعل ذلك. ما رأي سماحتكم في دور الشهيد مطهري في إحباط هذه المؤامرة؟ ما الذي فعله في مواجهته هذه المؤامرة وكيف تقيّمون ما فعله؟
نعم، هذه إحدى النقاط البارزة في شخصيّة الشهيد مطهري، رضوان الله المتعالي عليه. في رأيي، استطاع المرحوم مطهري بأداتين وبوسيلتين أن يوجد تفاهماً وتقارباً بين طبقة الحوزويين والطّلاب الجامعيين الجدد: إحداهما جهده العملي والأخرى شخصيّته الغنيّة. في ما يتعلّق بجهده العملي – حسناً – هو درس في الجامعة واستأنس بالطلّاب الجامعيين وشارك في محافلهم ومحافل المهندسين والأطبّاء، فصار للطلّاب الجدد بمنزلة القطب والملجأ والمأوى.
ربما أستطيع أن أقول إنّه كان أكثر شخصيّة حوزويّة ناجحة في الأوساط الثقافيّة الجديدة، أي في الجامعات ومن يدورون في فلكها من الطلّاب والخرّيجين. كان أنجح شخصيّة، فهو من هذه الشخصيّات التي تعمل على التقريب بين الحوزة والجامعة لكنها لم تنجح في ذلك بمقدار ما نجح هو، ولم تستطع أن تجذب أولئك الطلّاب الجدد إلى الإيمان مثله. ثانياً: شخصيّته الغنيّة. تعلمون أنّ من الأمور التي تباعد بين هاتين الفئتين أنّهما لم تكونا تؤمنان الواحدة بالأخرى. الشخصيّة العلميّة والقويّة للشهيد مطهري كان لها أكثر الأثر في التقريب بين هاتين الفئتين. فعندما كان ينظر خريجو الجامعة، كانوا يرون أمامهم حوزويّاً عالماً ومفكّراً فاضلاً مثل الشهيد الشيخ مطهري. على المقلب الآخر، حينما كانوا يرون في الحوزات العلميّة – طبعاً شخصيّة الشيخ مطهري كانت واضحة لأكثر الأفراد في الحوزات – أنّه استطاع أن يحتل مكاناً في قلوب الجامعيين وأنّه كانت له أنشطة معهم، كان ذلك يخلق لديهم حالة من التفاهم والتقارب. بذلك، لم يستطع الشيخ مطهري أن يوجِد هذا التقارب بالأدوات والطروحات أو كما يقال بابتكاره وحسن تدبيره فحسب، بل كان لشخصيّته الحصّة الكبرى والأكثر نفعاً في هذا الصدد.
في رأيكم لماذا اختار المناوئون للثورة في بدايات الانتصار الأستاذ مطهري ليكون الشخصيّة العلمائيّة الأولى التي يغتالونها؟
طبعاً، لا أستطيع أن أكون متأكّداً من أن مناوئي الثورة اتّخذوا هذا الخيار عن معرفة كاملة منهم وأنّهم أنجزوا هذا الأمر بصورة مدروسة. حسناً، في ذاك اليوم، من المتيقّن أنّهم كانوا لينفّذوا هذا بحق أي شخصيّة علمائيّة معروفة ومؤثّرة تطاولها أيديهم، ولكن لو كانوا قد ذهبوا عن وعي منهم إلى هذا الاختيار، فإنّه في الحقيقة يجب أن يقال إنّهم أدركوا الأمر بصورة صحيحة. المرحوم الشهيد مطهري كان عنصراً مؤثّراً في حفظ الاستمراريّة لخط الإسلام وغلبته على هذه الثورة. منذ بدأت هذه الثورة تنتصر – حتّى قبل تحقق الانتصار – كان يريد بعضهم أن ينزعوا عن هذه الثورة صفة الإسلاميّة وكان مصرين على ذلك، وبعدما انتصرت الثورة، منذ اللحظات الأولى كان هناك أفراد يتحرّكون في هذا الخط، وأولئك الّذين يحملون هذا الفكر لم يكونوا جميعاً من المجاهرين بالكفر والإلحاد، بل هناك مسلمون في الظاهر ولم يكن لديهم أي دعاوى ضد الإسلام، ولكن في الباطن لم يكن في إمكانهم بأي وجه أن يتحمّلوا الفكر الإسلامي والفقهي الإسلامي، فكان طبيعياً أن يشكّل الشيخ مطهري [خطراً] بحساسيّته ووعيه وصيرته وعلمه الغزير وبتلك الحالة الخاصّة التي عبّرتَ عنها بالسدّ المنيع في وجه المؤامرات. مثلاً: الحركات الخبيثة المعاديّة للإسلام. فبحساسيّته اتجاه الالتقاط والحركات الانتقائيّة، إذ كانت من أخطر الحركات في مثل هذه المواضع، أي حين تنتصر النهضة، يصل الدور إلى التفسيرات والتسويغات التي هي إسلاميّة الظاهر وغير إسلاميّة الباطن، وهذا معنى الانتقاء، وبهذه الخصوصيّات التي امتلكها، شكّل خطراً كبيراً على هذه الأجنحة جميعها. هذه الجبهات المتحدّة من الكفر والنفاق والإلحاد والاستكبار وما شابهها، إذا أراد أفرادها أن يجدوا شخصاً يُعد عائقاً كبيراً قبالتهم ويمكن لأيديهم أن تطاوله بسهولة، لكان الشهيد مطهري، رضوان الله تعالى عليه. في ما يتعلّق بأبعاد شخصيّة هذا العظيم لا بدّ من طرح تلك الجنبة العرفانيّة والأخلاقيّة للشهيد مطهري، إذ حقاً هناك في حياة هذا الشهيد العزيز كثير من الفصول الحماسيّة، إذ لا بأس في التحدّث عن هذا القسم. الآن، إمّا أن تذكروا ذكرى ما، وإمّا أن أقول شيئاً من المناسب أن أذكره.
نعم، تفضّلوا سماحتكم، وأنا سأستفيد أيضاً.
المرحوم مطهري كان إنساناً. مع أنّ هذه الرقّة واللطافة لم تكن لتظهر عليه كثيراً في حال استدلاله ومثلاً في تعامله المنطقي مع القضايا، ولم يكن أحدهم ليتصوّر امتلاكه باطناً رقيقاً ولطيفاً، لكن في زمان ما – حدود عام… لا أعلم، لعلّه 52 أو 53 (1973 و1974)، في ذاك الزمان – كان يقول في مناسبة ما إنّي أرغب في أن أجد الفرصة وأترك العمل الجامعي والدراسي وهذه الأمور وأذهب إلى قم وهناك – التعبير الذي استخدمه لعلّه كان هذا مثلاً: «أرى الله أو الحق»، أو مثلاً: «أذهب للقاء الحق». كان تعبيراً من هذا القبيل. كان مراده أن يذهب إلى هناك ويؤدي عملاً ثقافيّاً وفكريّاً من هذا القبيل ويكون متوائماً مع الخلوة المناسبة للعبادة والرياضة والتوجّه وهذه الأمور. كان يمتلك روحاً من هذا القبيل. كان رجلاً في غاية الرقّة والظرافة. كان متأثّراً شديداً في المشاعر العرفانيّة والمعنويّة. كان لديه أنس بـديوان حافظ والأشعار العرفانيّة. كان يأنس كثيراً بـالقرآن. أتصوّر أنّه كان إذا لم يقرأ كل ليلة مقداراً محدّداً من القرآن، فلم يكن لينام. رأيت هذا الأمر في أسفار عدة له إلى مشهد. كنّا نذهب معاً إلى فريمان أو كنّا معه في مشهد، ورأيت – كنّا نقضي الليل معاً – أنّه قبل أن ينام كان لا بدّ أن يقرأ القرآن ثمّ ينام… أظن أن كثيراً من توفيقات المرحوم مطهّري – رضوان الله عليه – كان سببها هذه الحالات، إذ إنّ البركات المعنويّة وتلك الحالة والتوجّه والعبادة والعرفان وهذه الأمور كانت سبباً في توفيقه. من جملة الخصوصيّات التي لاحظتها فيه في هذا الصدد – كانت لافتة جداً بالنسبة إليّ – الاحترام العجيب الذي كان يكنّه لوالده. والده كان حوزويّاً محترماً في فريمان. المرحوم مطهري كان يحترمه احتراماً عجيباً. مع أنه من المُسلّم به أنّ المستوى الفكري للمرحوم مطهري – رضوان الله عليه – كان أعلى وربّما لم يكن هناك مجال للمقارنة بين الشخصين، ولكنّه كان متواضعاً أمام هذا الأب تواضعاً غير محدود. سبب ذلك أنّه كان يقول إنّ أول من أرشده ووجهه إلى المسائل المعنويّة والروحيّة والعباديّة وهذه الأمور هو والده. على أي حال، كان للإنصاف شخصيّة جامعة وكاملة ومن الشخصيّات النادرة التي – بحمد الله – جُمعت فيها هذه الأبعاد المختلفة جميعها.
لو قدّر ألا ينال الشيخ مطهري الشهادة في تلك الحالة، ففي رأيكم، وبناءً على تجربتكم والمعرفة التي تمتلكونها عن الجمهوريّة الإسلاميّة والثورة، ما أكثر مسؤوليّة تناسبه في الجمهوريّة الإسلاميّة؟
أوّلاً، أوّل ما يتبادر إلى الذهن عن الشهيد مطهري – رحمة الله عليه – هو الأبعاد الثقافيّة لشخصيّته. حسناً، لو بقي، لكان مفتاح كنوز الثقافة الإسلاميّة. كان في إمكانه وضع السياسات وتحديد الخطوط وأن يكون مسؤولاً عن قسم كبير من ثقافة هذا المجتمع الإسلاميّة وهذه الأمور. لكن في الحقيقة كنت دائماً ما أفكر في هذه المسألة مع نفسي: لو كان الشيخ مطهري موجوداً اليوم، ففي أي الأماكن كان سيصلح. رأيت أنه لو كان موجوداً، فكان سيكون رئيساً جيّداً للجمهوريّة ومناسباً لهذا الاجتماع. هذه هي الحقيقة: ثورة كثورتنا تأتي بأبعاد فكريّة وثقافيّة عميقة وقويّة وبرسالة معنويّة وفلسفية وتظهر الأخلاق في المجتمعات وفيها، وعلى رأس هذا النظام لا بد من شخصيّة مثل الشيخ مطهري. طبعاً، عندما نقول «على رأسها» يعني ضمن إطار العمل الحكومي، وإلّا على رأسها هناك الإمام [الخميني] طبعاً، إذ إنّ قائد الثورة دائماً ما يكون شخصيّة معنويّة أخرى. بطبيعة الحال، كذلك القانون، وإن شاء الله، يحفظ الله الوجود المبارك والشريف لإمامنا العزيز – هو في الأقسام كلها التي تحدّثنا عنها فوق المقول، والنبع والمثل الأعلى – ويحفظه لهذه الثورة وللإسلام والقرآن، إن شاء الله. على أي حال، لو كان الشهيد مطهري اليوم، أعتقد أنّ أكثر مكان يناسبه هو رئاسة الجمهوريّة، إذ كان بأبعاد شخصيّته العظيمة تلك حكيماً وفيلسوفاً وفقيهاً ليصير رئيس جمهوريّة لنظام، وهذا بالنسبة إلى الأخير أمر قيّم للغاية، ولاستطعنا بوجوده أن نفخر في العالم. حقّاً كان في استطاعته أن يكون وجهاً جيّداً لهذا النظام هذا العظيم لو بقي على قيد الحياة.
أحب أن نتحدّث بمقدار عن دوره السياسيّ والاجتماعيّ والنضاليّ خصوصاً في تلك السنة التي انتهت بانتصار الثورة – عام 1357 (1979) – ولا سيّما أن سماحتك لعلّك في تلك السنوات كنت طوال أشهر على اتّصال به أكثر من السابق في قضيّة المواجهة. لعلّ من المناسب لو هناك فرصة أن نتكلّم في هذا الخصوص بعد ذاك البعد العرفانيّ؟
نعم، المرحوم الشهيد مطهري كان بلا شك واحداً من أركان المواجهة عندما كانت في ذروتها في طهران. هو أحد شخصين أو ثلاثة كان الإمام يثق بهم غاية الثقة ويعتمد عليهم تمام الاعتماد لإدارة قضايا إيران وطهران. كانت الأخيرة مركز القضايا كلها. طبعاً بعد عودتي من النفي جئت إليها ثمّ ذهبت إلى مشهد، وبعد ذلك بمدّة قصيرة عدت إليها، وكنت كما تفضّلت على تواصل معه في غالبية الأحيان. نعم، كنّا نتواصل كثيراً إلى أن تشكّل مجلس الثورة خلال الأسابيع الأخيرة قبل انتصار الثورة وأبلغني هو بالأمر. كنت في مشهد ولم أكن أعلم.. راسلني وأخبرني بأن أعود إلى طهران فوراً وقال إنّهم يريدونني في أمر ما. ما إن وصلت إلى طهران، حتّى أخبرني أنّ الإمام أمر بأن أكون عضواً في مجلس الثورة. من جملة خصوصيّاته التي لا أنساها صلابته وعزيمته في مواجهة التحرّك الخبيث الذي كان يفعله الليبراليّون المعتدلون في الأيّام الأولى لانتصار الثورة بهدف القضاء على الصورة الإسلاميّة للثورة. في ذلك الوقت، اقترح بختيار أن يذهب إلى الإمام وقدّم شرحاً إلى أحد المنتمين إلى «الجبهة الوطنيّة» ليأتي على ذكره في ذاك الجمع حيث كنّا – مجلس الثورة – نجتمع دائماً مع بعضنا بعضاً ويعلن أنّه يرغب في إصدار هذا الإعلان إذا كنتم موافقين وإذا قبل الإمام، إذ إنّ هذا الإعلان كان في إمكانه أن يحسّن صورة بختيار ويؤخّر سير الأحداث. شخصان في ذلك الجمع عارضا الأمر شديداً أحدهما المرحوم الشهيد مطهري والآخر المرحوم الشهيد بهشتي، فهذان الاثنان قدّم كل منهما فكرة ما بصفتها إشكالاً على هذا الإعلان، ولو أصلحت تلك الفكرة، لم يكن بختيار ليرضى. لذا لمّا ذكر هذان الإصلاحات التي يطلبانها وعاد الإعلان، لم يرغب بختيار في نشره ولم يفعل شيئاً. لم يكن مفيداً. فأحدهما، هو والآخر المرحوم الشهيد بهشتي، وضع هذان أصابعهما على نقطتين أساسيّتين. على أي حال، كان يمتلك رؤية سياسيّة عميقة، فالعمق الطبيعيّ والفكريّ للشهيد مطهري كان يتّضح في ميدان السياسة. لعلّ هذه هي الأسباب، أو على الأقل أحدها – عمقه وأمانته – كانت وراء أنّ الإمام – في رأيي – يثق به أكثر من الجميع في تقديم الأفراد ومعرفتهم. ولعلّ عدداً من الذين عيّنوا في مجلس الثورة أو بعض المسؤوليّات الأخرى عيّنهم الإمام بناء على اقتراح الشيخ مطهري وثقته به. كان للإنصاف محقاً. أرى أنّه كما كان تلميذاً جيّداً للإمام ويعرف قدره حقّاً ويعرفه، كان الإمام يعرف فعلاً هذا التلميذ الجيّد والممتاز وقدره وشأنه أفضل وأكثر منّا جميعاً.
[1] من 1905 إلى 1911.