مع بدء عملية الكيان الصهيوني البرية للدخول إلى قطاع غزة وبداية مرحلة جديدة من الحرب ضد أهالي غزة والمقاومة الفلسطينية، ناشدت سلطات الكيان أمريكا من أجل الاستفادة من تجاربها في مجال حرب المدن. ولذلك أرسل الأمريكيون عدداً من ضباطهم العسكريين إلى الأراضي المحتلة لمساعدة الصهاينة. ومن بين الضباط الأمريكيين الذين جرى إرسالهم إلى الأراضي المحتلة، يمكن رؤية اسم أحد المحاربين القدامى المشهورين.
إرسال جنرال «حرب المدن» إلى الأراضي المحتلة
أُرسل جيمس غلين، وهو جنرال من مشاة البحرية الأمريكية يحمل ثلاث نجوم (لفتنانت)، بصفته قائداً أمريكياً يتمتع بخبرة عالية في حرب المدن، إلى الأراضي المحتلة لمساعدة الكيان الصهيوني في الحرب ضد المقاومة الفلسطينية. وقال موقع «أكسيوس» الأمريكي إن غلين كان واحداً من مشاة البحرية والضباط العسكريين الذين أرسلتهم الإدارة الأمريكية إلى الكيان الصهيوني لتقديم المشورة حول العملية البرية في غزة.
تشمل مسيرته العملياتية كبرى معارك حرب المدن التي خاضها الجيش الأمريكي على مدار الأعوام العشرين الماضية. لقد قاتل غلين في العراق في الفلوجة (2004)، وفي الرمادي (2006-2007)، وأشرف على عمل قوات التحالف ضد تنظيم «داعش» في الموصل (2017) ثم في الرقة.(1)
في الحقيقة، دفع تخبط الحكومة الصهيونية وضعف موقفها بعد الحرب المفاجِئة التي شنتها «حماس» في السابع من أكتوبر أمريكا إلى إرسال خبراء عسكريين لمساعدتها على تخطي هذه الحرب، إذ لا تبدو كسابقاتها من الحروب التي خاضها كيان الاحتلال ضد الفلسطينيين.(2) في هذا السياق، قال منسق الاتصالات الإستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي إن «إسرائيل كانت ممتنة للدروس التي تعلمتها من أمريكا أثناء غزوها العراق وأفغانستان» في عدوانها المستمر على قطاع غزة.(3)
الدور البارز لـ«القيادة المركزية الأمريكية» في الحرب على غزة
زار قائد العمليات في «القيادة المركزية الأمريكية» (CENTCOM)، الجنرال مايكل إريك كوريلا الأراضي المحتلة في 17/10/2023، وذلك قبل يوم من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تل أبيب. وقال كوريلا إنه يأمل في ضمان حصول جيش الاحتلال على ما يحتاجه خلال خوضه حرباً تصاعدية ضد قطاع غزة.(4)
في المقابل، رأى جيش الكيان الصهيوني أن الزيارة خلال الحرب تؤكد قوة الارتباط والمصير المشترك بين الدولتين عامة، وبين جيش الكيان وجيش أمريكا خاصة.(5) كما دافع كوريلا عن دور واشنطن في تقديم المساعدات العسكرية إلى الصهاينة، مؤكداً أن الدعم العسكري ضد الجبهة المعارضة لـ«إسرائيل» له جانب رادع حتى لا يستغل أحد الوضع الحالي.(6)
من إرساء السفن الحربية في المنطقة إلى إرسال المعدات العسكرية إلى تل أبيب
كان إرسال حاملات الطائرات الأمريكية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط والخليج الفارسي خبراً آخر نُشر في الأيام الأولى لحرب كيان الاحتلال ضد أهالي غزة. في هذا الصدد، تشير الأخبار إلى إرساء حاملة الطائرات USS Gerald R. Fordالقادرة على حمل أكثر من 75 مقاتلة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وأيضاً نشر الحاملة USS Eisenhower في الخليج الفارسي، بتأكيد من البنتاغون.
وتعهد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن والرئيس بايدن مواصلةَ مساعدة واشنطن لتل أبيب خلال زيارات منفصلة إلى الأراضي المحتلة، كما طالب بايدن بإقرار مساعدات عسكرية للصهاينة بقيمة 14.3 مليار دولار.(7)
مساعدات أمريكا الاقتصاديّة والعسكريّة لإسرائيل منذ العام 1951 حتى العام 2023
إضافة إلى ما قيل أعلن الكيان الصهيوني في 19 تشرين الأول/أكتوبر تسلّم الشحنة الأولى من مركبات مدرعة مرسَلة إلى تل أبيب في جزء من حزمة المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن، وهذه المركبات ستحلّ محل المركبات المتضررة في الحرب. رداً على تسلم هذه الشحنة قالت وزارة الحرب في الكيان الصهيوني إن هذا جزء من الاتفاقات الكبيرة لزيادة مركبات الجيش من أجل الاستعداد للسيناريوات المختلفة للحرب.(8)
تجهيز تل أبيب بقنابل GBU الدقيقة
استمراراً لدعمها العسكري للكيان الصهيوني، زوّدت أمريكا تل أبيب بقنابل من سلسلة GBU خاصة GBU-31 عبر طائرات النقل التابعة لها، وهذه من بين القنابل الموجهة التي تصنعها شركة Boeing الأمريكية. وهذه القنابل من أكثر أنواع الذخيرة تدميراً المستخدمة لتدمير المناطق السكنية والبنية التحتية في غزة. تحتوي GBU-31 على متفجرات تزن أكثر من 400 كجم، وهي قادرة على إصابة أهدافها على مسافة تتراوح من 24 إلى 28 كيلومتراً.(9)
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة، إياد البزم، خلال مؤتمر، إن الصهاينة يستخدمون قنابل أمريكية لقصف المناطق السكنية، وهذه القنابل لديها قوة تدميرية عالية جداً، وفي الأصل مخصصة لتدمير التحصينات في المناطق الجبلية، لكن تل أبيب تستخدمها لتدمير المباني. ووفق البزم القنابل التي يستخدمها الصهاينة عامة في قطاع غزة أمريكية.(10)
استخدام قنابل خارقة للتحصينات
ثمة نوع آخر من القنابل التي يلقيها الصهاينة على الشعب الفلسطيني الأعزل خارقة للتحصينات (Bunker busters)، وهي معروفة بوزنها الكبير وقوتها التدميرية، ومصممة لتكون قوية للغاية لتدمير التحصينات. يصل وزن القنبلة الواحدة منها إلى أكثر من 250 كيلوغراماً، ولا يستخدمها الكيان الصهيوني ضد التحصينات القوية، بل ضد النساء والأطفال الفلسطينيين، علماً أنها مجهزة برؤوس حربية حرارية.(11)
تشير التقارير إلى أن أكبر ممارسات القتل والمجازر بحق الفلسطينيين في الحرب الجارية، مثل التي ارتُكبت عند قصف مستشفى المعمداني، جرت باستخدام القنابل الأمريكية. ويقال إن الصهاينة استخدموا قنبلة مدمرة من نوع JDAM لاستهداف المعمداني، ما أدى إلى استشهاد نحو 500 فلسطيني وإصابة مئات آخرين.(12)
المساعدات الضخمة
أمريكا أكبر مورد للمساعدات العسكرية للكيان الصهيوني منذ تأسيسه، فقد ساهم الأمريكيون بنحو 130 مليار دولار. بهذه المساعدات، عمل الكيان على تحويل جيشه إلى واحد من أقوى الجيوش في المنطقة. وقد وافقت الإدارات الأمريكية الجمهورية والديموقراطية على المساعدات العسكرية للكيان على مر السنين. في هذا الصدد، وضمن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في عهد باراك أوباما، يتلقى الكيان 3.8 مليار دولار مساعدة سنوية من واشنطن لأنظمتها الصاروخية والعسكرية.
إن الكيان الصهيوني يُعدّ المتلقي الأكبر للمساعدات المالية العسكرية الأجنبية من أمريكا، إذ تشكل هذه المساعدات 15% من إجمالي الميزانية العسكرية لواشنطن. وبحسب آخر التقارير، أكثر من 80% من واردات الكيان الصهيوني من الأسلحة منذ 1950 حتى 2020 مصدرها أمريكا. وتجدر الإشارة إلى أن حجم التجارة بين أمريكا والكيان يصل إلى نحو 50 مليار دولار سنوياً.(13)
خاتمة
إن الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة تحدث بصورة رئيسية باستخدام الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية، فلا يمكن تجاهل دور واشنطن في الحرب الجارية، وكما قال قائد الثورة الإسلامية: «أمريكا في هذه القضية شريكٌ حتميّ في جريمة المجرمين، أي إنّ يد أمريكا انغمست حتّى المرفق في دماء المظلومين والأطفال والمرضى والنساء ونحوهم في ما يخص هذه الجريمة وهي ملطخة [بهذه الدماء]».(14)
لقد أثبت الأميركيون أنهم مديرو مسرح الحرب على غزة عبر الإجراءات التي اتخذوها في الأيام الماضية. إن استخدام واشنطن حق النقض ضد قرار وقف النار الفوري في مجلس الأمن الدولي وحده دليل على هذا الادعاء. في المقابل، أعلن كيربي نفسه مرات عدة أن واشنطن تعارض وقف النار لأنه لمصلحة حماس!(15)
رغم استشهاد أكثر من عشرة آلاف فلسطيني في غزة والذين يشكّل النساء والأطفال أكثر من نصفهم، ومع تحذير منظمات حقوق الإنسان من كارثة إنسانية ضخمة في غزّة، أعلن «جون كربي»، المنسّق للعلاقات الاستراتيجيّة لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض: «لا تضع واشنطن أيّ خطّ أحمر أمام إسرائيل في ما يرتبط بعمليّاتها العسكريّة ضدّ غزّة.».(26)
