هنري لورنس (Henry Laurens) مؤرخ فرنسي، متخصص في الشرق الأوسط. وله العديد من الدراسات التاريخية والدراسات حول العالم العربي والإسلامي. وهو أستاذ ورئيس تاريخ العالم العربي المعاصر في كوليج دو فرانس في باريس.
في هذا الحوار يشرح للقارئ الغربي آثار الحرب الجديدة بين إسرائيل وحماس في العالم العربي، ويفك شيفرة منظومة التفكير الغربية تجاه الفلسطينيين.. وتحيز الموقف الغربي الذي يشعر به العربي المسلم.
□ ماذا يكشف حجم التصعيد الأخير بين إسرائيل وفلسطين؟
■ هذا اعتراف آخر بفشل المشروع الصهيوني، بقدر ما تأسست دولة إسرائيل لضمان سلامة اليهود بعد مذابح الهولوكوست، منذ عام 1940، كانت إسرائيل تبني بمشروعها الإحلالي ضد العداء العربي على أنه استمرار لمشروع النازية الأوروبية، كما يتهم العرب الإسرائيليين بالنازيين في المقابل. حددت هذه المواقف الوجودية في الشرق الأوسط تاريخا عنيفا ومتكررا من الحروب. بادئ ذي بدء، نحن نعيد إحياء عام 1948، وهو العام نفسه الذي احتلت فيه إسرائيل هذه المنطقة التي وقعت فيه عملية «طوفان الاقصى» يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هذه المنطقة التي طرد فيها جميع السكان الفلسطينيين المحليين، قبل 75 عاما، إلى ما أصبح آنذاك قطاع غزة. هذا لا يبرر الفظائع بنظري بين الطرفين، لكن يجب أن ندرك أن أولئك الذين هاجموا هم من نسل المطرودين في عام 1948. إنه أيضا تأثير ارتدادات وتداعيات تهجير السكان والحروب منذ عام 1967. بدءا من حرب الأيام الستة، ازداد عدد القتلى في الصراع العربي الإسرائيلي بشكل مفاجئ ودائم، ما جعل التوصل إلى اتفاق سياسي أكثر احتمالا، بغض النظر عن طبيعة المقاومة الفلسطينية. بعد احتلال عام 1967، لم يكن المقاتلون في قطاع غزة إسلاميين. كان يقودها اليساريون الماركسيون اللينينيون. وكان القمع بالفعل قاسيا للغاية مع الكثير من الدمار، خاصة في عهد أرييل شارون. لم يأت الإسلاميون إلا بعد ذلك بكثير، في عام 1987، خلال الانتفاضة الأولى.
«كان الكثيرون يودون أن يسمعوا أن للفلسطينيين أيضا الحق في الدفاع عن أنفسهم، لكن بالنسبة للدول الغربية، هذا أمر لا يمكن تصوره». هنري لورنس
□ يمتد الصراع اليوم إلى ما هو أبعد من حدود فلسطين وإسرائيل، مع الخوف من النفي القسري، خاصة إلى سيناء المصرية. فما هو رأيك؟
■ بالإضافة إلى نزوح السكان في غزة، هناك حاليا الكثير من عمليات الترحيل إلى الضفة الغربية. اقترح الرئيس المصري السيسي بالفعل نقل مواطني غزة إلى النقب في إسرائيل، حتى نهاية الحرب. لطالما كان لمصر الموقف نفسه منذ عام 1948: حظر أي توطين للاجئين الفلسطينيين على أراضيها. هذا من غير المرجح أن يتغير. العرب يحبون فلسطين. لا يزال هناك الأردن، نصف سكانه من أصل فلسطيني. على عكس ما يقال، لا تسعى إلى محو للهوية الفلسطينية للمملكة، بل إلى إدارتها. دعونا لا ننسى أن الملكة رانيا من أصل فلسطيني.
□ هل يمكن للبنان أيضا أن يرحب باللاجئين؟
■ لقد ترك الفلسطينيون ذكريات سيئة للغاية في لبنان، لأن المسيحيين والشيعة يلومونهم على الحرب الأهلية التي استمرت من 1975 إلى 1990.
« كان الكثيرون يودون أن يسمعوا أن للفلسطينيين أيضا الحق في الدفاع عن أنفسهم، لكن بالنسبة للدول الغربية، هذا أمر لا يمكن تصوره ».
□ ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه إيران؛ بالنظر إلى دعمها المتزايد للقضية الفلسطينية؟
■ لا يوجد نص عقائدي يحدد خطا سياسيا يربط بين إيران وفلسطين. البعض يجعل إيران الزعيمة الأولى للإسلام الجهادي الدولي.. يجب أن نبقى جادين. في عام 2011، تدخلت إيران وحزب الله على نطاق واسع للدفاع عن سوريا بشار الأسد، في حين أن حماس، من جانبها، انحازت إلى الثوار. اقتربت حماس من إيران مرة أخرى في 2013 و2014، لأنها لا تزال تعرف نفسها على أنها حركة مقاومة إسلامية، تماما مثل حزب الله. إنه دعم حربي، لكنه لا يذهب لأبعد من ذلك. لذلك أرسلت إيران معدات عبر سيناء، ومن المؤكد أنها كانت قادرة على توفير التدريب والتدريب العسكري.
□ هل دعم تركيا بزعامة أردوغان أكثر إثارة للدهشة؟
■ لقد مرت عشر سنوات منذ أن أدرك أردوغان أن الصراخ ضد الإسرائيليين جعله يتمتع بشعبية في الشرق الأوسط، حتى إنه كان يحلم بأن يكون زعيما للحركات الثورية العربية في عام 2011. ورحب بالإخوان المسلمين بعد الإطاحة بهم من مصر وجزء من قيادة حماس. تصالح مع إسرائيل لفترة من الوقت: معظم السياح في تركيا هم من الروس والإسرائيليين، إذا كانت النغمة قد تشددت مرة أخرى، فذلك لأن الرأي العام التركي يعارض بشدة الدولة اليهودية وضرباتها على غزة. الرئيس أردوغان يتابع الرأي العام فقط في وقت الصعوبات الاقتصادية.
« نسمع أنه ينبغي لنا عدم استيراد هذا الصراع إلى ديمقراطيتنا الغربية، لكن تم ذلك في وقت مبكر من عام 1967 »
□ هل يمكن للصراع العربي الإسرائيلي أن يشكك في عملية التطبيع الإسرائيلية مع دول الخليج؟
■ إذا أخذنا اللاعبين الرئيسيين في هذا التطبيع، الإمارات العربية المتحدة والبحرين، يجب أن تكون العواقب السياسية محدودة. في الإمارات العربية المتحدة، لا يشكل الإماراتيون سوى جزء صغير من إجمالي السكان. والبحرين كذلك.. قطر، من جانبها، تملك قناة الجزيرة. بالنسبة للرأي العام ووسائل الإعلام، من قناة الجزيرة إلى اليسار، تم تصنيف إسرائيل كدولة معادية. على الجانب السعودي، التوحيد القياسي أكثر تعقيدا. وهذا ليس من عملية «طوفان الاقصى» يوم 7 أكتوبر. قبل هجمات حماس مباشرة، كان نايف السديري القنصل السعودي لدى السلطة الفلسطينية، قد أذن من قبل الإسرائيليين بمقابلة محمود عباس (أبو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية) في رام الله، التي شكلت أول وفد دبلوماسي إلى الضفة الغربية، منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993. أراد الذهاب إلى المسجد الأقصى في القدس للصلاة، لكنه قرر عدم ذلك لأنه خشي أن يستهدفه الفلسطينيون المعادون للتطبيع.
□ كيف يمكن أن نفسر صدى هذا الصراع في العالم، خصوصا في الغرب؟
■ هذه هي خصوصيتها، وقبل بضعة أسابيع، لم تثر الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل في «ناغورنو- كاراباخ» الأذاريين المسلحين سوى ردود فعل غاضبة قليلة ولم تثر أي مشاعر جماهيرية. لا يمكننا تخيل حاملة طائرات أمريكية في البحر الأسود للدفاع عن الأرمن. الصراع العربي الإسرائيلي عاطفي، إنها الأرض المقدسة، للديانات الثلاثة… نسمع أنه ينبغي عدم استيرادها إلى ديمقراطيتنا الغربية، لكن تم ذلك في وقت مبكر من عام 1967، بقدر ما شعر الرأي العام الفرنسي بالنصر الإسرائيلي في حرب الأيام الستة، على أنه انتقام للحرب الجزائرية. لقد أصبحت القضية الفلسطينية نضالا لليسار المناهض للاستعمار، الذي شن حملة ضد الحرب الجزائرية. أصبح هذا السبب أخيرا رمزا لشتات من أصل عربي: أظهرت الدراسات أن تحديد المواقع تجاه إسرائيل كان عنصرا قويا في بناء هوية المهاجرين العرب المسلمين في الدول الغربية.
□ وماذا عن البلدان التي تعيش فيها المجتمعات اليهودية أيضا؟
■ قد ولد هذا توترات بمرور الوقت، تفاقمت بسبب العنف المستوحى من الإسلاميين، ولاسيما الفظائع التي ارتكبها الفرنسي المسلم محمد مراح والموجهة مباشرة ضد اليهود. اليوم، نرى أيضا كيف أن الهجوم على الخطاب المؤيد للفلسطينيين، باسم مكافحة الإرهاب له صدى سياسي قوي، على وجه التحديد لأنه ينضم في الرأي إلى شكل من أشكال العداء تجاه السكان المسلمين بشكل عام. وهذا يزعج القادة السياسيين. داخل الجمهوريين، يعارض الكثيرون السياسة الإسرائيلية، لكنهم لا يستطيعون التعبير عنها حقا، لأنها ستجعل مواقفهم السياسية ضد الهجرة مسموعة بشكل أقل، على سبيل المثال. تذكر الدوائر الكاثوليكية المقربة من فرانسوا فيون الذي شن حملة ضد علي جوب، خلال الانتخابات التمهيدية لعام 2016، ما جعله يبدو وكأنه شخص راض عن الإسلام السياسي… من خلال الارتباط بالقضية الفلسطينية، تحتل فرنسا الأبية أخيرا مكانة لا يريدها أحد لبلده عالميا.
□ و ما هو مصير الحزب الذي يتهم بشكل متزايد بمعاداة السامية؟
■ أصبح اتهام معاداة السامية سلاحا سياسيا في العديد من المجتمعات الغربية. هكذا حصل المحافظون على جلد حزب العمال بزعامة جيريمي كوربين في بريطانيا العظمى، وهي دولة ذهبت إلى حد مناقشة الحظر المفروض على العلم الفلسطيني.
□ هل أثرت الهزات الارتدادية الداخلية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على دبلوماسية الدول الغربية؟
■ لقد مر 15 عاما منذ أن وضعنا القضية الفلسطينية تحت الطاولة. نحن نتصرف وفقا لقول هنري كويلي: «لا توجد مشكلة ينتهي حلها بعدم اتخاذ قرار فيها». في البيانات الصحافية الصادرة عن الحكومة الفرنسية في السنوات الأخيرة، نجد حل الدولتين، طيلة الأعوام السابقة يتكرر في المشهد المملّ نفسه، لكننا بشكل ملموس لم نفعل شيئا من أجله. أردنا السماح للفلسطينيين بالتعفن في صراع منخفض الحدة بتكرار هذه الصيغة المجوفة. في الواقع، لكي تكون هناك دولتان، سيكون من الضروري ممارسة ضغط قوي جدا على إسرائيل، ولا أحد مستعد للقيام بذلك، خاصة في الوقت الذي تريد فيه حاشية الرئيس ماكرون اتباع سياسة مصلحة لأن إسرائيل متقدمة في مجال الصناعات الإلكترونية، وفيها شركات عملاقة عالميا في هذا المجال.. ماذا إذن تبقى؟ الإنساني، هو علامة على هزيمة السياسية. هذه مساعدة مفيدة للغاية، لكن عندما لا تكون لديك حلول سياسية جادة لاقتراحها، فهذا كل ما تبقى.
□ هل في النهاية الغرب ككل الذي يخرج ضعيفا سياسيا ودبلوماسيا من هذه الأزمة؟
■ لم يغير اللحاق بالركب الإنساني أمام شناعة الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في غزة، شيئا إلى حقيقة أن الدول الغربية بدت متضامنة مع إسرائيل. يقولون إن إسرائيل تدافع عن نفسها، بالطبع، لكن الكثيرين كانوا يودون أن يسمعوا أن للفلسطينيين أيضا الحق في الدفاع عن أنفسهم. والدول الغربية لا تقول هذا لأنه لا يمكن تصوره في نظرها. وهذا لا يخلو من العواقب: يكفي أن نرى أن السفارة الفرنسية في تونس تحت حماية الشرطة. هناك مشاعر معادية للغرب تنتشر في جميع أنحاء العالم العربي الإسلامي وخارجه: في ماليزيا وإندونيسيا وباكستان، كل ذلك على خلفية الاستياء المرتبط بذكرى استعمار القرنين التاسع عشر والعشرين. والفائزون من هذه المواقف هم الصين وإيران وروسيا.
ترجمة بتصرف عن مجلة «الفلسفة الفرنسية»
المصدر: القدس العربي