قد تزايدت مضايقات سلطات الاحتلال، وتنكيلهم بعموم المقدسيين وبالنساء خاصة، لمنعهم من دخول المسجد الأقصى، لكن النساء المقدسيات رغم كل هذه المضايقات يقمن في مشروع “عمارة الأقصى” بتعليم القرآن الكريم على ثلاثة مستويات.
و”زينب الجلّاد” واحدة من النساء المقدسيات اللاتي يحرصن على الصلاة في
المسجد الأقصى، وتتعرض كغيرها لمضايقات شرطة الاحتلال الموجودين بكثافة على جميع أبواب
الحرم القدسي الشريف، يفتشون عن هويات المقدسيين وفي أمتعتهم، ويمنعون كثيراً منهم من الدخول، بينما تسرح قطعان المستوطنين في باحات الأقصى، ويعربدون بطقوسهم التلمودية دونما حسيب.
وتقول “زينب الجلاد” والدموع تنهمر بحرقة من عينيها: حسبي الله ونعم الوكيل، لا يوجد قرار محكمة يمنعني من دخول المسجد الأقصى، فهم يسمحون للمستوطنين والسياح الأجانب بالدخول، ويمنعونني من أداء الصلاة في بيت الله، اللهم انتقم منهم يا جبار، فهذه قمة الذل والقهر، وليس لي وحدي، بل لجميع أمة العرب والمسلمين، أن يستقوي علينا ويتحكم فينا أراذل الخلق.
كذلك تتعرض “منتهى أبو سنينة” لنفس الإجراءات، مع أنها تحمل وثيقة من مركز أمن القشلة في باب الخليل تفيد بأنها ليست مبعدة، لكن الشرطي اتصل بالضابط الذي طلب منه منعها من الدخول. تقول: سنبقى شوكة في حلوقهم، وسنبقى قريبين من الأقصى على الرغم من الإبعاد منذ ما يقرب من تسعة شهور، وإذا لم يدافع العرب والمسلمون عن الأقصى فسندافع نحن المقدسيات عنه إلى أن يأذن الله بالنصر.
أما المرابطة زينة عمرو، فتقول: الأخوات اللاتي أُخذت تواقيعهن في مراكز الشرطة على تعهد بالإبعاد مدة 15 يوما فقط، تحايلت عليهن مراكز الشرطة، وأبقت أسماءهن ضمن قائمة الإبعاد الطويل، أما أنا فقد رفضت التوقيع في مركز الشرطة، وحصلتُ فيما بعد على قرار من المحكمة بالسماح لي بالدخول، ولذلك لم يدرج اسمي ضمن قائمة الإبعاد.
“الله أكبر”.. تهمة الهتاف بكلمة ترعب المستوطنين
تتحدث منتهى أبو سنينة وهي من سكان القدس القديمة، فتقول: أنا امرأة فلسطينية ومسلمة عادية، ليست لي انتماءات حزبية أو دينية، فبعدما كبر أولادي قررت أن أتعلم أحكام تلاوة القرآن، وحصلت على الإجازة، وقررت الالتحاق بمصاطب التعليم في المسجد الأقصى، من أجل أن أعلِّم هذا العلم الذي تعلمته لغيري من الأخوات.
وتروي قصة لاعتقالها في أحد الأيام بالأقصى، إذ تقول: اعتقلتني قوات الاحتلال ثلاث مرات، إحداها بسبب أنّي كنت أعلم القرآن في ساحة المسجد قرب باب المغاربة الذي يدخل منه المستوطنون، ولأنني طلبت من الأخوات البقاء، فلنا الحق بالجلوس في أي ساحة من ساحات مسجدنا المبارك، فكان هذا سببا كافيا لاعتقالي، ولاحقني الجنود في كل مكان حتى اعتقلوني من مسجد قبة الصخرة.
ثم اقتادوني بسيارة الشرطة إلى مركز أمن القشلة وبدأوا يحققون معي، وقد صدمت بأن تهمتي هي أنني أحرِّض على المستوطنين عندما كنت أقول “الله أكبر”، فأخبرتهم أنني كنت أعلم القرآن، وهذه الكلمة من ضمن الدرس الذي أعلمه، فقالوا لي إنك كنت تقولينها لإخافة المستوطنين، وأنت تعرفين أنهم يخافون من ترداد هذه الكلمة.
عمارة المسجد الأقصى.. جهاد في حلقات تحفيظ القرآن
تحكي زينة عمرو معاناتها، فتقول: كنا نتعلم القرآن الكريم في إحدى المصاطب بالمسجد الأقصى، فتجمع حولنا المستوطنون والسياح الأجانب، يصوروننا ويستفزوننا، فما كان منا إلا أن بدأنا بالهتاف “الله أكبر ولله الحمد”، فتدخلت الشرطة، ووجهت لنا تهمة إحداث الفوضى وترويع المستوطنين، فرفضتُ التهمةَ ولم أوقع عليها، فحولوني إلى المحكمة، وهناك لم يجدوا من الأدلة ما يكفي لإدانتي.
ولزينب الجلاد قصة أخرى ترويها قائلة: سمعتُ عن مصاطب التعليم في المسجد الأقصى، وأحسست أن الله اصطفاني لهذه الحلقات العظيمة في هذه البقعة المباركة، فبادرت إلى التسجيل دون تردد، ثم أصبحت أُعلِّم القرآن، وقد اعتُقلت فتيات من هذه الحلقات بسبب هتافهن بالتكبير عندما يستفزهن الجنود أو المستوطنون، وعندما يسألهن المحققون عن المسؤولة كانوا يقولون: “أم إيهاب”، فلهذا أبعدوني.
