Search
Close this search box.

كيف تمنعك الغفلة من الرجوع إلى الله؟

كيف تمنعك الغفلة من الرجوع إلى الله؟

 يُشير سماحة الإمام الخامنئي دام ظله في حديثه عن موانع الاستغفار إلى مسألة الغفلة، ويعتبرها من أهمِّ موانع الاستغفار، موجِّهاً خطاباً شاملاً لكلِّ المكلّفين، محذِّراً إيّاهم من الوقوع في فخِّ الغفلة، يقول سماحته دام ظله:

“إذا أردنا أنْ نحصل على الاستغفار وعلى هذه النعمة الإلهيّة، علينا أنْ نبتعد عن خصلتين: الغفلة والغرور. فالغفلة هي أنْ لا يلتفت الإنسان كليّاً إلى أنّه يُذنب، كبعض الناس، لا أقول الكثير منهم، لا أُركِّز هنا على قلّتهم وكثرتهم، فقد يكونون قلائل في بعض المجتمعات، على أيِّ حال هذا النوع من الناس موجود في الدنيا بين الناس، هم غافلون ويرتكبون الذنوب دون أنْ يلتفتوا إلى أنّهم يرتكبون مخالفة، تراه يكذب ويتآمر ويغتاب ويُلحق الضرر ويعمل شرّاً ويُدمِّر ويقتل ويسحق مختلف الناس الأبرياء، وعلى صعيدٍ أكبر وأوسع يجعل الشعوب تعيش الهلع، يُضلّ الناس، كلّ ذلك ولا يحسّ بأنّه يرتكب مخالفة. وإذا قال له أحدٌ: إنّك ترتكب ذنباً، فقد يقهقه ويسخر ويقول: ذنب؟ أيّ ذنب؟

بعض أولئك الغافلين لا يعتقدون أساساً بالثواب والعقاب، وبعضهم يعتقد بالثواب لكنّه غارق في الغفلة لا يلتفت إلى ما يفعل مطلقاً. إذا دقّقنا في ذلك في حياتنا اليوميّة سنجد أنّ بعض حالات حياتنا شبيهة بحالات الغافلين. فالغفلة شيءٌ عجيب جدّاً وخطرٌ كبير. لعلّ الإنسان لا يواجه خطراً أكبر ولا عدوّاً أشدّ من الغفلة. هذا هو حال بعض الناس.

فالإنسان الغافل لا يُفكِّر بالاستغفار أبداً، بل لا ينتبه إلى أنّه يُذنب رغم أنّه غارق في الذنوب، لكنّه في سكر ونوم حقيقةً كالإنسان الّذي يتحرّك خلال نومه. لذلك فإنّ أهل السلوك الأخلاقيّ عندما يُبيّنون منازل السالكين في مسلك الأخلاق وتهذيب النفس، يُطلقون على المنزل الّذي يُريد الإنسان فيه أنْ يخرج من الغفلة يُسمّونه منزل اليقظة.

وفي المصطلحات القرآنيّة، فإنّ النقطة المقابلة لهذه الغفلة هي التقوى، والتقوى تعني اليقظة والرقابة الدائمة للنفس. فإذا غفل الإنسان ارتكَبَ عشرات الذنوب، ولا يحسّ مطلقاً بأنّه مذنب. والإنسان المتّقي في النقطة المقابلة، فإذا بدر منه أيّ ذنب طفيف يتذكّر فوراً أنّه قد أذنب، ويسعى إلى جبران ذلك “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا”([1]). فبمجرد أنْ يمرّ الشيطان من جنبهم ويلفحهم ريحه، يُدركون فوراً أنّ الشيطان قد أصابهم وأنّهم قد أخطأوا وغفلوا، لذلك “تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ”([2]).

أعزّائي، أيُّها الإخوة والأخوات، كائناً من تكون، التفتْ، فهذا الكلام ليس موجّهاً لجمع من الناس لأقول: على قليلي الإطلاع أو الأمّيين أو الشبّان أو الصغار أنْ يلتفتوا، كلّا على الجميع أنْ يلتفتوا، من علماء ومفكِّرين وكبار وصغار ومتموّلين وفقراء، على الجميع أنْ يلتفتوا إلى أنّ أدنى غفلة تلمّ بهم قد توصلهم لارتكاب الذنوب دون أنْ يلتفتوا إلى أنّهم يُذنبون، فذلك أمرٌ عظيم جدّاً.

فالذنب الّذي نرتكبه أنا وأنتم ولا نلتفت له، ولأنّنا لم نلتفت إلى أنّنا قد أذنبنا فلن نتوب من ذلك الذنب ونستغفر منه، ثُمّ في يوم القيامة تنفتح أعيننا، عندها نتعجّب من وجود أشياء في صحيفة أعمالنا. يتعجّب الإنسان ويتساءل: متى قمت بتلك الأعمال؟ ولا يتذّكر أبداً، ذلك هو ذنب الغفلة وإشكاله. إذاً، فالغفلة هي أحد موانع الاستغفار”([3]).

توجيهات أخلاقية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) سورة الأعراف، الآية: 201.
([2]) سورة الأعراف، الآية: 20
([3]) أخلاق ومعنويت (فارسي)، ص172.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل