الموقف المتفرج من قبل دول العالم حول أحداث غزة سيُسجَّل في صحائفهم وسيسجله التاريخ عليهم أنه حدثت هذه المأساة بهذا الشكل في زمان أنتم مسلطون فيه على أرقاب الناس ولم تصنعوا شيئاً.
استنكر أستاذ البحث الخارج في حوزة النجف الأشرف آية الله الشيخ هادي آل راضي المجازر التي تحصل في قطاع غزة من قبل الكيان الصهيوني، منتقداً الموقف المتفرج للعالم عامة والدول العربية والإسلامية خاصة على هذه المأساة.
وأشار سماحته في نهاية درس بحثه الخارج إلى فقرة من خطبة الإمام علي عليه السلام (رَوُّوا سُّيُوفَكم مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ) في أحداث حرب صفين بينه عليه السلام ومعاوية وقال: الدرس الذي يتعلم الإنسان من هذه الكلمة الخالدة هي أن الحق لا يُقدّم للإنسان على طبق من فضة ولابدّ من أخذه بالقوّة وعدم الخذلان أمام العدو مهما كان ثمنه.
كما أشار إلى الأحداث المؤلمة والمجازر الوحشية التي تحدث في غزة من قبل الصهاينة وقال: الذي يجري الآن هناك، هذا شئ يندى له جبين الإنسانية وشيء مؤلم جداً. هناك نساء وأطفال وشيوخ وعجزة يُقتّلون بهذه الوحشية وبهذه الطريقة. هذا لايمكن لأي إنسان مهما كان إذا كان يملك ذرة من الإنسانية أن لايتأثر بهذا وأن لايرفع صوته عالياً في مقام الاستنكار والتنديد لهذا.
وإليكم نص كلمة سماحته :
الحق يُؤخذ بالقوة والعيش لابد أن تكون بكرامة
الإمام علي “سلام الله عليه” في حرب صفين حسب ما هو موجود في نهج البلاغة، نزل في مكان إلى قرب النهر، نهر الفرات. فكان يشربون من النهر ويسقون دوابهم.
وعندما جاء جيش معاوية سمحوا لهم بأخذ الماء من هذا النهر، ولم يمنعوهم من أخذ الماء وشربه لهم ولدوابهم.
بعد فترة انقلبت الأحداث واستولى جيش معاوية على النهر والمشرعة. وعندما جاء أصحاب الإمام لكي يشربوا ويستقوا من هذا النهر، منعوهم بشدة، بحيث صارت الضجة داخل المعكسر باعتبار أن النتيجة أنهم يحتاج إلى الماء لهم ولدوابهم وأنعامهم، ومنعم من الماء لمدة وفترة طويلة صعب جداً. فحاولوا أن يدخلوا إلى النهر لأخذ الماء، منعوهم.
شكووا الأمر وجاؤوا إلى الإمام “عليه السلام” وأخبروه، يقول الرواية أنه خرج وخطب هذه الخطبة المشهورة، وأنا أذكر فقرة من فقراتها: يقول: رَوُّوا سُّيُوفَكم مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ.
الحق لا يُقدّم للإنسان على طبق من فضة ولابدّ من أخذه بالقوّة.( رَوُّوا سُّيُوفَكم مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ.)
هذه فيه درس وأن الحق لايتوقع الإنسان أن يقدّم له بكل أريحية وبكل بساطة، ولابدّ أن يأخذ الجهد حتى يحصل الإنسان على حقوقه.
ثم يقول الكلمة الخالدة: يقول: فإن الحياة في موتكم قاهرين والموت في حياتكم مقهورين.
هذا مفهوم جديد للحياة والموت.
الحياة ليس معناها أن يعيش الإنسان على سطح هذه الأرض ويأكل وينام ويتنعّم ويمارس الأعمال العادية، وهو مقهور ومسلَّط عليه عدوّه، ويتحكَّم فيه وفي كل أموره ويراقب حركاته وسكناته ويَحرُمه من كل شيء، من حرية التعبير ومن حرية التحرك وحرية كل شيء وهو مقهور.
الإمام علي عليه السلام يقول: هذه ليست حياة وإن أكل الإنسان وشرب وتَنَعّم وسكن في القصور، هذه ليست حياة.
عندما يكون الإنسان محكوماً ومقهوراً للظالم ومقهورا من قبل العدو ويتحكم فيه ويعامله بإذلال ويعامله معاملة المواطن من الدرجة العاشرة، هذه ليست حياة وهذا موت في الحقيقة.
الحياة أن تعيش بعزة وبكرامة، حتى لو مُتَّ أنت في الحقيقة حيّ (فإن الحياة في موتكم قاهرين والموتَ في حياتكم مقهورين.) هذا فيه درس لنا وللجميع.
الأحداث المؤلمة والعالم المتفرج
هذا الذي يجري الآن هناك، هذا شئ يندى له جبين الإنسانية وشيء مؤلم جداً. هناك نساء وأطفال وشيوخ وعجزة يُقتّلون بهذه الوحشية وبهذه الطريقة. هذا لايمكن لأي إنسان مهما كان إذا كان يملك ذرة من الإنسانية أن لايتأثر بهذا وأن لايرفع صوته عالياً في مقام الاستنكار والتنديد لهذا. لكنه بالرغم من هذه المأساة التي تحصل والتي استمرت لأيام طويلة وعديدة والله يعلم أنه متى تنتهي، مع ذلك العالم ساكت ومتفرج، وآخذ موقف المتفرج على هذه المأساة.
والمتفرج ليس هو فقط الدول كذا وكذا، بل حتى دولنا والدول العربية والإسلامية متفرجة في الحقيقة.
الصراخ والتنديد والتهديد والوعيد و.. لا ينفع شيئاً ! ماذا يصنع هذا الصراخ و.. ؟
هذا ما يغيّر من الواقع شيئاً، ولايقلّل من عدد الضحايا ولايوقف هذا النزيف الرهيب الذي يحدث الآن.
الذي يوقف هذا هو العمل. الوقوف والموقف المتفرج من قبل هذه الدول سيُسجَّل في صحائفهم وسيسجله التاريخ عليهم أنه حدثت هذه المأساة بهذا الشكل في زمان أنتم مسلطون فيه على أرقاب الناس ولم تصنعوا شيئاً.
الضعف وإطاعة العدو تنتج العجز
لاأنكر أن بعضهم قد يريد في داخله أن يساهم ويساعد، لكن لا يقدر ولا يتمكن، وتملّكهم الخوف من الدول الكبرى، وهذه النتيجة التي وصلو إليها هي لها مقدمات ولها أسباب، جرت تدريجاً إلى أن وصلوا إلى هذه النتيجة.
لو كنا أحكمنا وأحكموا الأمور من البداية لما وصلوا إلى هذه النتيجة.
لكن هم دائما في الضعف وفي إطاعة للآخرين والتمرير للقصايا وترجيح جانب السّلم على غيره هم ما وصلوا إلى هذه النتيجة، وإلا لو لم يكونوا هكذا لما وصلوا إلى هذه النتيجة التي أصبحوا فيها عاجزين عن أن يفعلوا شيئاً.
واقعاً لو تسألنا بيننا وبين أنفسنا، إذا أرادنا أن نقول أنه فلان دولة ما ذا تستطيع أن تفعل الآن؟ عاجزة. لايمكنها أن تفعل شيئاً.
لكن هذه الوصول إلى هذه المرحلة كان بسببهم وبسبب تقصيرهم وأنهم مابنوا دولهم وأوطانهم بناء صحيح. ما تعاملوا مع الدول الكبرى تعامل الند للندّ، كما ينبغي أن يكون، فوصلوا إلى هذه النتيجة وهم الذين يتحمّلون هذه المسؤولية.
ونحن ما علينا إلا أن ندعوا ونبتهل إلى الله سبحانه وتعالى أن يفرّج عن هؤلاء النساء والضعفة والعجزة وهذه الأمور التي تحدث مما يشيب لها رأس الإنسان حقيقة.
الله سبحانه تعالى هو رؤوف بعباده و لطيف بهم نسأل الله أن يرحم بهم وبنا. وصلى الله علي سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.