Search
Close this search box.

الخداع اللغوي الإعلامي في الحروب

الخداع اللغوي الإعلامي في الحروب

إن اللغة المستخدمة في الإعلام ليست لغة محايدة تنتج على لسان الساسة والإعلاميين، بل هي لغة موجهة بدقة للدلالة على المكنون الفكري التأثيري في المتلقي، ولعل القارئ للنظريات اللغوية الحجاجية الحديثة التي تجعل من اللغة أداة حجاج وتأثير في الأصل، يوقن أن أي لفظ أو مصطلح أو تركيب أو صورة بلاغية يكون لها غاية حجاجية إقناعية في المتلقي، وكي لا نطيل في التنظير، ننتقل إلى أمثلة من اللغة الإعلامية واستخدامها للخداع اللغوي، فعلى سبيل المثال نشرت قناة BBC News (World) على حسابها في منصة (X) المنشور التالي:


وقد آثرت التقاط صورة توثيقًا للاستشهاد، فقد استخدمت القناة لفظ (died) مع (Gaza) ولفظ (killed) مع (Israel)، هل من الصدفة أن تستخدم القناة لفظ (ماتوا) للتعبير عن شهداء غزة، ولفظ (قُتلوا) مع قتلى الكيان الصهيوني؟ بالطبع لا، فالكلمة لها إيحاؤها التأثيري في المتلقي، فلفظ (ماتوا) ذو دلالة تأثيرية أقل حدة من القتل، فالموت قد يكون موتًا طبيعيًّا أو مرضًا أو لأسباب أخرى، ولا يتأتى إلى الذهن صورة الدم المرافقة للفظ القتل الملازم للدم والعنف في الذهن.

وفي لقاء متلفز على الجزيرة مباشر، تسأل المذيعة مستشار الأمن القومي الأسبق للبيت الأبيض جون بولتون عن القتلى المدنيين في غرة ودور أمريكا الداعم لهذا القتل، فيقول “نحن نحاول تقليل الآثار الجانبية للحرب”، فأصبح قتل المدنيين آثارًا جانبية للحرب، وهذا اللفظ يخفف على المتلقي الأثر الذهني لقتل المدنيين إلى لفظ آثار جانبية، ولا أدل على ما قلنا من كتاب “اكذب عليّ: البروباغاندا والتشويه الإعلامي في الحرب على العراق” للكاتب ديفيد ميلر، ودور الإعلام الغربي في التمهيد لحرب العراق.

وفي إحدى النشرات الإخبارية، سمعت المذيع يقول “وبتفتيش بيت هذا الإرهابي تم العثور على أوراق بنكنوت وعملات معدنية وأرقام السفارات العربية والأجنبية وخريطة للوطن العربي”، فاقشعر بدني من هول ما عثروا عليه، لكن بالتدقيق وجدت أنه لا يخلو بيت تقريبًا من هذه المضبوطات، لكن الصيغة التي قيلت بها تُوهم المستمع بهول المصيبة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يوجد إعلام محايد لفظيًّا؟ من وجهة نظري: بالطبع لا. ويمكنك معرفة التوجه الإعلامي للقناة أو الصحيفة بمجرد استخدامها ألفاظًا معيَّنة في قضية ما، وإليك بعض الأمثلة التي يمكنك بها اختبار الصحف والقنوات التي تشاهدها تجاه قضية فلسطين، مثلًا:

إذا استخدمت تلك القناة أو الصحيفة ألفاظًا مثل “المقاومة/ الكيان الصهيوني/ جيش الاحتلال/ الأراضي المحتلة/ أسرى الاحتلال/ الشهداء” فستعرف إلى من تنحاز، أما إذا استخدمت ألفاظًا مثل “جيش الدفاع الإسرائيلي/ الحركات الإرهابية/ الرهائن الإسرائيليون” فستعرف كذلك إلى من تنحاز.

إن فكرة الحياد الإعلامي ضربٌ من الخيال، فالصحفي لا يستطيع أن ينسلخ من فكره أو عقيدته أو أيديولوجيته قبل اختيار ألفاظه وجمله وتعبيراته.

لعل القارئ بعد هذا المقال يستطيع تصنيف القنوات والصحف التي يشاهدها أو يقرؤها، من خلال التحليل اللفظي البسيط لمحتوى القناة أو الصحيفة.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل