Search
Close this search box.

كيف تُسقط عبادة الذّات الإنسان؟

كيف تُسقط عبادة الذّات الإنسان؟

إنّ منبع ضروب السقوط كافّة هي “عبادة الذّات”، فلو تفحّصنا الإنسان في أيّ مرتبة من مراتب الشرك والكفر، سواء أكان خفيًّا أم جليًّا، سنجده مبتليًا بعبادة الذّات بالدرجة نفسها ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾[1]. وإذا ما أردنا أن نتّخذ ملاكًا يميّز لنا ما إذا كان أيٌّ من أفعالنا يسير على منحنى خطّ الرقيّ والتكامل أو على منحنى خطّ الانحدار والهبوط، فيجب أن نرى هل أنّنا نقوم بهذا الفعل لأنّ الله هو الذي أراده حقًّا، أم أنّنا نريده لأجلنا؟ ففي بعض مراتب الشرك الخفيّ ربّما تكون عبادة الذّات من الخفاء بحيث تنطلي علينا أيضًا.

على أيّ حال، لا ينبغي الغفلة عن تسويلات النفس، ومن تسويلات النفس أنّها ربّما تلج المنطق والاستدلال دفاعًا عن عبوديّة الذّات، وتحاول إقناع الإنسان بأنّ العمل الذي يقوم به هو عين العقل والمنطق، على غرار ما قام به إبليس لتبرير عبوديّته لذاته، فلغرض أن يتمرّد على خطّ العبوديّة ويسلك طريق الأنانية، انبرى مجادلًا اللهَ علميًّا – حسب زعمه – وجاء بدليل منطقيّ يُخطّئ سجوده لآدم! فقال مدّعيًا الأفضليّةَ بكلّ جرأة وصلافة، ونزعةُ الأنا والاستعلاء تفوح منه بشكل بغيض، ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾[2]، فكان عاقبته أنْ طُرد وأُبلِس من رحمة الله، وأصبح من الملعونين، ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾[3].

الأثر السلبيّ لعبوديّة الذات
إذا ما وضع امرؤ نفسه موضع الله، واستبدل إرادته بإرادة الله، وأصبح تابعًا لهواه، فإنّ الله يضلّه على علم.

وبطبيعة الحال، إنّ الله لا يناصب أحدًا العداء، والمراد أنّ الله جعل الضلالة نتيجة طبيعيّة لاتّباع الهوى كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[4]، فلقد أنذر اللهُ والأنبياءُ الإنسانَ بما فيه الكفاية، وحذّروه من الطغيان والعصيان، ونبّهوه إلى أنّه إن لم يلتزم الحيطة في خضمّ هذه التقلّبات، وسار عجولًا، فسيفلت زمام نفسه من يديه، ويلقي به حصان النفس الجموح على الأرض فيحطّم رأسه، فمن لم يكترث لهذه التحذيرات، وأسرع مبادرًا دون مواربة في خِضمّ معاندة الله والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن، والعصيان ضدّ الله سبحانه وتعالى، فستحيق به العواقب الطبيعيّة لذلك، ويصل إلى مرحلة يسلك معها طريق الإنكار بالرغم من العلم، ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾[5].

إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، نبيّ رأفة ورحمة، وهو حريص على هدايتنا، ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[6]. ولكن لا جدوى من النبيّ ما لم يشأ الإنسان نفسُه، لأنّ هداية الإنسان اختياريّة. وإنّ الله يخاطب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن بأن يدع أمثال هؤلاء وشأنهم، ﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾[7].

فهؤلاء، ونتيجة لاتّباعهم أهواءهم وعبوديّتهم لذواتهم، قد أوصدوا أمامهم جميع السبل، وجعلوا على أبصارهم وأسماعهم غشاوة لئلّا يَروا الحقيقة أو يسمعوها، وسواء بالنسبة إليهم أحذّرهم الله ورسوله أم لم يحذّرهم: ﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ * وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾[8].

ما الذي يُمكن توقُّعه ممّن وصل به الأمر أن يقول بكلّ صراحة: إنّني أتقبّل وأرتضي كلام “الزعيم السياسي الفلاني” أكثر من كلام الإمام السجّاد عليه السلام! وكيف يهدي الله مثل هذا الإنسان؟ وأيّ أثر لإنذار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيه؟ فإنذار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إنّما يؤثّر في من يضمر في قلبه الخشية من الله سبحانه وتعالى، وليس مَنْ لا يأبى التمرّد على الله، ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ﴾[9].

وخلاصة القول: إنّ ذروة رقيّ الإنسان وتكامله هو القرب من الله، وليس لذلك سوى طريق واحد لا أكثر، هو عبوديّة الله، والنقطة المعاكسة له هي السقوطُ، حيث ينحدر إلى أسفل السافلين، وله طريق واحدة أيضًا هي عبوديّة الذّات.

التربية الإيمانية، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة الفرقان، الآية 43.
[2] سورة ص، الآية 76.
[3] سورة الحجر، الآية 34.
[4] سورة يونس، الآية 44.
[5] سورة الجاثية، الآية 23.
[6] سورة التوبة، الآية 128.
[7] سورة النجم، الآية 29.
[8] سورة يس، الآيتان 9 – 10.
[9] سورة فاطر، الآية 18.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل