ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيان مقام الشهادة وبركاتها على الإنسان، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: “للشهيد سبع خصال من الله: أوّل قطرةٍ من دمه مغفور له كلّ ذنب، والثانية يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين، وتمسحان الغبار عن وجهه، وتقولان: مرحباً بك ويقول هو مثل ذلك لهما، والثالثة يُكسى من كسوة الجنّة، والرابعة تبتدرهُ خَزَنَةُ الجنّة بكلّ ريح طيّبة أيّهم يأخذه معه، والخامسة أن يرى منزله، والسادسة يُقال لروحه: اسرح في الجنّة حيث شئت…”[1].
وهكذا، نجد أنّ الشهادة نور إلهي يُرافق الشهيد في كلّ مراحل مسيرته الإنسانية، في الحياة وبعد الموت وفي الآخرة، وللشهداء مقامات عديدة، ومنها:
أولاً: مقام الشهداء في الدنيا:
إنّ الحياة تذخر بأخبارٍ عن الشهيد الذي يقتحم القلوب ويأسرها بما يُقْدِم عليه من فعل يتّصف بالبطولة والشجاعة، لينال بذلك العزّ العظيم والاستثنائي في الدنيا، حيث لا عمل يسمو على عمله.
فالشهداء هم الأحياء في الدنيا، حيث يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَحسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَموَٰتَا بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ﴾[2].
كما أنّ ما قدّموه بشهادتهم خير ليس فوقه خير، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “فوق كل ذي برّ برّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ”[3].
وتعليقاً على هذا الحديث يشير الإمام القائد الخامنئي قدس سره إلى مفهوم الشهادة الواعية، حيث يقول: “… وفي رواية: “فوق كلّ ذي برّ برّ حتى يُقتل المرء في سبيل اللَّه فليس فوقه برّ”، يعني أنّ فوق كلّ حسنة تفترضونها يوجد حسنة أعلى منها، أمّا عندما يستشهد الإنسان في سبيل اللَّه فليس هناك عمل أفضل منه…”[4].
ثانياً: مقام الشهداء يوم القيامة
1. الدخول إلى عَرَصَةِ[5] القيامة بمراسم البهاء:
نظراً لرفعة مقامهم، حينما يرد الشهداء إلى المحشَر، يُبدي الجميع الاحترام لهم، بما في ذلك الأنبياء عليهم السلام.
فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: “فوالذي نفسي بيده لو كان الأنبياء عليهم السلام على طريقهم لترجَّلوا لهم ممّا يرونَ من بهائهم…”[6].
2. الشفاعة:
يُعدُّ الشهداءُ من الأشخاص الذين يؤذن لهم بالشفاعة يوم القيامة، وتكون شفاعتهم مقبولة عند الله تعالى. فمّما جاء في جزء من الحديث السابق [فوالذي نفسي…]، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “ويشفعُ الرجلُ منهم في سبعين ألفاً من أهل بيته وجيرته، حتى أنَّ الجارينِ يختصمان أيّهما أقرب”[7].
ثالثاً: مقام الشهداء في الجنّة:
من كرامات الشهداء في الجنّة مرافقة الأنبياء عليهم السلام والصدّيقين والصالحين، ففي إطار ذكر من قد أنعم الله عليهم، يشير القرآن المجيد إلى الشهداء ومرافقتهم للأنبياء عليهم السلام، حيث يقول تعالى: ﴿فَأُوْلَٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَٰئِكَ رَفِيقا﴾[8].
سبيل النجاة، مركز المعارف للتأليف والتحقيق
[1] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج6، ص121، باب فضل الجهاد وفروضه، ح3.
[2] سورة آل عمران، الآية 169.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص348، باب العقوق، ح4.
[4] لجنة التأليف في مركز المعارف للتأليف والتحقيق، الشهيد والشهادة، مقتطفات من كلمات الإمام القائد الخامنئي قدس سره، نشر دار المعارف الإسلامية الثقافية، 2008م – 1429هـ، ط2، ص17.
[5] العرصة الأرض المرتفعة، وهي أرض بمعنى أرض القيامة.
[6] الطبرسي، الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، تفسير مجمع البيان، تحقيق لجنة من المتخصصين، مؤسسة الأعلمي، لبنان – بيروت، 1995م، ط1، ج2، ص445.
[7] الشيخ الطبرسي، تفسير مجمع البيان، ج2، ص445.
[8] سورة النساء، الآية69.