اشتهرت السيدة فاطمة المعصومة والتي تشرفت مدينة قم المقدسة باحتضان جسدها الطاهر بعلمها وورعها وتقاها، حيث يقول الإمام الكاظم (ع) في حقها «فداها أبوها».
للسيدة المعصومة مقام عال جداً عند المسلمين من أتباع اهل البيت “عليهم السلام” في مختلف اصقاع العالم، ومن الجدير ذكره أن يوم الفتاة أو عيد الفتاة في الجمهورية الإسلامية هو يوم ميلاد هذه السيدة الجليلة، كما أن مقامها سلام الله عليها الواقع في وسط مدينة قم هو أشبه ما يكون بالدُّرة التي زينت هذه المدينة، وجذبت إليها عشاق آل بيت النبي من مختلف أصقاع الدنيا.
في هذه المناسبة بعض كلمات قائد الثورة الإسلامية التي أشار خلالها إلى أهمية دور هذه السيدة الجليلة في التأريخ الإسلامي ونشر علوم أهل البيت عليهم السلام وتحول مدينة قم المقدسة إلى مركز إشعاع علمي وحضاري على مستوى العالم أجمع.
لقد أشار قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي إلى أهمية دور السيدة المعصومة في تحول مدينة قم إلى ما هي عليه الآن بقوله: «ولا شك أن دور السيّدة المعصومة عليها السلام، في جعل قم ما هي عليه وإضفاء العظمة على هذه المدينة الدينية التاريخية العريقة، هو دورٌ لا كلام فيه. فهذه السيّدة الجليلة، وهذه الفتاة التي ترعرعت في حضن أهل بيت النبيّ، بحركتها بين الأتباع والأصحاب والمحبّين للأئمة عليهم السلام ومسيرها بين المدُن المختلفة، ونثر بذور المعرفة والولاية بين الناس على امتداد هذا المسير وبعد وصولها إلى هذه المنطقة ونزولها في قم، تمكّنت من جعل هذه المدينة تسطع كمركزٍ أساس لمعارف أهل البيت عليهم السلام في ذلك العصر المظلم والحالك لحكومة المتجبّرين، وتتحوّل إلى قاعدة تشعّ منها أنوار العلم وأنوار معارف أهل البيت على أطراف العالم الإسلامي بشرقه وغربه.
تأسيس مدينة قم والدور البارز الذي لعبه أهلها :
لا شك أن دور السيّدة المعصومة عليها السلام، في جعل قم ما هي عليه وإضفاء العظمة على هذه المدينة الدينية التاريخية العريقة، هو دورٌ لا كلام فيه وفي معرض حديثه عن تاريخ تأسيس مدينة قم، وأهمية الدور الذي لعبه أهالي هذه المدينة في تاريخ الإسلام والتشيع يقول السيد الخامنئي: «ومن اللافت أن تأسيس مدينة قم كان نتيجة حركة جهادية مصحوبة بالبصيرة. أي إن عائلة الأشاعرة حينما جاؤوا إلى هذه المنطقة وسكنوها، جعلوها في الحقيقة مقراً لنشر معارف أهل البيت عليهم السلام، وأطلقوا هنا جهاداً ثقافياً. وكان هؤلاء قد خاضوا غمار الجهاد في ساحة القتال قبل أن يأتوا إلى قم، فقد مارسوا الجهاد العسكري وكان كبيرهم قد حارب مع زيد بن علي (عليهما السلام)، لذلك غضب الحَجّاج عليهم، واضطروا إلى المجيء إلى هنا، وجعلوا هذه المنطقة بمجهودهم وبصيرتهم وعلومهم منطقة علمية. وهذا ما جعل سيدتنا فاطمة المعصومة عليها السلام حينما وصلت إلى هذه المنطقة تبدي رغبتها في النزول في قم. بسبب وجود هؤلاء الكبار من عائلة الأشاعرة. وقد ساروا لاستقبالها وجاؤوا بها إلى هذه المدينة. وها هو هذا المرقد النيرّ يشع وينير في هذه المدينة منذ ذلك اليوم ومن بعد وفاتها عليها السلام. أهالي قم الذين أطلقوا هذه الحركة الثقافية العظيمة شكلوا منذ ذلك اليوم مقراً لمعارف أهل البيت في هذه المدينة، وبعثوا مئات العلماء والمحدثين والمفسرين وشرّاح الأحكام الإسلامية والقرآنية لشرق العالم الإسلامي وغربه. وسار العلم من قم إلى أقصى خراسان والعراق والشام».
أزمة المرأة والنظرة الغربية للمرأة:
ولمّا كانت السيدة المعصومة مثالاً للفتاة المسلمة التقية العالمة والمجاهدة الورعة فإنه من المهم أن نتناول بعضاً من كلام السيد الخامنئي الذي تحدث خلاله عن ما تعانيه المرأة اليوم؛ حيث استخدم سماحته اصطلاح «أزمة المرأة» في وصف هذه المعاناة. لقد اوضح الإمام الخامنئي أزمة المرأة بقوله: إنّ تعبير «أزمة المرأة» يثير العجب. وفي يومنا هذا تُطرح قضية أزمة الماء والهواء، وأزمة المياه، وأزمة الطاقة، وأزمة الاحتباس الحراري، كقضايا أساسية عند البشرية؛ ولكن لا يُعدّ أيّ منها كذلك.
إنّ أكثر الأشياء التي تُعد مشاكل أساسية للبشرية ترجع إلى تلك القضايا التي ترتبط بالمعنويات والأخلاق والسلوك الاجتماعي للبشر بينهم، ومنها قضية الرجل والمرأة وموقعية المرأة وشأنيتها في المجتمع حيث يُعدّ هذا في الحقيقة أزمة؛ غاية الأمر أنّهم لا يتوجّهون إليها ولا يطرحونها وتلك السياسات المتسلّطة على العالم لا تعتبرها من شأنها ولعلّهم يعتبرون أنّ طرح هذه القضية مخالفٌ لتطلّعاتهم الأساس.
ويوضح الإمام الخامنئي هذه السياسات الغربية المتسلطة حيث يقول: «إنّهم (الغرب) أوجدوا بالتدريج عدم توازن ولا تعادل؛ فهناك طرفٌ مُنتَفِع وطرفٌ يُستغلّ؛ والبشرية قُسّمت على هذا الأساس، فالمُنتَفِع هو الرجل والمُستغَلّ هو المرأة. وقد حدث هذا بصورة هادئة وتدريجية وبأساليب مختلفة مع دعايات عديدة على مرّ العقود لعلّها تصل إلى 100 سنة أو 150 سنة، لا أستطيع أن أجزم هنا وهي قضية قابلة للتحقيق في المجتمعات الغربية بالدرجة الأولى، ولاحقاً حصلت في باقي المجتمعات. لقد عرّفوا شأن المرأة الاجتماعي هكذا: إنّ المرأة هي كائنٌ يجب أن يكون مورداً لانتفاع الرجل. لهذا لو أرادت المرأة بحسب الثقافة الغربية أن تبرز في المجتمع وتثبت شخصيتها، عليها حتماً أن تظهر شيئاً من جاذبيتها الجنسية. وحتى في المجالس الرسمية يجب أن يكون نوع لباس المرأة مورد استمتاع الرجل الذي هو الجانب المُنتفِع».
سفرها عليها السلام الى قم
رحلة فاطمة المعصومة إلى خراسان: (عليها السلام): أما خروجها خلف الإمام الرضا (عليهم السّلام)، فكان سنة 201 هـ وخرج معها موكب قوامه اثنان وعشرون شخصاً من الأخوة وأبنائهم والغلمان طلباً لأخيها اكتنفت السيّدةَ المعصومة (عليها السّلام)، ومعها آل أبي طالب ـ حالةٌ من القلق الشديد على مصير الإمام الرضا (عليه السّلام)، منذ أن استقدمه المأمون إلى خراسان. لقد كانوا في خوف بعدما أخبرهم أخوها أبو الحسن الرضا (عليه السّلام)، أنّه سيُستشهد في سفره هذا إلى طوس خاصّة وأنّ القلوب الكليمة ما تزال تَدمى لمصابهم بالكاظم (عليه السّلام)، الذي استُقدم إلى عاصمة الحكم بغداد، فلم يخرج من سجونها وطواميرها إلاّ قتيلاً مسموماً. كلّ هذا يدلّنا على طرف ممّا كان يعتمل في قلب السيّدة المعصومة عليها السّلام، ممّا حدا بها ـ حسب رواية الحسن بن محمّد القمي في تاريخ قم ـ إلى شدّ الرحال، لتتحسّس عن أخيها الإمام. وهكذا رحلت تقتفي أثر أخيها الرضا (عليه السّلام)، والأمل يحدوها في لقائه حيّاً.
بعد مرور سنة على هجرة أخيها اشتاقت لرؤيته فتوجهت نحو خراسان بصحبة جمع من أخوتها وأبناء إخوتها، وكان الناس يستقبلونها ويكرمونها أينما حلّت. وكانت في الطريق تبيّن للناس مظلومية أخيها وغربته، ومعارضته للحكم العباسي. وفي أثناء ذلك وحينما وصلت القافلة مدينة «ساوه» توجّه بعض أعداء أهل البيت بصحبة بعض جنود الحكومة، واعترضوا طريق القافلة، وحصلت بينهم معركة استشهد على أثرها جميع رجال القافلة تقريباً، وطبقا لرواية فان السيدة معصومة أيضاً سُقيت السم. وعلى كل حال فقد مرضت السيدة فاطمة، إما بسبب حزنها الشديد أو بسبب تناولها السم، ولم يمكنها مواصلة السير.
فتوجهت نحو مدينة قم ـ بعد أن سألت عن المسافة بين «ساوه» وقم ـ وقالت: سمعت أبي يقول: «إن قم مأوى شيعتنا». فخرج أهل قم لاستقبالها وهي مريضة، فلمّا وصلت استقبلها أشراف قم، وتقدّمهم «موسى بن خزرج» زعيم ألاشعريين وأخذ زمام ناقتها ودخلت قم في 23 ربيع الأول سنة 201 هـ. ثم أناخت الناقة في محل يسمى اليوم «ميدان مير» أمام منزل «موسى بن خزرج».
بقيت السيدة فاطمة في قم 17 يوماً كانت مشغولة فيها بالعبادة والدعاء في محل يسمى «بيت النور» ويقع الآن في مدرسة «ستيه». وأخيراً حانت منيّتها في العاشر من ربيع الثاني «أو الثاني عشر منه على قول» قبل أن تحظى برؤية أخيها .