بسم الله الرحمن الرحيم،[1]

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين المكرّمين، لاسيّما بقية الله في الأرضين.

سلام الله على الرّوح المطهّرة لإمامنا [الخمينيّ] الجليل. لقد كان الإمام الجليل الرّاية الخفّاقة للرّسالات الإلهيّة في عصر الجاهليّة المسلّحة خلال القرون الأخيرة.

أرجو من الإخوة والأخوات أن يردّدوا الهتافات وأن يلتزموا الهدوء كي نتمكّن من الاستفادة القصوى من الوقت [المتاح] إن شاء الله.

ثلاثون عاماً ونيّف وهذا الاجتماع المجيد والمبارك ينعقد، وفي الغالب، كان الموضوع لهذا الاجتماع في هذه السّنوات كلها هو الإمام الجليل، والحديث الّذي يشغل معظم وقت هذا الاجتماع عن إمامنا الجليل والعزيز. إنّني أعتقد بأنّ الأجيال الجديدة في هذه البلاد تحتاج إلى مزيد من التعرّف إلى الإمام [الخميني] الجليل، ونحن القدماءَ كذلك. جميعنا بحاجة إلى مزيد من التعرّف إلى جوانب هذه الشخصيّة المتعدّدة الأبعاد والعظيمة. هذا سيساعدنا على التقدّم خلال مواصلة الطريق. اليوم أيضاً سأعرض نقاطاً عدّة حول الإمام الجليل، وسأتحدّث أيضاً عن موضوع يخصّنا نحن، والدّرس الذي يجب أن نستلهمه، وما ينبغي لنا فعله.

وأما بشأن الإمام الجليل، إنّ أوّل نقطة هي أنّ الإمام من روّاد تاريخنا، وهو ليس من روّاد عصرنا فقط. الروّاد هم ذوو العظمة في أي اختصاص ومجال من المجالات المعرفيّة والعمليّة للبشر، وبين العظماء والشخصيّات العظيمة يكون هناك من هم أرفع بعض الشّيء من الآخرين فنسمّيهم الروّاد. عندما نقول رائد، يكون لكلّ عصر روّاده. لكنّ بعضهم ليسوا محصورين في عصرهم بل هم روّاد التاريخ.

لا يُمكن إزالة الروّاد من ذاكرة التاريخ. إنّها نقطة مهمّة تحظى باهتمامنا. لا يُمكن إزالة الروّاد وليس مقدوراً على تحريفهم. ليس الأمر أن دعايات المعارضين لا تستطيع أن تشوّه صورة الرواد. كلّا، فقد بات في مقدور وسائل الإعلام التي تصير أكثر حداثة يوماً بعد يوم وعصريّة وتجهيزاً تقديمُ الليل نهاراً والنهار ليلاً، ويمكنها أيضاً بثّ الأكاذيب حول الشخصيّات البارزة والمنوّرة، ولكن هذا زبدٌ فوق الماء. إنه: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} (الرعد، 17)؛ الشمس لا تبقى خلف السحاب. ابن سينا ​​والشيخ الطوسي يستطيعان اليوم، بعد ألف عام من زمانهما، تقديم نفسيهما بصوت بليغ. لا يمكن محو شخصيتيهما، ولا إزالتهما من ذاكرة التاريخ، كما لا يمكن تشويههما. أبعاد شخصية إمامنا الجليل أوسع وأكثر تنوعاً من أبعاد ابن سينا ​​والشيخ الطوسي. إنّ الخصائص التي تدخل في تشكيل شخصيّة الإمام الجليل تفوق بمراتب الخصائص الحاضرة في شخصيات تلك النماذج من البارزين والرواد.

الإمام رائدٌ في الجوانب كلّها. هو رائدٌ في العلوم الدينيّة. الإمام رائدٌ في الفقه والفلسفة والعرفان النظري. وهو رائدٌ في الإيمان والتقوى والورع. كما أنّه رائدٌ في صلابة الشخصيّة وقوّة الإرادة، وأيضاً هو رائدٌ وفريدٌ في القيام لله وممارسة السياسة الثوريّة وإحداث التحوّل في النظام البشري. هذه الخصائص لم تجتمع في أيٍّ من روّاد تاريخنا [لكنها] مجتمعة لدى الإمام الجليل. النتيجة أنه لا يُمكن لأحد إزالة الإمام الخميني من ذاكرة التاريخ، لا اليوم ولا في القرون الآتية، ولا يمكن أن يحرّف شخصيته. من الممكن أن تُبث الأكاذيب بضعة أيام، وتُحرّف الشخصية، ولكن في نهاية المطاف، يعرّف وجه الإمام المشرق نفسه إلى الجميع بصوت بليغ. لا يمكن إبقاء هذه الشمس خلف السحاب. هذه هي النقطة الأولى.

النقطة التالية أنّ إمامنا [الخمينيّ] العظيم أنجز ثلاثة أعمال عظيمة وكبيرة وتاريخيّة. لقد أحدث ثلاثة تحوّلات كُبرى: أحدها على مستوى إيران، وآخر على مستوى الأمّة الإسلاميّة، وثالث على مستوى العالم. أيٌّ من هذه التحوّلات الثلاثة غير مسبوق، وقد لا يكون في مقدور المرء أن يتوقّع وقوع شبيه ومثيل لها في المستقبل. كان هذا الأمر مختصاً بالإمام الجليل.

أما في ما يرتبط بالتحوّل على مستوى البلاد، فهو أوجد الثورة الإسلاميّة في هذا البلد. الناس هم من خاضوا الثورة لكنّ الإمام من أوجدها. هذه الثورة أطاحت بنظام ملكيّ واستبدلت به نظام سيادةٍ شعبيٍّة دينيّة. هذه الثورة أزاحت نظاماً عميلاً وذليلاً للقوى العظمى، واستبدلت به نظاماً مستقلاً وقائماً على العزة الوطنية. هذا النظام أزاح من الميدان حكومةً معاديةً للإسلام وأسّس مكانها حكومةً إسلاميّة وأرساها. هذه الثورة حوّلت الاستبداد إلى حريّة، ولقد حولت الفقدان المتزايد لدى هذا الشعب لهويّته إلى هويّة وطنيّة وثقة بالنّفس. هذه الثورة سلّحت شعباً كان يُعلّق آماله على أيدي الأجانب، بقوّةِ «نحن قادرون». إنّها معجزات هذه الثورة العظيمة والتحوّل الكبير الذي أحدثه الإمام الجليل على مستوى البلاد. «نحن قادرون» هذه التي ذكرتها هي الحلّ لمشكلاتنا كافة. كانت لدينا مشكلات ولا تزال وستكون، لكن ذاك الشيء الذي يمكن أن يزيل المشكلات، وأزال مشكلات الماضي، والعلاج لمشكلاتنا في المستقبل أيضاً، هو روحيّة وقوّة «نحن قادرون» التي أوجدتها ثورة الإمام [الخمينيّ] الجليل في هذه البلاد.

أما عمّا حدث على مستوى الأمّة، التحوّل على مستوى الأمّة، فقد أطلق الإمام [الخمينيّ] تيّار الصحوة الإسلاميّة. مع تحرّك الإمام، سارت مرحلة الارتباك والخمول في العالم الإسلامي نحو التبدّد والزّوال. غدت الأمّة الإسلاميّة اليوم، مقارنةً مع مرحلة ما قبل انتصار الثورة الإسلاميّة والمرحلة التي سبقت الإمام، أكثر تحرّكاً ونشاطاً واستعداداً وحيويّة، مع أنّه لا تزال تُستشعَر الحاجة إلى مزيد من العمل في هذا المجال. إنّ فلسطين، التي تَوهّمَ الصهاينةُ وداعموهم أنّها باتت قضيّةً منتهيةً ولم يعُد مُقرّراً أن تُطرح، تحوّلت مع تحرّك الإمام والتحوّل الذي أحدثه على مستوى الأمّة الإسلاميّة إلى قضيّة العالم الإسلاميّ الأولى. اليوم تُعدّ فلسطين القضيّة الأولى في العالم الإسلامي، كما غدت اليوم محور اهتمام الشعوب المسلمة، وإنّ صدى أصوات القادة الفلسطينيّين من على سطح سفارة الكيان الصهيوني في طهران مع انتصار الثورة هزّ العالم وزلزله. لقد أدرك الجميع أنّ مرحلةً جديدةً انطلقت في ما يرتبط بفلسطين. لقد ضَخَّ [الإمام] الروح في الجسد الكئيب للشعب الفلسطينيّ، وتلاحظون اليوم كيف يُثبت الشعب الفلسطينيّ حضوره بقوّة واقتدار. إنّه يوصل كلامه إلى أسماع العالم، و«يوم القدس» لم يعد محصوراً في إيران أو طهران، بل في عواصم العالم غير المسلم أيضاً باتوا يدافعون عن الفلسطينيّين ويدعمونهم. هذا هو التحوّل على مستوى الأمّة.

التحوّل الثالث هو التحوّل على مستوى العالم. لقد أحيا الإمام [الخميني] أجواء الروحانيّة والاهتمام الروحيّ في العالم وكذلك في الدول غير المسلمة. الروحانيّة كانت قد سُحقت تحت أقدام السياسات الماديّة والمعادية. لقد كان ردّ فعل الناس مقابل هجوم الأجهزة الصهيونيّة والاستكباريّة من أجل ترويج الماديّة ردّ فعل منفعلاً. كانت الروحانيّة قد زالت من الأذهان، في حين أنّ حركة الإمام الجليل أعادت إحياء الصبغة الروحانيّة في العالم. طبعاً، قوبلت هذه النقطة الأخيرة برد فعل عنيف من مراكز القوة تلك نفسها و[هم] اليوم يمضون بدافع أكبر في الهجوم على الروحانية على مستوى العالم أين ما يستطيعون بأساليبهم الخاصة، وبعضها فاضح لدرجة أن يخجل المرء من ذكرها. هذه هي النقطة الثانية بشأن الإمام. إذن، كانت النقطة الأولى أنه لا يُمكن إزالة الإمام من ذاكرة التاريخ. الإمام حيٌّ وصيحة الإمام وكلامه البليغ لا يخمدان. والنقطة الثانية أنّ الإمام أحدثَ هذه التحوّلات العظيمة الثلاثة بشخصيّته المهمّة والرائدة تلك.

النقطة التالية نقطة مهمّة، وهي أنّنا نتساءل: إلى ماذا ارتكز الإمام [الخميني] في إنجاز هذه الأعمال العظيمة، وبمساعدة أيّ عاملٍ صلبٍ أو برمجيّ نهض بها؟ ذاك العامل الذي استطاع مساعدة الإمام وجعله يتقدّم في هذا الميدان دون أن يشعر بالتعب، ويتمكّن من إنجاز هذه الأعمال العظيمة، وإزاحة هذه الجبال الشاهقة عن مساره، ماذا كان؟  لم يكن الإمام يملك عاملاً مساعداً على المستوى الصلب، فالإمام لم يكن يملك مالاً ولا أدوات دعائية، ولا إذاعة، ولا وكالة أنباء، ولم تدعمه أيّ من السياسات الحاكمة في العالم. كان العامل الصلب للإمام مجرّد ورقةٍ يخطّ بياناً عليها، وشريطاً مدمجاً يسجّل صوته لكي يوصله إلى أسماع هذا وذاك. لم يكن يملك عوامل على المستوى الصلب وما يساعده على هذا المستوى.

ما العامل البرمجيّ للإمام؟ هذا هو المهم. كلّ شيء كان يكمن في المساعدة التي قدّمها العامل البرمجيّ إلى الإمام. يمكن عرض هذا العامل البرمجيّ بمختلف أساليب البيان. واليوم اخترتُ عنوانين وتعبيرين لهذا العامل المساعد للإمام وأروم طرحهما. ذانِكَ العاملان هما الإيمان والأمل. إنّ ذاك الشيء الذي جعل الإمام يحثّ الخطى في هذا الطريق ومكّنه من إحداث هذه التحوّلات العظيمة على مستوى البلاد والأمّة والعالم على مرّ التاريخ كان إيمانه وأمله: الإيمان والأمل!

كان الشهيد مطهّري – رضوان الله تعالى عليه – قد أجرى لقاءً في باريس مع الإمام. الشهيد مطهّري نفسه كان جبلاً من الإيمان، جبلاً من الإيمان، وكان يُعرب عن حيرته وذهوله أمام إيمان الإمام. قال بعد عودته: رأيت أربعة أنواع من الإيمان في الإمام: أحدها الإيمان بالهدف، والهدف يعني الإسلام، فقد كان الإسلام هدف الإمام، وآخر الإيمان بالنهج، النهج الذي كان قد اتّخذه، وكان نهجُ الكفاح نهج الإمام، وثالث هو الإيمان بالناس والمؤمنين، أي الشيء نفسه الذي يقوله الله المتعالي حول رسول الله: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} (التوبة، 61)، وسوف أتحدّث ببضع جُمل في هذا الصّدد، ورابعاً وفوق هذه كلّها الإيمانُ بالربّ، والإيمانُ باللّه، والثقةُ بالله. أودّ أن أقدّم توضيحاً عن هذا الإيمان الرابع: الإيمان باللّه.

عندما نتحدث عن الإيمان باللّه في المسائل العينيّة، وفي قضيّة مقارعة الاستكبار، فلذلك معنى خاص. الإيمان باللّه في هذا المقام هو بمعنى الإيمان بالوعود الإلهيّة. لقد قطع الله المتعالي وعوداً في القرآن، وهذه الوعود لا تُخلف. لقد وعدَ: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد، 7). وعدَ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج، 40). وعدَ: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (الحج، 38). وعدَ: {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد، 17). إذا كنتم تنصرون الله، فإن الله سيمنحكم ثبات القدم ويمنّ عليكم بالنصر. ما يصبّ في منفعة الناس يبقى، وهو باقٍ، والزبد فوق الماء زائل، والجَور والباطل هما ذلك الزبد الذي فوق الماء، والحقّ، أيْ حقيقة الإسلام، هو الذي يبقى. هذه وعودٌ إلهيّة؛ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (آل عمران، 9). الله لا يخلف وعوده. هذا هو الإيمان بالإله، والإيمان بالربّ، الذي ينقله الشهيد مطهري عن قول الإمام. معناه أنّه مؤمنٌ ومعتقدٌ بالوعود الإلهيّة. أين هذا، وأين ذاك الذي يدخل إلى طريق ويقول: دعنا نذهب ونرى ماذا سيحدث؟ إن الثقة بالوعد الإلهي هي التي تحرّك القدم الثابتة للإمام في هذا الطريق.

إن الإيمان بالإسلام أحد تلك الأربعة التي نُقلت عن الإمام. لقد عرّف الإمام [الخميني] (رض) هذا الإسلام في خطاباته المتعدّدة. هذا الإسلام ليس إسلام الرأسماليّة ولا الإسلام الالتقاطيّ للمتظاهرين بالتثقّف الذين هم من دون اطّلاع أو معرفة.

في فهم الإسلام وتبيينه، لا الإمام يقبل هذه الآراء الفكرية الهشّة التي يُعبَّر عنها بـ«المثقّفة» – الآراء التي لا تقبل الشريعة الإسلامية ولا الفقه الإسلامي، وتدّعي الإسلام أيضاً! الإمام يرفضها رفضاً قاطعاً – ولا [يقبل] إسلام الأفراد المتحجّرين الذين لا يملكون القدرة على فهم استنباط جديد من المتون الإسلاميّة وقبوله والاعتقاد به. الإمام لا يقبل أيّاً من هذه. الإمام يرنو إلى إسلام الكتاب والسنّة مع الاجتهاد المُتقن والفهم الصحيح للإسلام. هذا هو إسلام الإمام الجليل. الإمام لا يقبل إسلام الأفراد المتحجّرين الذين يتحدثون باسم الإسلام، ومن الممكن أن يتمتموا بدروس الإسلام أيضاً، لكنّهم لا يقبلون الإسلام الذي تتعلّق معظم أحكامه بالحياة الاجتماعيّة والحكومة والسياسة، ويروجون لترك المسؤولية في أمور السياسة والشؤون الاجتماعيّة. هذا بشأن الإسلام.

الإيمان بالنّاس. {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} التي وردت في الآية القرآنيّة الكريمة قد يفسّرها بعضهم بأسلوبٍ مختلف. المعنى الصحيح لـ{يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} هو «يؤمن بالمؤمنين». «الإيمان» صار متعدّياً مع اللام في استعمالات القرآن الكريم. {فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ} على سبيل المثال. {يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} يعني الوثوق بالناس والإيمان بهم. طوال هذه الأعوام، كان بعض الأشخاص يكرّرون إبداءهم قلقهم من إمكانيّة ألّا يتحمّل الناس وألا يتمكّنوا من قطع هذا المسار الصعب والقاسي على خُطى الإمام، فكان يقول: لا، أنا أعرف الناس أكثر وأفضل منكم. وكان محقّاً؛ كان يعرف أنه لو شخّص الناس أنّ هذا المسار مسارٌ إلهيّ، فإنّهم سيتحمّلون المشكلات كلّها فيه. لقد أكّدت الأُسر التي قدّمت الشهداء فهم الإمام هذا، وأكّد الشباب المضحّون طوال هذه الأعوام الممتدّة هذا الفهم، وقد أكّدت التجمّعات العظيمة للشعب الإيرانيّ تكريماً للدين والقضايا الدينيّة والأبحاث الثوريّة فهم الإمام هذا. كان الإمام يثق بالناس وأعمالهم ودوافعهم وآرائهم. الجمهوريّة الإسلاميّة وهذه السيادة الشعبيّة في الجمهورية الإسلامية – أي كلمة «جمهوريّة» – كانت نابعة من ثقة الإمام الجليل هذه بالناس. بعض الأشخاص فهموا حركة الإمام هذه بأسلوبٍ مختلفٍ نتيجة فهمهم الخطأ، وعبّروا عنها بطريقة مختلفة، وأوحوا كأنّما قال الإمام كلمة «جمهوريّة» نتيجة وقوعه في الإحراج! لم يكن الإمام شخصاً يقع في الإحراج. لم يكن الإمام شخصاً يقول كلاماً ليسرّ به هذا وذاك، بل كان هذا ما يعتقد به، ولذلك طرح السيادة الشعبيّة الدينيّة. لقد صرّح الإمام في آخر عمره بأنّه لم يُدلِ بصوته لرئيس الجمهوريّة الأوّل ذاك. [2]كانوا يقولون إنّ سماحته أدلى بصوته له، لكن الإمام صرّح: لم أصوّت لفلان. مع ذلك، نفّذ الإمام حكم رئيس الجمهوريّة الذي لم يكن شخصيّاً مقتنعاً به ولم يُصوّت له. لماذا؟ لأنّ الناس كانوا قد صوّتوا له، ولأنّه كان يقيم الاعتبار لآراء الناس، وهذا كان الفكر المبنائي للإمام. حسناً، تحدّثنا في كلمات قصيرة حول إيمان الإمام هذا بمختلف جوانبه.

وأمّا «الأمل» عند الإمام، فإنّه كان عنصراً دائماً في قلبه. الأمل كان المحرّك لحركة الإمام الجليل. هذا الأمل كان ملحوظاً بوضوح في سلوك الإمام وكلامه. الإمام في العشرينيات (الأربعينيات من القرن العشرين الميلادي) يتحدّث في بيانه المشهور ذاك عن القيام لله. [3][كتب] آية {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} (سبأ، 46). ذاك البيان بخطّ الإمام، الذي يُحفظ اليوم في مكتبة المرحوم وزيري في يزد، يعود إلى الأربعينيات. وفي الأربعينيات (الستينيات من القرن العشرين الميلادي)، طبّق هذا القيام على أرض الواقع بنفسه وخاض ميدان القيام. وفي الستينيات (الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي)، حين جاءت عقد الأعاصير المهيبة على المستويات العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة، لم يرفّ له جفن. منذ الأربعينيات حتى الستينيات والثمانينيات، تركت سلسلة الأمل اللامتناهية هذه، ونبع الأمل المتفجّر في قلب الإمام، تلك الآثار. الإمام [الخميني] الجليل يقول بنفسه في إحدى كتاباته المسجّلة والمنشورة: لم أُصب أبداً باليأس طوال سنيّ الكفاح إلى ما بعد الانتصار، وكنت أعتقد بأنّ الشعب متى ما أراد شيئاً، فإنّه سيتحقّق حتماً.  [4]إنّ أمل الإمام هذا كان نابعاً أيضاً من إيمانه. عندما يكون لديكم إيمان ساطع بالمبدأ الحقيقي وبالله المتعالي، ستبقى شعلة الأمل في القلب متّقدة ولن تنطفئ. إنّ الأمل والإيمان يؤثّران في بعضهما بعضاً. الإيمان يولّد الأمل، وتحقّق الآمال يضاعف الإيمان. هذه الأمور يؤثّر بعضها في الآخر.

طبعاً، حين نتحدّث عن الأمل، لا ينبغي خلط الأمل مع تصوّرات وأوهام مخادعة. الأمل يعني تلك الحالة التي تترافق مع الحركة ولا تنسجم مع الخمول والسكون. من لديه أملٌ في الوصول إلى المقصد يسير نحوه. مستحيل أن يجلس أحدهم ويُبقي في الوقت عينه على أمله أنّه سيصل إلى المقصد. جرى التعبير عن هذا الخداع في الأدعية والروايات بـ«الاغترار بالله» وقد ذُمّ: أن يتأمّل الإنسان تحقيق غاية معيّنة دون حركة وسعي. لا، هناك حاجة إلى الجُهد. الإمام كان لديه هذا الأمل وكان يسعى.

حسناً، إلى هنا عرضنا ثلاث نقاط أساسيّة ذات صلة بالإمام [الخميني]. وها نحن واستلهام الدروس من الإمام. ما توصية الإمام لنا اليوم؟ الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات، الشّعب الإيرانيّ العظيم، أيّها الشباب الدؤوبون وذوو الروحيّة الحسنة في أنحاء البلاد، لا بدّ من الإنصات إلى توصية الإمام. الإمام عظيمٌ ورائدٌ وحيٌّ وله كلامٌ معنا ويكلّمنا. ونحن أيضاً أمامنا مسارٌ طويل وأعمالٌ كُبرى، و[لذلك] نحتاج توصية الإمام. ما توصية الإمام لنا؟ لا شكّ في أنّ أعظم توصية للإمام هي مواصلة نهجه وحراسة إرثه. إنّها أعظم توصية لإمامنا الجليل. لا بدّ لنا من متابعة التحوّلات الثلاثة التي أوجدها الإمام داخل البلاد وعلى مستوى الأمّة وعلى مستوى العالم، وأن نصونها. إنّ متابعة هذا الهدف اليوم لها مقتضياتها وهي تختلف عن مقتضيات زمن الإمام. هذا ما نعلمه. لا شكّ أنّه في عصر الذكاء الاصطناعيّ والكمّ[5] والإنترنت وأمثال هذا التقدّم العلمي لا يمكن العمل بأساليب الأعوام الأربعين السابقة نفسها، [أي] عصر الهواتف وأجهزة تسجيل الصوت الفلانيّة، لا يُمكن العمل اليوم بتلك الأساليب نفسها. لا بدّ اليوم من أجل تحقيق التقدّم إلى هذا الهدف من اختيار الأدوات التي تتناسب مع الزمان، ولا شكّ في هذا. تتغير الأدوات لكن ما لا يتغير هو الاصطفافات. لم تتغيّر الاصطفافات ولم تتبدّل ولن تتبدّل. الأهداف لا تتبدّل وكذلك الاصطفافات. إنّ جبهة العدوّ والاستكبار والغطرسة والصهيونيّة والجبابرة المتغطرسين والمعتدين في العالم اصطفّوا اليوم أيضاً مقابل الشعب الإيراني. طبعاً إنّ الفرق في هذا الاصطفاف اليوم أنّ الشعب الإيراني بات أقوى، وهم أضعف. لكنّ اصطفاف الجبهات هو نفسه. ما يُمكن أن يبرز كهاويةٍ خطيرةٍ تعترض حركتنا هو أن ننسى هذا العداء والاصطفاف. كلّما نسينا، تلقينا ضربة. هذه التحوّلات التي أوجدها الإمام يحتاج الشعب الإيراني اليوم إلى متابعتها، فحياته وقوّته وعزّته وإصلاح شأن الشعب الإيراني هذا كلّه مشروط بمتابعة تحوّلات الإمام هذه. لهذه التحوّلات أعداء عنيدون ومليئون بالضغائن والأحقاد. في أرجاء العالم كلّه، يعتدي أولئك الذين يفكّرون في الاعتداء على الشعوب وسائر الدول على أيّ بلد يمكنهم الاعتداء عليه. يبنون القواعد وينهبون نفطه ويبيدون أهله، وحيث يستطيعون، يرتكبون أيّ جريمة يقدرون عليها. هذا موجود. حسناً، إذا قرّر الشعب الإيراني التحرّك ومواجهة هذه الحركة، فما الذي يحتاجه؟ أقول: إنه بحاجة إلى العامل البرمجيّ نفسه الذي كان لدى الإمام ويوصي الناس به، أي الإيمان والأمل.

فليلتفت شبابنا إلى هذا الأمر خاصّة، أي إلى أنّ معاداة الاستكبار الشعب الإيراني لا تنتهي بأنواع التراجع المرحليّ. بعض الأشخاص يُخطئون ويتوهّمون أن [لو] تراجعنا في القضيّة الفلانيّة، فإنّ هذا سيؤدّي إلى تقلّص معاداة أمريكا أو الاستكبار العالمي أو الصهاينة لنا. لا، هذا خطأ. لقد أدّى تراجعنا في حالات متعددة إلى تقدّمهم وممارستهم المزيد من الاعتداء. في بعض الحكومات خلال هذه العقود القليلة، كان هناك بعض الذين يعتقدون بأن نقدّم بعض الامتيازات إلى الطرف والجبهة المقابلة في بعض الحالات، وأن نتراجع بعض الشيء. في إحدى هذه الحكومات، استدعت تلك الدول نفسها التي كنّا قد تراجعنا أمامها، رئيس جمهوريّتنا إلى محكمة غيابيّة، وأصدروا بحق رئيس جمهوريّتنا لائحة اتهام في المحكمة![6] في إحدى تلك الحكومات، التي يبدو أنّه جرى في عهدها مساعدة الأمريكيّين أيضاً للأسف، أطلقوا على إيران اسم «محور الشرّ».[7] هؤلاء لا يقتنعون بأنواع التراجع هذه. وما يريدونه هو أن يعيدوا إيران إلى مرحلة ما قبل انتصار الثورة الإسلاميّة: إيران التابعة والفاقدة الهويةَ، التي تعلّق آمالها على هذا وذاك. هم يريدون هذا. ولا يقتنعون بأنواع التراجع هذه. يجب ألّا نُخطئ.

ما أريد قوله للشعب الإيراني ولكم – الشبابَ الأعزّاء – هو ما يلي: أودّ القول إنّ كلّ من يحبّ إيران والمصالح الوطنيّة للبلاد وتحسّن الأوضاع الاقتصاديّة ويعاني من المشكلات الاقتصاديّة والمعيشيّة ويودّ إصلاحها، وكلّ من يسعى إلى تحقيق إيران مكانتها العزيزة في النظام العالميّ المقبل، وكلّ من يرغب في هذه الأمور، لا بدّ أن يسعى إلى الترويج للإيمان والأمل في أوساط الشعب. هذه مسؤوليّة، وهي مسؤوليّتنا جميعاً. هذه خلاصة كلامي الذي أوجّهه إلى النخب والخلايا الثوريّة والمجموعات السياسيّة وآحاد الملتزمين من الناس. علينا جميعاً أن نسعى لكي يبقى الإيمان والأمل حيّين في هذه البلاد.

وصيتي هي تعزيز الإيمان والأمل، وكذلك مرمى أهداف العدوّ هو هذا الإيمان والأمل. إنّ المسعى الواسع للأعداء – سأعرض الآن بضع جُمل – موجّهٌ أن يقضي على الإيمان والأمل في الناس، فيُضْعف إيمان الناس، ويُطفئ مشعل الأمل في قلوبهم خاصة الشباب. نوصي بأنه يجب تعزيز الإيمان والأمل، فالعدو يسعى للقضاء على الإيمان والأمل. حفظ الاستقلال الوطني يكون بالإيمان والأمل، وكذلك الكرامة الوطنية والمصالح الوطنية. لهذه كلّها عدو. إن للحفاظ على مصالحنا الوطنية أعداء لدودين وعنيدين، وهم يفعلون كل ما في وسعهم، وكانوا قد فعلوا إلى اليوم [كل شيء]. إن الأجهزة العنيدة واللدودة للاستكبار وأجهزتهم الأمنيّة والسياسيّة ودعمهم المالي فعلت في هذه البضعة من العقود كلّ ما أمكنها ضدّ الشعب الإيراني، وكذلك تقدّمت في موارد معدودة، وقد غلبهم الشعب الإيراني وقمعهم في غالبية الموارد بتوفيق إلهي.

التفتوا، فليلتفت الجميع! كان آخر محاولة للعدو – طبعاً آخر محاولة إلى الآن، وسيُقدمون على أعمال في المستقبل – أعمال شغب الخريف الماضي هذه. انتبهوا! جرى التخطيط لأعمال شغب الخريف الماضي هذه في الخلايا الفكريّة للدول الغربية. هناك كان التخطيط لها، ونفذوا أيضاً تخطيطاً شاملاً. التخطيط في الخلايا الفكريّة الغربية، والدعم المالي والإعلامي والتسليحي عبر الأجهزة الأمنية الغربية. لقد دعموا، دعموا ماديّاً، كما دعموا بالسلاح، وأيضاً أشرفوا على دعم إعلامي واسع وممتد. وهبّ عدد من العناصر الخائنين الذين أداروا ظهورهم للوطن من أجل خدمتهم. هبّ الذين خانوا بلدهم لخدمتهم. ذهبوا من هنا إلى الخارج وصاروا العملاء والمنفّذين لسياسات عدو إيران. هو ليس عدو الإسلام والجمهورية الإسلامية فقط، بل عدو إيران. وبعضهم كانوا جنود مشاتهم في الداخل أيضاً. كان جنود المُشاة هؤلاء مزيجاً من جمع معدود من المُغرضين، وعدداً أكبر من الغافلين والانفعاليّين وذوي المستوى المتدنّي من العُمق، ومجموعة أيضاً من «الأراذل والأوباش»[8]. هؤلاء أيضاً كانوا جنود المُشاة لأعمال الشغب هذه. بدءاً من خلايا التفكير للأعداء في الدول الغربيّة وانتهاء بـ«الأراذل والأوباش» في شوارع طهران وبعض المدن الأخرى شكّل هذا [المزج] مجموع هذه الحركة. كانوا قد فكروا في كل شيء. فإذاعات الدول الأجنبية وتلفزيوناتها كانت تُعلِّم الناس صناعة القنابل اليدوية دون رادع أو وازع، ودون مجاملة، وجعلوا على ألسنة هؤلاء شعار تقسيم إيران. روّجوا للحركة المسلحة داخل الشوارع بالأسلحة المهرّبة. وفي الشوارع وأمام أعين الناس، قتل سفلتُهم ورعاعُهم طالب الجامعة الشاب أو طالب العلوم التعبوي، أو عنصر الشرطة، أو عنصر التعبئة، تعذيباً، وجعلوهم شهداء[9]. انتبهوا لتتضح أكثر عظمة الشعب الإيراني والحافز والإيمان في هذا الشعب! هكذا تحرّك في الداخل «الأراذل والأوباش»، وهكذا أطلق المُغرضون الشعارات، وفي الخارج أيضاً التقط بعض سياسيي المستويات الحكومية الرفيعة صوراً تذكارية مع هؤلاء الأعداء أنفسهم. كان هؤلاء يخالون الأمر انتهى.

كان تخطيطهم على أساس أنهم يظنون أن أمر الجمهورية الإسلامية انتهى، وأن في إمكانهم استخدام الشعب الإيراني. الحمقى أخطؤوا ثانيةً، ومرة أخرى لم يعرفوا الشعب. بالطبع الشعب الإيراني لم يكترث لهم ولم يأبه لدعوتهم. استطاع الشباب الملتزمون تحقيق أعمال عظيمة في الشوارع والجامعات. التعبئة الطلابية وتعبئة [مختلف] الفئات ضمن مدن البلاد، والناس الملتزمون والمتدينون، أدّوا تكاليفهم وأحبطوا العدو. بَطُل مخطط العدو، لكن هذا التحذير وُجّه إلى الجميع: لا تغفلوا عن كيد العدو! لا تغفلوا عن كيد العدو!

إنّ مسعى العدو هو أن يُقنط الشباب الإيرانيون. فبطبيعة الحال هناك مشكلات في البلاد، وهم يُلوِّحون بهذه المشكلات باستمرار أمام الشباب الإيرانيين. هناك مشكلة معيشية، وهناك الغلاء، وهناك التضخم، فهذه المشكلات موجودة، ويسعى العدو أن يجعل منها – كلها مشكلات يمكن حلّها، وإن شاء الله، فستُحلّ بتوفيق الله وبحوله وقوّته – أداةً لإطفاء نور الأمل في قلوب الشباب، مع أنها عارضة وقابلة للحلّ. ينبغي ألا تُضعف المشكلاتُ الأمل. إذا كنا نشاهد المشكلات، يتعيَّن أن يتعزّز حافزنا للعثور على سبل حل المشكلة، ومساعدة أولئك الذين يقفون في الميدان في وجه هذه المشكلات، وهم آخذون بالسعي من أجل إزالتها. بالطبع لدينا مشكلات، لكن لدينا مقابلها ظواهر كلها باعثة على الأمل. أقول لشبابنا الأعزاء: إن العدو لا يُريد أن يسمح بأن نرى هذه الظواهر الباعثة الأمل. هذه الظواهر أكثر بمراتب من المشكلات: تطورات البلاد في مجال العلم والتقنية، وفي إيجاد بُنى تحتية صناعية وزراعية، وفي إيجاد منظومات الشحن والنقل المهمّة جدّاً، وتطورات البلاد في إعداد القوة البشرية، وفي استجرار النشاطات العمرانية إلى النقاط النائية والمحرومة في البلاد – هذه تحدث الآن – وفي السياسة الدولية، وفي الرِّفعة والكرامة الوطنية، وفي الاقتدار العسكري والدفاعيّ للبلاد. إنّها حقائق تولِّد الأمل، ويريد العدو أن ننساها ونُغيِّبها عن ذاكرتنا، وألَّا يطَّلع عليها شبابنا. إن هذه الحقائق تُنبئُ بمستقبل مشرق.

حينما تتحدثون عن الأمل، يُحبّ بعضهم أن يقدحوا في أملكم هذا بذكر تلك المشكلات. إذا تحدثتم عن الأمل، يقولون: لا علم لكم بالحقائق. كيف يمكن ألّا يكون لشخص علم بالحقائق؟ الحقيقة التي يتحدثون عنها هي هذه الحقائق الاقتصادية نفسها والمشكلات المعيشيّة عينها، وهذه يعلمها الجميع، فالكلّ يعاني منها، ولا شك. من أجل أن يقتلوا الأمل في القلوب ثمة بعض من يشيرون إلى أنَّه ثمة أشخاص في الطبقات الاجتماعية ليس لديهم هاجس الدين والإيمان والثورة. نعم، هذا موجود، لكن الأمر لا يخص اليوم؛ ففي الستينيات (الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي) حين كانت الجبهات عامرة بذاك النحو ومفعمة بالشباب المؤمنين، كان يمشي عدّة في المدن الكبرى وطهران غير مبالين ولا مكترثين. ليس الأمر أنهم لم يكونوا يشعرون بالمسؤولية فحسب، بل حتى يسخرون من المسؤولين! انظروا سيرة الشهداء والمجاهدين. حينما كان يأتي هؤلاء إلى المدن الكبرى – خاصة المدن الكبرى – كانوا يشعرون بالوحشة، وكان هذا بسبب تلك الظاهرة. كان هناك أحداث من هذا القبيل في الستينيات (الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي)، عقد أول الثورة، ولا عجب في هذا. واليوم أيضاً يوجد طبعاً من ليسوا ملتزمين لا بالثورة ولا بالإسلام ولا حتى الالتزام الإيراني. نعم، لكن الشعب الإيراني ليس هؤلاء. حتى في عصر الرسول الأكرم (ص) نفسه كان هناك عدّةٌ عاشقون للشهادة، وتوّاقون للجهاد، وإن لم تتوافر لديهم إمكانيّة الذهاب إلى الجبهة، فكانوا يبكون، وكذلك في المدينة عدّة هم {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} (التوبة، 101). يقول عنهم القرآن: {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}، أو في موضع آخر: {لَئِن لَمْ ينْتَهِ المُنافِقونَ وَالَّذينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَالمُرْجِفونَ فِي المَدينَة} (الأحزاب، 60)؛ كان هناك أشخاص في مدينة النبي (ص) نفسها يُعبّر عنهم القرآن بـ«المُرجِفون». يبثون الشائعات والذعر والشك والشبهات في زمن النبي (ص)! هذا في حين أنه لم يكن في زمن النبي (ص) لا الإنترنت ولا مواقع التواصل الاجتماعي ولا هذه التلفزيونات كلها. اليوم، ومع وجود هذه الأجهزة كلها، انظروا ولاحظوا أي عظمة يُبديها الشاب الإيراني من نفسه!

لدينا اليوم في أنحاء البلاد كافة آلاف النّوى المقاومة للتعبئة في المساجد والهيئات، وينبعث من نُوى المقاومة هذه شباب باسم مدافعي العتبات المقدّسة، وباسم مدافعي الأمن، وباسم التعبئة الطلابية.

هذه النقطة الباعثة الأملَ، وهي أنكم في هذا المسعى الشامل للعدو ترون أنه في مثل هذه الظروف، حيث يجرّد العدو السيفَ من غُمده، يسمع الطالب الثوري في الجامعة الفلانية شتيمة في العِرض ولا يخرج من الميدان، ويستشهد طالب العلم التعبوي تحت التعذيب وهو غير مستعد أن ينطق بالكلمة التي يريد العدو أن يُجريها على لسانه. المجاهدون الفدائيون، ومدافعو العتبات المقدّسة، وناشطو «جهاد التبيين» الكادحون، ومجموعات المساعدات الإيمانية، والمعسكرات الجهادية، هؤلاء كلهم هم شباب هذا البلد. إنّ شبابنا يتحرّكون في هذا المسار رغم وجود الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ومواضع الانزلاق هذه كلها. أحياناً تلاحظون أنّ شخصيّة نورانيّة ومنوّرة تنهض من إحدى القرى، وينشأ من قرية في أطراف شهريار شابّ مضحٍّ ونوراني مثل مصطفى صدرزاده. لدينا كثيرون من أمثال مصطفى صدرزاده في أنحاء البلاد. لدينا الآلاف، وهؤلاء جميعاً يبثّون الأمل. كلنا لدينا مسؤولية: النُّخب لديها مسؤوليّة، والنُوى الثوريّة، والناشطون السياسيّون، والناشطون الحوزويّون، وذوو المكانات الاجتماعيّة، خاصة من يصل كلامهم إلى آذان الناس ويسمع الناس كلامهم، هؤلاء لديهم مسؤولية، والمسؤولية هي أن يُعززوا الإيمان والأمل، وأن يُزيلوا الشبهات، ويُحبطوا أساليب العدو في خلق الشُّبهات وزرع اليأس.

لأقل لكم: إن من هذه الأساليب جعل الشباب متشائمين تجاه مسؤولي البلاد وحركة البلاد والحركة السياسية والاقتصادية لها، وجعل الأشخاص متشائمين تجاه بعضهم بعضاً. هذه من أساليب العدو، فتصدوا لها. كذلك من أساليب العدو خلق التشاؤم تجاه الانتخابات، وإن كنت حيّاً، فسيكون لي لاحقاً – إن شاء الله – كلام حول انتخابات نهاية العام. فلأقل هنا بهذا المقدار: إن هذه الانتخابات انتخابات مهمة جدّاً، وقد جهَّز العدو منذ الآن مدفعيّته مستهدفاً إيّاها، وهو منهمكٌ بالقصف [الإعلامي] الانتخابي. هذا ولا نزال على بُعد تسعة أشهر من الانتخابات. إن شاء الله، يجب أن يعزّز الشعب الإيراني والشباب العزيزون هذه الصحوة واليقظة والحافز، وهذا الإيمان والأمل يوماً فيوماً، ويُحبطوا العدو.

اللهم، بمحمد وآل محمد، أَفِض رحمتك وبركتك وهدايتك ونصرك الكامل على هذا الشعب. اللهم، احشر الروح المُطَهَّرة للإمام العظيم مع الرسول (ص). اللهم، اجعلنا من جنود إمام الزمان. اللهم، أَرْضِ عنّا القلب المقدّس لذاك العظيم، واجعل دعاء إمام الزمان (عج) يشملنا ويشمل شبابنا خاصة. اللهم، بمحمد وآل محمد، أَزِلْ مشكلات البلاد بعزم المسؤولين وإرادتهم وهمّتهم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] في بداية هذه المراسم، ألقى كلمة متولي العتبة المقدسة للإمام الراحل (قده)، حجة الإسلام السيد حسن الخميني.

[2] صحيفة النور، ج. 21، ص. 330، رسالة إلى الشيخ منتظري، 26/3/1989.

[3] صحيفة النور، ج. 1، ص. 3، 5/5/1944.

[4] صحيفة النور، ج. 9، ص. 81، كلمته في لقاء مع طلاب جامعات أوروبا وأمريكا، 21/7/1979.

[5] Quantum.

[6] في إشارة إلى حادثة مقهى «ميكونوس» في ألمانيا وصدور لائحة اتّهام بحقّ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ أكبر هاشمي الرفسنجاني (رئيس الجمهوريّة آنذاك).

[7] ساعدت الحكومة الإيرانيّة آنذاك، بعد حادثة 11 أيلول/سبتمبر، تحالف «محاربة الإرهاب» من أجل التصدّي لجماعة «القاعدة» الإرهابيّة في أفغانستان. لكنّ الرئيس الأمريكي (بوش الابن) أطلق بعد انتفاعه من هذه القضيّة والهجوم على أفغانستان في شباط/فبراير من العام التالي اسم «محور الشرّ» على إيران وهدّد بشنّ هجوم عسكري.

[8] مصطلح فارسي يُطلق على البلطجية والسفلة الرعاع.

[9] هتافات الحاضرين.