Search
Close this search box.

الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين

الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين

إن الدعاء سلاح رباني منَحَهُ الله للإنسان به يحتمي من الشيطان، وبه يقوى على مواجهة التحديات، وبه تقوى عزيمته، وبه يثبت أمام العدو، وبه يستحق النُّصرة والعَون من الله، وبه يدفع عن نفسه السُّوء ويكشف الضُّرَّ.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “سِلاحُ الْمُؤْمِنِ الدُّعاءُ”.
كثيرة الروايات الشريفة التي وصفت الدعاء بأنه سلاح المؤمن فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “الدُّعاءُ سِلاحُ المُؤمِنِ وَعَمودُ الدّينِ وَنورُ السَّماواتِ والأرضِ”.
ورُوِيَ عنه أيضاً أنه قال: “ألَا أدُلُّكُم عَلى‏ سِلاحٍ يُنجِيكُم مِن عدوكم، وَيُدِرُّ أرزاقَكُم؟ قالوا: بَلى‏. قالَ: تَدعُونَ رَبَّكُم بِاللَّيلِ‏ والنَّهارِ، فَإنّ‏ الدُّعاءُ سِلاحَ ‏المؤمنين”. ورُوِيَ عن الإمامِ الرِّضا (ع): “عَلَيكُم بِسِلاحِ الأنبِياءِ. فَقيلَ: وما سِلاحُ الأنبِياءِ؟ قالَ: الدُّعاءُ”. وعن الإمام أمير المؤمنين (ع): “الدُّعاءُ تُرْسُ المُؤمِنِ”.

والسؤال المطروح هو: لماذا التعبير بالسلاح عن الدعاء؟ وما الذي ندفعه عنا به، وأي عدو نواجهه به؟

السِّلاحُ: كُلُّ ما يُقاتَلُ بِهِ، ويُطْلَق على كُلِّ ما أعْدَدْتَهُ لِلْحَرْبِ مِن آلَةِ الحَدِيدِ مِمّا يُقاتَلُ بِهِ، وله فائدتان كما هو معلوم، أولاهما: الاحتماء به فهو وسيلة دفاع تدفع الضرر المتأتي من العدو، والثانية: قتل العدو والنيل منه، وهذا معروف لدى الكبير والصغير.

فما الذي يدفعه الدعاء عن الداعي؟

إن الإنسان يواجه في حياته أكثر من عدو، الشيطان واحد منهم وهو عدو خطير للغاية، ولا يكون منه إلا الضرر والفساد، ولا يراد من الشيطان إبليس وقبيله وحسب، بل يراد منه كل طاغٍ متمرّد يتعدى حدود الله مع نفسه ومع الآخرين، ويأمر ولِيَّه بالطغيان والتمرُّد والمعصية، وكل ما فيه تعدٍ وظلم للنفس أو للناس، ومن الأعداء أيضاً الأشرار من الناس وهم شياطين كذلك حسب المفهوم القرآني للشيطان.

لكن الشيطان سواء كان من الجِنِّ أو الإنس، يعتمد في تأثيره في نفس الإنسان على عدو آخر هو أخطر من الإثنين المتقدمين، وهو أهواء الإنسان وشهواته وغرائزه الجامحة المتفلتة من القيود، فإنها من أهم الثغرات التي ينفذ منها العدو إلى الإنسان، بل هي سلاحه الأمضى في معركته مع الإنسان، فتراه يحرص على إثارة غرائز الإنسان وشهواته من جهة.

ومن جهة أخرى يخيفه من الخسران والفَقد والموت فيمَنِّيه تارة ويُخَوِّفه تارة أخرى، وفي كلا الحالين يعتمد الغرائز والشهوات والأماني كمنفذ ينفذ منه للتأثير في نفس الإنسان، وبهذا تكون الشهوات والغرائز أخطر الأعداء على الإطلاق، ولذلك جاء عن رسول الله (ص): “أعدى‏ عَدوِّكَ نَفسُكَ الَّتي بَينَ جَنبَيكَ”.

ومما لا شك فيه أن ضبط الإنسان لغرائزه، وسيطرته على شهواته، وتحَكُّمه بانفعالاته يقطع الطريق على عدويه من الشياطين، ويجعل نفسه في حصانة من تأثيرهما، هنا يأتي الدعاء كواحد من أهم وسائل الحماية التي يعتمدها الإنسان، في هذا المجال يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): “الدُّعاءُ تُرْسُ المُؤمِنِ” فكما أن المحارب يتترَّس بالترس كذلك يتترَّس المؤمن بالدعاء.

فالدعاء لجوء إلى الله واحتماء بحمايته وافتقار إلى الله ويقين بأن الله يسمعه ويراه ويعلم ما به ويعينه ويدفع عنه ويقضي حوائجه.

الدعاء يمنح الإنسان القدرة على الصمود في مواجهة تحديات الحياة
والدعاء يمنح الإنسان القدرة على المقاومة والصمود في مواجهة تحديات الحياة، ويرسّخ الإيمان في القلب ويُثَبِّتُه، ويُكَوِّن المحبة لله تعالى، ويُرَسِّخ العلاقة به، ويبثّ روح الإخلاص في الإنسان، ويبني نفسه وينَمّي فضائله الأخلاقية، ويبثُّ روح الأمل فيه، الدعاء سلاح رباني منَحَهُ الله للإنسان به يحتمي من الشيطان، وبه يقوى على مواجهة التحديات، وبه تقوى عزيمته، وبه يثبت أمام العدو، وبه يستحق النُّصرة والعَون من الله، وبه يدفع عن نفسه السُّوء ويكشف الضُّرَّ، وبهذا يشكل الدعاء حصانة قوية أمام مغريات الشيطان، وقوى الشيطان من الإنس، فهو سلاح دفاعي خطير، يقوم بمهمتين: يحبط مكائد الشيطان، ويدفع الضراء، ويُثَبِّتُ المرء حين تجتاحه الشدائد.

وقد خلص المتخصصون النفسيون إلى أن الدعاء يساعد الإنسان على التحكم في الأمور التي تطرأ عليه، ويجعله يشعر أنه قادر على مواجهة المشاكل، ويربطه بأعظم قوة في هذا الوجود وهي قوة قاهرة لكل شيء ولا يقهرها شيء، ولا يحول بينها وبين ما تريد شيء.

وما أريد التنبيه عليه أن المؤمن لا يترك الدعاء في جميع أحواله، إنه ليدعو الله في اليسر والعسر، في الرخاء وفي الشِّدَّة، في السلم وفي الحرب، لأن الدعاء ليس حيلة الضعفاء بل حيلة الأقوياء أيضاً.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل