سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي (دام ظله)
الخلاصة: إن شخصية هذه السيدة الرفيعة وعلوّ شأنها في عالم الكشف والشهود ليس مبنيّاً على كونها ابنة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) أو لأنها أخت الإمام الرضاعليه السلام وحسب بل يأتي أساساً من مرتبتها المعرفية الرفيعة المفردات المفتاحية
السيدة المعصومة
ولدت كريمة أهل البيت؛ السيدة فاطمة المعصومة (سلام الله عليها) سليلة الدوحة النبوية الشريفة، للإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) في غرة شهر ذي القعدة الحرام من عام 173 في المدينة المنورة؛ وقد كان الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) قد بشّر بهذه الولادة مسبقاً. وفي هذه الذكرى العطرة والخيرة تشتدّ ضرورة إعادة قراءة جوانب هذه الشخصية الفريدة من خلال الاستعانة بآراء وأفكار سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ليتحفنا ويعرفنا ببيانه الوافي والبليغ بميزات هذه الشخصية الرفيعة ومكانتها لدي الأئمة المعصومين عليهم السلام لتكون منهلاً عذباً لعطاشى معارف أهل البيت عليهم الصلاة والسلام عامة؛ لا سيما زوار مقامها الشريف. وبناء على هذا سنقدم للقارئ والمتصفح الكريم جانباً من ميزات شخصية هذه السيدة العظيمة وفق ما تحدث به سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي حفظه الله ورعاه ببيانه العميق والدقيق.
المرتبة العلمية الرفيعة للسيدة المعصومة(سلام الله عليها)
إن السيدة المعصومة تمثّل ينبوعاً للمحامد والكمالات اللامتناهية وتنتسب لثلاث من الأئمة المعصومين وتكريمها وتبجيلها إنما هو تكريم وتبجيل لمكانة أهل بيت النبوة(صلى الله عليهم أجمعين) الرفيع، لا سيما أئمة الشيعة؛ الإمام موسى بن جعفر والامام علي بن موسى الرضا والإمام محمد بن علي الجواد عليهم السلام. فالتعرف على مكانة هذه السيدة العظيمة وشأنها واجب علي كل محب لهذه العترة الطاهرة.
أوضح سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي شأن هذه الشخصية ومكانتها حيث قال: كانت السيدة المعصومة(سلام الله عليها) على جانب كبير من المكانة والشأن لاسيما من الناحية العلمية والمعرفية. وبينما كان الإمام الكاظم(عليه السلام) مسافراً خارج المدينة المنورة، دخلها جمع من الشيعة لغرض زيارته وتوجيه بعض الأسئلة إليه والحصول على الإجابات. فسلّموا أسئلتهم إلى أسرة الإمام(عليه السلام) ليحصلوا على الإجابة في فرصة أخرى. وعند اتخاذهم القرار بالعودة إلى أوطانهم ذهبوا نحو دار الإمام لغرض الوداع فقامت السيدة المعصومة بتقديم الأسئلة المطروحة مع الإجابات المطلوبة إليهم. فقصد الشيعة أوطانهم فرحين بما تلقوه من الإجابات الشافية، غير أنهم في طريق العودة التقوا بالإمام(عليه السلام) بمحض الصدفة وهو في طريق العودة نحو المدينة وحدثوه بما جرى لهم. فتسلّم الإمام الإجابات منهم و نظر إليها فوجدها صحيحة ثم قال ثلاثاً: «فداها أبوها… فداها أبوها… فداها أبوها». والملفت للنظر أن السيدة فاطمة المعصومة لم تبلغ من العمر كثيراً آنذاك، مما يدلّ على شأنها العلمي والمعرفي الرفيع أبان طفولتها[1][2].
مكانة السيدة المعصومة(سلام الله عليها) الروحي والقدسي
أشار سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي في معرض حديثه إلى مكانة السيدة فاطمة المعصومة(سلام الله عليها) الروحية والقدسية قائلاً: إن شخصية هذه السيدة الرفيعة وعلوّ شأنها في عالم الكشف والشهود لم يأتي من منطلق إنها ابنة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) أو لأنها أخت الإمام الرضا(عليه السلام) وحسب بل يأتي أساساً من مرتبتها المعرفية الرفيعة[3].
وأضاف سماحته عند شرحه لهذه المنزلة والمكانة الرفيعة والفريدة بأن «هناك روايات لافتة للنظر حول جلالة وسمو السيدة فاطمة المعصومة(سلام الله عليها) ومنها ما نقله المحدث القمي عن زيارة أحد أكابر قم للإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، يقول فيها بأن سعداً وهو من أجلاء قم دخل علي الإمام(عليه السلام) فقال له الإمام: يا سعد عندكم لنا قبر. فقال سعد قلت: جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسى؟ قال الإمام(عليه السلام): نعم! من زارها عارفا بحقها فله الجنة…[4].
والحديث عن العرفان بالحق قد ورد ضمن روايات متعددة تتعلّق بالإمام الحسين(عليه السلام) وفاطمة المعصومة عليها السلام، وبما أننا نعلم أن أجداد فاطمة المعصومة وأباها وأخاها واجبو الطاعة. فوقوفنا على هذه المعرفة تعني بأننا مقيدون وملتزمون وعاملون بكل ما أتوا به من تعاليم وناتج هذا الالتزام هو دخول الجنة[5].
سلسلة النسب؛ معيار لجلالة مكانة السيدة المعصومة(سلام الله عليها)
واسترسل سماحته في حديثه عن هذه السيدة الجليلة حتي توقف عند نسبها الشريف حيث قال بأن النظر إلى سلسلة نسب السيدة المعصومة سلام اله عليها يظهر بأنه ينتهي إلى تسعة من المعصومين سلام الله عليهم أجمعين مما يدل على شموخ مرتبتها الرفيعة[6].
الحقيقة من مكانة زيارتها العظيمة
ومن الواضح أنّ لزيارة السيدة المعصومة(سلام الله عليها) مكانة خاصة في آراء سماحة الشيخ مكارم الشيرازي حيث يصرح بأن: كفى لزيارة هذه السيدة إجلالاً وإكراماً ما تضمنته زيارتها الخاصة من معاني وتعبيرات خاصة.
ثواب زيارة السيدة فاطمة المعصومة(سلام الله عليها)
وأضاف سماحته مبيناً آثار وبركات زيارة السيدة المعصومة عليها السلام بأن مؤلف كتاب «كامل الزيارات» يروي نقلاً عن أبيه وأخيه رواية عن الإمام الجواد(عليه السلام) جاء فيها بأن «من زار عمتي بقم فله الجنة»[7].
زيارة تعادل الجنة
وذكر سماحته في بيان فضل زيارتها حديثاً عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) في حق السيدة فاطمة المعصومة(سلام الله عليها)؛ جاء فيه أن لي بضعة ستدفن في قم فمن زارها وجبت له الجنة. ومفردة «البضعة» قد جرت على لسان النبي(صلى الله عليه وآله) وسلم خصيصاً لفاطمة الزهراء(سلام الله عليها)، وهنا تكرر ذكرها للإشارة إلى السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام ومن البديهي والقطعي أن من زار بضعة الرسول(صلى الله عليه وآله) في هذه البلدة فقد وجبت له الجنة.
انتشار التشيع؛ النتاج الأعظم لنزول السيد فاطمة المعصومة(سلام الله عليها) أرض قم
وانتقل سماحة المرجع وصاحب تفسير «الأمثل» في مقطع آخر من حديثه إلى انعكاسات وآثار نزول السيدة المعصومة(سلام الله عليها) بلدة قم ودوره في نشر وتعزير الوجود الشيعي فيها قائلاً: إن النواة الأولى لانتشار المذهب الشيعي قد أودعت في هذه البلدة في أوائل القرن الهجري الأول، وما برح الزمان حتى أصبحت هذه البلدة مدينة شيعية بامتياز ومأمنا وملجأ لأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
فمدينة قم في هذه الفترة كانت مستعدة ومهيئة لاستقبال واحتضان ذرية علي بن أبي طالب(عليه السلام) وما إن وطأت أقدام أحد من هذه الذرية العطرة أرض قم حتى قام أهلها بالترحيب به واستقباله لينعم بالعزة والاحترام وليأمن شر أعدائه المتربصين. وعلى هذا النحو فقد قصد هذه المدينة كثير من السادة الأجلاء وأحفاد آل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم السيدة الجليلة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه وعليها السلام[8].
وقد قصدت السيدة المعصومة(سلام الله عليها) مدينة قم بنية الالتحاق بأخيها الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) وزيارته بخراسان. وعندما بلغ المسير بها إلى مدينة ساوة القريبة من قم، ألمّ بها المرض حتى خضعت للعلاج وكانت على علم بوجود الشيعة في مدينة قم فنادت خادمها وأمرته بالتوجه نحوها. ومن جانب آخر عندما سمع أهل قم نبأ نزول السيدة الجليلة مدينة ساوة قرروا دعوتها إلى مدينتهم. فتوجه أبناء وأحفاد سعد الأشعري ودخلوا عليها ودعوها للمدينة ثم أتوا بها إلى قم وأتموا لها الضيافة وأكنوا لها الاحترام ولكنها وللأسف توفيت بعد فترة وجيزة من دخولها مدينة قم حيث ووري جثمانها الطاهر الثرى فيها. إن لنزول السيدة فاطمة المعصومة(سلام الله عليها) مدينة قم ووفاتها ودفنها فيها أثر بليغ في تعزيز وانتشار التشيع، حيث تتابع نزول أولاد الأئمة وأحفادهم في هذه المدينة وقصدها الكثير من رواة الحديث وعلماء الكوفة وسائر البلاد وأصبحت قم منارة متبرّجة للمذهب الشيعي[9].
ازدهار الحوزة العلمية في ظل أنوار السيدة المعصومة(سلام الله عليها)
وشرح سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي بركات وجود هذه السيدة العظيمة القدسي؛ لاسيما فيما يتعلق بتعزيز حوزة قم العلمية وازدهارها المطرد وازدياد رصانتها في ظل عناية تلك السيدة الجليلة الخاصة مؤكّداً علي أن قدوم هذه السيدة الفريدة الفذة فتح فصلاً جديداً في تاريخ قم حيث استقطبت شخصيتها الكثير من العلماء والمفكرين نحو هذه المدينة مما ترك آثاراً جمة وبركات كثيرة كان أهمها انتشار المراكز العلمية[10].
إذن فقدوم السيدة فاطمة المعصومة(سلام الله عليها) تسبب في استقرار وتعزيز وانتشار الحوزة العلمية وتوافد الكثير من العلماء والرواة وتلامذة الأئمة البارزين نحو هذه المدينة المباركة[11].
مسك الختام
لقد بارك سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي خطوة إطلاق «عشرة الكرامة» في التقويم الهجري القمري والتي تبدأ بميلاد السيدة فاطمة المعصومة(سلام الله عليها) وتنتهي بذكرى مولد الإمام الرضا(عليه السلام)[12].
إن هذه العشرة المباركة تلقن أعداء ومخالفي الشيعة والحاقدين على الشعب الإيراني درساً ليعلموا مدى الولاء والحب والود الذي يبرزه الشيعة لأهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم. فأتباع هذه المدرسة لن يتوانوا في حبهم وولاءهم لهذه الدوحة الشريفة ولن يتراجعوا عن المسار الولائي الذي اختاروه في حياتهم قيد أنملة[13].
ومما لاشك فيه فإن إقامة الاحتفالات والبرامج والمهرجانات الثقافية والفنية المختلفة في عشرة الكرامة لها دور فاعل في نشر معارف أهل البيت عليهم السلام واتّساع رقعته. لأن الاحتفال بمولد السيدة المعصومة(سلام الله عليها) وميلاد الإمام الرضا(عليه السلام) إنما هو شوكة في عين الوهابيين وقرة عين لأتباع مذهب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
إذن فاحتفالات عشرة الكرامة تعتبر من الخطوات المباركة والمجيدة التي يملأ عطرها العالم بأسره من عبق أزهار الشيعة وولاءهم الأبدي لأهل بيت النبوة والرسالة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
المصادر:
الهوامش:
[1] السيدة المعصومة، فاطمة ثانية، ص 166.
[2] دليل زوّار قم وجمكران، ص: 61،60 .
[3] كلمة سماحته في درس خارج الفقه، المسجد الأعظم بمدينة قم، 6/3/1389.
[4] بحارالانوار، ج48، ص: 317.
[5] كلمة سماحته في درس خارج الفقه، المسجد الأعظم بمدينة قم، 15/10/81.
[6] كلمة سماحته في مراسم انطلاق عشرة الكرامة، حرم السيدة المعصومة(س)، 16/6/1392.
[7] دليل زوّار قم وجمكران، ص: 62.
[8] نفس المصدر، ص: 25.
[9] نفس المصدر، ص: 40.
[10] نفس المصدر، ص: 26.
[11] نفس المصدر، ص: 40.
[12] كلمة سماحته في مراسم انطلاق عشرة الكرامة، حرم السيدة المعصومة(س)، 16/6/1392.
[13] كلمة سماحته في مراسم انطلاق عشرة الكرامة، حرم السيدة المعصومة(س)، 16/6/1392.
[14] كلمة سماحته في مراسم انطلاق عشرة الكرامة، حرم السيدة المعصومة(س)، 16/6/1392.