Search
Close this search box.

أزمـة المـثـقّـف

بقلم: الشيخ لؤي المنصوري

•  المثقف الذي يحيط بما يدور حوله ويتفاعل ويفعل بايجابيه في محيطه والمجتمع الذي يعيش فيه ويكون مؤثرا، فهو الشخص القادر على تشخيص الواقع وفهم مجرى الاحداث، واعطاء الحلول الناجعة والاجابة عن الاسئلة الملحة، ومواجهة التحديات والحيلولة دون الانسياق وراء الأوهام والاشاعات. وهو الضامن المؤتمن على حفظ هوية الأمة.

• المثقف هو من يمتلك روحا حرة غير خاضعة لسلطة سياسية واملاءات السلطة، ولا يمارس عمله وفق الطلب وإنما يعمل طبق ما تمليه عليه مسؤوليته وموقعه، فهو الرجل الذي يتحلى بروح مستقلة، ومحبة للإستكشاف والتحري، وذات نزعة نقدية تهتم بالفكر وتنيشط العمل الثقافي التوعوي.

• مارس المثقف عمله خلال عقود مديدة، واخذ على عاتقه القيام بالنقد والاعتراض والتنوير ودفع الأمة نحو التقدم وعدم السكون والوقوف تحت سقف محدد، وعمد الى رفع المستوى الفكري والمعرفي، ومواجهة التحديات وعبور الصعاب، فرسالته سامية والمهمة المنوطة به جليلة.

تعرض المثقف طيلة عمله الى عدة تحديات وعلى رأسها السلطة السياسية العاتية التي حاولت ثنيه عن أداء وظيفته من خلال الاغراء المادي او تشويه الصورة وتوجيه الإتهامات الزائفة أو صناعة إمّعات مضاهية لتحل بديلا عنه، وواجه كذلك جزءا من الجمهور الذي يتأثر سريعا وينساق خلف الإدّعاءات السلطوية او وعاظ السلاطين، الاّ أنه بقي محافظا على رسالته واستقلاليته وجهوده في معارضة الجهل والتنويم الفرعوني.

• اعتمد المثقف في طيلة سيره وسيرته على جهوده الشخصية الفردية في بناء ذاته وتجذير وعيها والبحث الحثيث والدؤوب في نتاج مقاربة معرفية قادرة على حفظ رصيد الأمّة من الموروث القيمي والعادات والتقاليد المكتنفة للهوية، والانساق الخاصة، ولم يعتمد على الغير في ترسيخ قناعته وبناء كيانه المعرفي، فهو يقارب وفق قناعة ذاتية بعيدة عن التلقي والاملاء.

خفتت رسالة المثقف في الازمنة المتأخرة ونتج عنها جمود وخمول وعي الأمة، وتقهقر الرسالة التوعوية التي كانت مناطة به،  وتسنّم مقامه إمّعات مصطنعة خاوية الوفاض لا تمتلك الأدوات والمؤهلات المطلوبة، وعمدت عن قلة وعي الى تسطيح الثقافة وتشويه ومسخ الهوية، واستنساخ نتاج الغير واسقاطه من دون مراعاة البيئة المنتجة والمؤثرات الخاصة، فهي نتاج واقع مغاير تتلاءم مع منبعها وظروف نتاجها.

• انعكس انكفاء المثقف الواعي بشكل كبير على الأمة وحركة سيرها، وتملكها اليأس وروح الانهزام، حيث فقدت فارس الميدان الذي يصول بقوة الوعي ويحمي كيانها من الضياع، فأصبحت أمّة مهلهلة بين سطوة السياسة وسوط الحاكم وبين المتزعّمين الذين لا يمتلكون أدواة الوعي بقدر ما يحتاج اليه هؤلاء من فهم أنفسهم وأن ليس ميدانها ولا موضع استعراض الترّهات التي تنتجها.

• واثر الانكفاء الحاصل توقفت عجلة التفكير وحركة العقل وحل محله اجترار مقولات ماضوية نتاج مرحلة معينة غير قادرة على مواكبة العصر وإعطاء حلول ناجعة وبلورة فكر يتواءم والمعاصرة، وانتاج معرفة قائمة على البنية المجتمعية تساير الموروثات القيمية وتناهض المستورد الغريب عن جسد ثقافة الأمة.

على المؤسسات الفكرية والثقافية والدينية بعث الروح وإعادة المثقف الى موضعه، وتهيئة الظروف المساعدة على إيجاد أرضية حاضنة، وتمكينه من الأدوات اللاّزم وأسّها، والمدافع عن كيان الأمة وهويتها الثقافية والفكرية أمام الثقافة المستوردة.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل