بقلم: الشيخ لؤي المنصوري
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَكونوا كَالَّذينَ كَفَروا وَقالوا لِإِخوانِهِم إِذا ضَرَبوا فِي الأَرضِ أَو كانوا غُزًّى لَو كانوا عِندَنا ما ماتوا وَما قُتِلوا لِيَجعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسرَةً في قُلوبِهِم وَاللَّهُ يُحيي وَيُميتُ وَاللَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ﴾ [آل عمران: ١٥٦].
الآية الكريمة أثارت نقاط عدة:
- وجود المرجفين والمتخاذلين، وسعيهم نحو بث الدعاية النفسية من أجل تثبيط العزائم وكسر الهمم وثنيها عن الهدف والمقصد، وأن ديدنهم التشكيك والتخويف، وتهويل العدو وصبغه بالقوة والقدرة الخارقة بحيث يعجز المؤمنون عن مواجهته ومنازلته.
- يعمدون الى بث الوسوسة ونشرها وعدم قصر رؤيتهم على أنفسهم، فهم مرضى يشيعون الأمر بين المؤمنين وكأنه حقيقة، واظهار أنفسهم أهل نصح وشفقة ورأفة.
- تصور هؤلاء عن طبيعة الحياة وجود في الدنيا ويعقبه الموت، وليس وراء ذلك هدف أو غاية تستتبع تحمل المسؤولية وما فيها من صعاب ومآسي، في حين بين الله تعالى أن الطريق ليس معبدا، وإنما تكتنفه متاعب جمة (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) الانفال:8، فهو مواجهة وتحد تكتنفه الآلام والتضحيات.
- اطلق عليهم القرآن الكريم لفظ الكفر ووصفهم بأنهم إخوان المؤمنين، وهو تعبير عن عظم الجريرة والذنب الذي صدر عن هؤلاء المرجفين؛ لأنهم يتموضوعون في طريق حركة أصحاب الاهداف السامية، وينحازون الى جهة الاستبداد بإشاعة التهويل والاحباط النفسي الذي يشيعونه بين إخوانهم أهل العزائم والهمم.
- وفي آيات أخرى من سورة آل وصفهم الله تعالى بأهل النفاق فقال: ﴿وَلِيَعلَمَ الَّذينَ نافَقوا وَقيلَ لَهُم تَعالَوا قاتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ أَوِ ادفَعوا قالوا لَو نَعلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعناكُم هُم لِلكُفرِ يَومَئِذٍ أَقرَبُ مِنهُم لِلإيمانِ يَقولونَ بِأَفواهِهِم ما لَيسَ في قُلوبِهِم وَاللَّهُ أَعلَمُ بِما يَكتُمونَالَّذينَ قالوا لِإِخوانِهِم وَقَعَدوا لَو أَطاعونا ما قُتِلوا قُل فَادرَءوا عَن أَنفُسِكُمُ المَوتَ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾ [آل عمران: ١٦٧-١٦٨] فيوهمون الآخرين أنهم حريصون ومشفقون، والحال أنهم يشككون بالله تعالى ورسوله وما وعد به المؤمنين.
- هؤلاء ليسوا أهل صدق مع أنفسهم فضلا عن أن يصدقوا مع الآخرين، ويعيشون حالة الازدواجية والانفصام في الشخصية، فما تبيته أنفسهم يختلف عما تقوله السنتهم، ويعيشون حالة الضياع وعدم الثبات على رؤية وهدف مشخص في الحياة، وعبر عنهم الله تعالى في موضع آخر بأنهم مرضى القلوب.
- إن المؤمنين بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يحملون رسالة إنسانية ربانية، وتحمل هدفا وغاية سامية، وهي تأصيل الهوية الانسانية من خلال حفظ الكرامة والعزة وتحقيق العدالة والمساواة، ومجابهة المستبدين الطغاة الذين يستعبدون الانسانية ويجهدون في تعبيد الغير وتحويلهم الى اداة تلبي لهم الحاجة الشخصية ونزواتهم وشهواتهم النفسية.
- تحذر الآية من الاستماع لهؤلاء المرجفين والتأثر بما يقولونه والتشكيك بما وعد الله تعالى ورسوله المؤمنين من النصر الالهي والمدد الرباني، ووعدهم بإحدى الحسنيين، وإن الكرامة أساس الحياة والتخلي عنها هو الموت الحقيقي، وأن هؤلاء ليس لهم هدف سوى العيش في الدنيا بأي نحو وكيفية، ولا يفرقون بين العزة والاباء والذلة والتبعية للطغاة المستبدين.