بسم الله الرحمن الرحيم،[1]

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.

بداية أرحّب بالإخوة والأخوات الأعزاء الذين قطعوا هذا الطريق الطويل وجاؤوا إلى هنا من نيشابور وسبزوار ونوّروا هذه الحسينية بأنفاسهم الدافئة وقلوبهم المفعمة بالمودة والمحبة. أتوجّه بخالص الشكر إلى هذين الأخوين العزيزين، قائدَي «حرس الثورة الإسلامية» في مدينتي سبزوار ونيشابور، على كلمتيهما. لقد تحدّث كلا السيدين بأسلوب جيد للغاية وضمّنا في كلمتيهما ما ينبغي الالتفات إليه في مثل هذه المؤتمرات، وهذا ما يسعد المرء، فبحمد الله الإحاطة الفكرية والذهنية متوافرة لدى هؤلاء الإخوة. لقد دوّنت موضوعين أو ثلاثة لأحدّثكم حولها.

الموضوع الأول: تقديم الشكر إلى العاملين على هذه المؤتمرات القيّمة. هذه مسألة مهمة جداً. في رأيي إن العمل الذي تؤدونه، أي إقامة هذه المؤتمرات، هو بحد ذاته جهاد عظيم. فالعمل الذي تفعلونه جهادٌ. اعرفوا قدر هذا العمل. إنه ذلك الجهاد نفسه الذي لم يسمح بأن تضيع سُدىً الدماءُ المقدسة المسفوكة في كربلاء. هذا هو الجهاد نفسه. إنه ذلك الجهاد نفسه الذي أبقى خدمات أعلام الإسلام والدين والتشيّع طيلة ألف عام حيّة حتى اليوم. إذا لم يبذل من هم أمثالكم الهمّة ولم يسعوا، فقد كان هناك مَن لديهم الدافع إلى محو هذه [الأمور] من التاريخ على مرّ العصور كلها. لقد كانوا كذلك في الماضي وأيضاً اليوم هناك مَن لديهم الدافع لكيلا يسمحوا لعلامات العظمة المعنوية هذه أن تبقى حيّة في الشعوب، بل يبهّتونها و[يريدون أن] يقضوا عليها. سمعتم مراراً أنهم حاولوا إزالة كربلاء وألّا تبقى كربلاء ولا أرضها ولا مكان شهادة [الإمام الحسين (ع)] ولا ذِكرُ الشهداء. هؤلاء موجودون اليوم أيضاً. حتى اليوم هناك من هم منافعهم ومصالحهم ألّا يبقى ذِكر للمُجاهَدات، ولا لهذه الجهود كلها، ولا للدماء الطاهرة المسفوكة. لا تقبل القوى المستكبرة اليوم أن تُرى ذكرى شهدائنا وذِكرهم فوق رايات الفخر السامية لهذا البلد.

أنتم تبذلون الجهود ضد هذه الحركة الشيطانية الخبيثة؛ هذا جهادٌ. إن الذين يبذلون الجهود في طريق الحق أول أعدائهم هم من يقبعون على رأس الباطل ولا يريدون السماح لهم بالنجاح، ولا أن يبقى لهم ذِكر وذكرى. خاصية الشهادة هي جذب القلوب. الشاب الذي لا ينتمي إلى الدين [الإسلامي] تحثّه شهادة صديقه في سبزوار على الذهاب إلى المرحوم السيد علوي[2] فيصير مسلماً وشيعياً ثم يذهب ويستشهد في الجبهة. هذا هو فنّ الشهادة. إن شهادة شاب، أو صديق، أو رفيق، تنير الأجواء بنور الشهادة وتجذب القلوب. حسناً، هذا عكس مصلحة المستكبرين وأهل الباطل، لذا يحاربونه. وبعضُ من في الداخل أيضاً يفعلون مثل هذه الأفعال. إنكم تجاهدون. إنكم تقفون مقابلهم.

حفظ ذكرى الشهيد جهادٌ، وحفظ ذكرى مربّي الشهيد جهاد. فمن هو مربّي الشهيد؟ إنه الأب، والأم، والمعلِّم، وزوج الشهيد، والرفيق الحسن. هؤلاء هم مربو الشهيد، وتكريم ذكراهم جهاد، وأيضاً ذكرى أولئك الذين آزروا هذا الجهاد على امتداد «الدفاع المقدس» أو بعد ذلك إلى اليوم. إن ذكرى تلك السيدة التي تبني في قرية صد خَرْو[3] أو أي مكان آخر عشر تنانير في بيتها لتخبز للمجاهدين الخبز جهاد، والإبقاء على ذِكْرها حيّاً هو في نفسه جهادٌ. هذه [الأمور] يجب الحفاظ عليها.

لا بدّ من المحافظة على هذه الذكريات. بأي وسيلة يتعيّن حفظها؟ حسناً، قال الأصدقاء بالكتاب وبالتأليف وبالجداريات، وما شابه. كلها جيدة لكن اسعوا لكي تتحقّق ولتجعلوا الفن في خدمة هذا الأمر. يمكن لهذه الأحداث أن تكون موضوعات للرسم ولكتابة القصة وللشعر ولصناعة أفلام جذّابة يُستفاد منها في السينما والعروض الشعبية والفنون المختلفة. هذه أمور يجب أن تتحقق. إنها أعمال مهمة. لقد نظَّمتم الآن هذا المؤتمر في هاتين المدينتين الكبيرتين والمهمتين، فواصلوا أيضاً بقيّته، ولا تسمحوا أن يبقى هذا الجهاد ناقصاً، فهو عملٌ عظيم. حسناً، كان هذا موضوعنا الأول، وهو أنّ عليكم بأنفسكم أن تُقدّروا جيداً عملكم هذا وأن تُنجزوا هذه [الأعمال] – إن شاء الله – بما أمكن وبقوة وذوق وهمّة ومثابرة.

الموضوع الثاني الذي كنت قد دوّنته لأعرضه هو مناقب نيشابور وسبزوار. من مهمّاتنا الكبرى أن نُعرِّف شبابنا إلى معالم مدينتنا. هذا لا يحدث كما ينبغي. كانت هذه الأعمال قبل الثورة تقريباً [إلى حد] الصفر أو قريباً منه. لقد أتيت مراراً – أنا العبدَ – إلى سبزوار ونيشابور وبقيت [فيهما] وألقيت خطباً وكنت آنس بالناس. لم يكن هذا الكلام في تلك الأيام، ولم تكن تُولى أهمية للتاريخ العظيم والمجيد لهاتين المدينتين. إنّ نيشابور وسبزوار كنزان: كنز تاريخ الإسلام وحضارتنا الإسلامية والإيرانية. هما كنزان يتعيّن حفظهما والتعريف بهما. كان الآن في تقارير السادة أن تُعدّ موسوعة هاتين المدينتين. نعم، يجب أن تُعد وأن تُعرّفا. ينبغي أن يعلم الشاب النيشابوري والشاب السبزواري أي حقائق وجماليات وجلال وعظمة من الناحية المعنوية والعلمية والتاريخية يرث! يتعيّن على شبابنا أن يعرفوها ليشعروا بالهوية وبالشخصية. ليس الأمر أننا ننظر إليهما بعين أنهما حاضرتان قديمتان أو مدينتان قديمتان وتاريخيتان. لا، إنهما – نيشابور كما سبزوار – راويتان صادقتان و[شاهدتا] عيان على حضارتنا الإسلامية، وراويتا الحضارة والثقافة. ثم إنهما ليستا راويتين لسانيّاً؛ إنّهما راويتا عيان، وراويتا الملموس والمشهود، من الفضل بن شاذان[4] إلى ألف عام بعده، أي في عصر الحاج المولى هادي السبزواري[5]. انظروا فاصل الأعوام الألف هذا الزاخر بالكواكب الساطعة. حين ننظر إلى هذه الفاصلة، فإذا بها حافلة بالذكريات: الذكريات الحضارية وذكريات العظمة. بين الفضل بن شاذان والحاج المولى هادي، وبين عطّار النيشابوري[6] وحميد السبزواري[7]، لاحظوا كم هو جميل هذا التوازن والتعادل! ثمة فاصلة بنحو سبعمئة عام بين هذين الرجلين، وكلاهما عمل للإسلام ومن أجل المعرفة ومستقبل الأمة، كما عملا وبذلا جهداً من أجل تنمية المفاهيم الذهنية للشعب الإيراني.

أنا الآن أذكر اسم شخصين أو أربعة لكن يوجد مئات بل آلاف من هذا القبيل في تاريخ هاتين المدينتين. يجب أن يُتعرَّف إلى هؤلاء والتعريف بهم. ليس للآخرين تاريخ. هم يصنعون لأنفسهم تاريخاً وتواريخ لا تطابق الواقع. لاحظوا: حتى في تلفزيوننا يعرضون أن البلد الفلاني الذي ليس لديه أي تاريخ عظيم وقيِّم يُنتجون [فيه] قصصاً متسلسلة بمئة حلقة ومئة وخمسين. إنهم يصنعون لأنفسهم تاريخاً وحكمة وحكومة، ونحن لدينا لكنّنا لا نتذكر.

إن شرح كتاب اللمعة الدمشقية هو كتاب دراسي لطلابنا للعلوم الدينية المعاصرين. أساساً اللمعة نفسه كُتب بطلب السبزواريين. كَتب السبزواريون في عهد السربداريين[8] رسالة إلى الشهيد الأول[9] في الشام وقالوا: نحن، يا سيد، أسسنا حكومة، فتعالَ وأقم هنا. قال الشهيد: لا أستطيع المجيء لكنني أرسل إليكم هذا الكتاب. في الحقيقة الخراسانيون هم من أوجدوا اللمعة. شرح هذا الكتاب هو اليوم بعد خمسمئة عام إلى ستمئة ضمن كتبنا الدراسية، فهل هذه أمور هيّنة، وهل هي صغيرة؟ إنها هوية مدينتيكم هاتين. يتعيّن على شبابنا أن يعلموا هذه الهويات. هذه أيضاً كلمتنا حول مدينتيكم.

طبعاً أنا تحدثت عن هاتين المدينتين لكن سائر مدن إيران في جميع أنحاء البلاد هي على نحو أو آخر على هذا الدرب. طبعاً غالبية المدن لا جميعها. تحظى كثير من مدن بلادنا بهذا الماضي والمفاخر والتاريخ القيّم نفسه. الآن، ولأنني بنفسي خراساني، أنا على معرفة أيضاً بهاتين المدينتين، وأركّز عليهما، وإلا فالأمر كذلك في كل مكان، وهذا المعنى موجود. أحيوا هذه [الأمور]. إنّها هوية مدينتكم.

الموضوع التالي هو مناقب شهدائنا، وهنا يعجز اللسان حقّاً. للحقّ والإنصاف، [لو] أراد الإنسان أن يتحدّث عن الشهداء، فسيكون لسانه عاجزاً عن قول شيء حول عظمة الشهداء وقيمتهم، فكلامهم وسلوكياتهم ووصاياهم دروسٌ [لنا]. وصاياهم درسٌ حقّاً. لقد أوصى الإمام [الخميني] في خطاب على الملأ بأن اذهبوا واقرؤوا وصايا الشهداء.[10] هي تستحقّ القراءة حقّاً. هنا توجد وصيّة لشابّ مليء بالحماسة وباذلاً مهجته من سبزوار: الشهيد ناصر باغاني[11]. هو شابٌّ كان يبلغ قرابة عشرين عاماً. ويجدر بالإنسان أن يقرأ وصيّته عشر مرّات وعشرين! لقد قرأتها – أنا العبدَ – مراراً، وهو من الشباب. والشهيد [العميد] نورعلي الشوشتري[12] رجلٌ وقورٌ في منتصف العمر وقضى عمراً بالجهاد والمجاهدة في سبيل الله وتقديم التضحيات. هو أيضاً لديه وصيّة مليئة بالحكمة. عندما يقرأ المرء بضعة أسطر من هذه الوصيّة [يلاحظ] كونها حكمة كاملة حقّاً. حسناً أنا – العبدَ – كنت أعرف الشهيد شوشتري من قرب، ولا يتوقّع الإنسان عند مراودته بصورة عادية وجود هذا القدر من العُمق في شخصيّة هذا الإنسان، لكنّه موجود.

هذه الوصايا درسٌ [لنا] وهؤلاء يغدون قدوة. لا يمكن لأمثالي – أنا العبدَ – وصفُ الشهداء. إنّهم أرقى وأعلى وألطف وأكثر نورانيّة من أن نتمكّن من وصفهم وتقديم الشرح عنهم بصورة صحيحة، لكن لا بدّ أن نجعل هؤلاء قدوة. هؤلاء جميعهم قدوة. الشهداء قدوة.

حسناً، الشهيد شوشتري بطريقة والشهيد برونسي[13] بطريقة والشهيد باغاني بطريقة والشهيد حميدرضا الداغي[14] الذي هزّت شهادته الرأي العام في البلاد بطريقة. هؤلاء جميعاً قدوة. كلّ واحد منهم بنحو، وكلّ فرد منهم يمكن أن يكون قدوة لنا من جهة معيّنة. حسناً، ذكرتُ أسماء ثلاثة شهداء أو أربعة، وسبزوار ونيشابور مجتمعتين فيهما قرابة 4500 شهيد يمكن اعتبار كلّ واحد منهم الشهيد برونسي والشهيد باغاني. لكلّ واحد من هؤلاء حكاية مختلفة وقضيّة منفصلة. يشعر المرء بالخجل حين يهمّ بذكر أسمائهم.

حسناً، وبحمد الله، باتت قضيّة التدوين لذكريات الشهداء متدفقة في البلاد ولا بدّ من تعزيزها. تجب الكتابة أكثر وأفضل وبمنتهى الفنّ، وليقرأ الشباب هذه الكتب. فليقرؤوا جميعاً – إن شاء الله – وليستفيدوا.

نأمل أن يحشرنا الله المتعالي – إن شاء الله – مع هؤلاء ويجعلنا على خطاهم وألّا يحرمنا شفاعتهم، وأن يُرضي عنّا الأرواح المطهّرة لهؤلاء الشهداء، وأن يحشر – إن شاء الله – الروح المطهّرة للإمام [الخميني] الجليل الذي كان المُطلق لهذا التيّار مع الرسول (ص).

أتوجّه إليكم جميعاً بالشّكر مجدّداً على قدومكم إلى هنا، ولأنّكم أقمتهم هذه المؤتمرات. أسأل الله التوفيق لكم، وأبلّغ عبركم سلامي الحارّ والعميق لأهالي سبزوار ونيشابور.

والسّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم العقيد هادي موحّدنيا (قائد قوات التعبئة في منطقة سبزوار والأمين العام للمؤتمر) والعقيد عليّ نيكياد (قائد قوات التعبئة في منطقة نيشابور والأمين العام للمؤتمر) تقاريرهما.

[2] حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد حسن علوي السبزواري.

[3] قرية في قضاء سبزوار.

[4] من أعلام القرن الثالث الهجري، ومن فقهاء الشيعة ومحدثيهم ومتكلّميهم.

[5] (1797-1873) حكيم وفيلسوف إيراني.

[6] (1146-1221) من كبار شعراء إيران.

[7] (1925-2016) شاعر إيراني كتب أشعاراً ثورية عدة، ويُعد مؤسس شعر الثورة في إيران.

[8] «سربداران» حركة ثورية شعبية تأسست عام 1337م، وانطلقت شمال غربي إيران، وتحديداً في مدينة سبزوار، وذلك تعبيراً عن سخط الشعب من ظلم الحكم المغولي الإيلخاني وتعدياته.

[9] الشيخ شمس الدين محمد بن مكي، المعروف بالشهيد الأول، مؤلف اللمعة الدمشقية.

[10] صحيفة النور، ج. 14، ص. 491، كلمة في مختلف فئات الناس (22/6/1981): «طالعوا وصايا الشهداء التي يكتبها هؤلاء الأعزّاء. لقد مارستم العبادة على مدى خمسين سنة، وليتقبّلها الله، فلتحملوا يوماً ما واحدة من هذه الوصايا ولتطالعوها وتتفكّروا فيها…».

[11] كان من طلاب جامعة الإمام الصادق (ع) وقد حضر في الجبهة خلال مرحلة «الدفاع المقدّس» واستُشهد في 2/3/1987 في عمليّة «كربلاء 5».

[12] قائد مقرّ «القدس» التابع للقوات البريّة في «حرس الثورة الإسلاميّة». استُشهد مع عدد من قادة الحرس في 18/10/2009 إثر تفجير انتحاري نفّذه الإرهابيّون في مؤتمر «وحدة الأقوام والمذاهب في سيستان وبلوشستان» الذي أقيم بمشاركة العشائر البلوش في منطقة بيشين.

[13] عبد الحسين برونسي. كان قائد «لواء 18 جواد الأئمّة» خلال «الدفاع المقدّس» واستُشهد في 14/3/1985 في عمليّة «بدر».

[14] شابٌّ غيورٌ من سبزوار. تدخّل في 28/4/2023 بعد تصدّيه لمنتهكي الأعراض واستُشهد إثر تلقّيه ضربات سكاكينهم.