وتقول منتهى: الحمد لله، هنالك إقبال كبير على تعلم القرآن الكريم من قبل الفتية والفتيات المقدسيات، وهذا الأمر يلحظه الصهاينة، وينظرون إليه بعين التوجس والريبة، ولم يقتصر الأمر على اليافعين، بل الرجال والنساء بمختلف الأعمار يقبلون على حلقات القرآن في الأقصى، ونحن أيضا نستغل هذه الحلقات لتوعية المقدسيين بالأخطار المحيقة بالمسجد الأقصى وساحاته من قبل الصهاينة.
مخيمات الصيف.. إقبال كبير على نشاطات التعليم والترفيه
تقول منتهى: تقوم النساء المقدسيات في مشروع “عمارة الأقصى” بتعليم القرآن الكريم على ثلاثة مستويات؛ المستوى الجامعي ويقوم عليه أساتذة جامعيون، وهنالك مستوى متوسط لطلاب المدارس، وثالث للأميين وعامة المقدسيين من رجال ونساء. ونحن على يقين أن جيل القرآن هو الجيل المرشح للنصر وتحرير المسجد الأقصى من دنس الصهاينة.
وتتحدث عن الأنشطة الصيفية المكثفة، قائلة: نعمل على المخيمات الصيفية لتعليم القرآن داخل المسجد الأقصى، وفي هذا الصيف سجلنا أسماء ألف طالب وطالبة للالتحاق بهذا النادي والحمد لله، وهنالك نشاطات ترفيهية وثقافية مرافقة مثل الرسم والنشيد والرحلات.
أما زينة عمرو فتتحدث عن ممارسات الاحتلال قائلة: من خلال وجودنا المستمر في المسجد الأقصى، بدأنا نلاحظ سلوكا مغايرا لسلطات الاحتلال، وتطورات خطيرة من شأنها التضييق على المرابطات في مصاطب العلم في المسجد الأقصى، وذلك من خلال تزايد أعداد المقتحمين من المستوطنين الصهاينة، وكذلك هجمات الشرطة على المصلين من القدس والضفة الغربية، وخاصة النساء منهم.
وتُعقِّب الجلاد: في أعياد اليهود يُمنع المقدسيون من دخول الأقصى، ويسمح للمستوطنين، وقد كنا مجموعة من النساء واقفات على أبواب الأقصى من الخارج، فهاجمتنا الشرطة بالمسدسات الصاعقة وغاز الفلفل والضرب بالهراوات من أجل تفريقنا، وقد تضرر بعض المقدسيات ووقع بعضهن أرضا، وانكشف حجابهن، واعتدوا كذلك على المصاحف والنساء والأطفال دون رادع.
وقد تزايدت مضايقات سلطات الاحتلال، وتنكيلهم بعموم المقدسيين وبالنساء خاصة، لمنعهم من دخول المسجد الأقصى، وفي المقابل زاد حرص وتحدي المقدسيات من أجل التواجد المُركَّز في باحات الحرم القدسي الشريف، فعمدت شرطة الاحتلال إلى مصادرة هُويّاتهنّ عند دخولهن، والطلب إليهن بمراجعة مركز أمن القشلة من أجل إعادة الهويات لهن، في محاولة لفتّ عزائمهن وصرفهن عن الدخول.
لا نعترف بسيادتكم على هذا المكان
يتحدث المحامي خالد زبارقة عن قرارات الإبعاد، قائلا: الأخوات اللاتي يُدرِّسن في مصاطب الأقصى استطعن على ضعفن، أن يجبرن شرطة الاحتلال وجنوده على احترام إصرارهنّ على الدخول، ومنعْنَهم من التمادي في طغيانهم، وقُلن لهم بصوت واضح: نحن لا نعترف بسيادتكم على هذا المكان، ولن نذهب إلى أي ضابط منكم لنلتمس منه إذنا بالدخول، وسنبقى نحاول من شتى البوابات، حتى يأذن الله لنا.
وفي مخفر القشلة تفتح شرطة الاحتلال ملفات لهؤلاء النسوة، وتعاملهنّ كأنهن مجرمات، وكل ذنبهن أنهن يحاولن الدخول إلى المسجد الأقصى والمكوث فيه، وعندما نتدخل نحن المحامين ونسأل عن التهمة يقولون إنهن يُكبّرن داخل الأقصى.
ولا يقتصر الأمر على منعهن من الدخول، بل يتجاوزه إلى تهديدهن بحجب مخصصات التأمين الوطني عنهن، أو التهديد بملاحقة أزواجهن، أو فتح ملفات رخص البناء والتهديد بهدم البيوت، بحجة عدم الحصول على الرخص المناسبة، أو بإرسال النساء إلى مديرية المخابرات، وذلك أسلوب تهديد وتخويف جديد.
وتُظهِر ممارسات البطش والتنكيل بالمصلين، وسحْل الشباب منهم في ساحات الحرم، ونزع الحجاب عن المصليات وتدنيس المصحف الشريف، أن الاحتلال الصهيوني يريد أن يقول للعالم الإسلامي أجمع إنه لا يوجد لكم مكان مقدس هنا، ولا توجد لكم حرمات في هذا المكان، ويستخدمون التشريعات وأجهزة الشرطة والجنود لفرض سيادة الصهاينة وفرض الأمر الواقع على القدس والمقدسات.
تهويد الأقصى.. حفريات وخطط لإكمال احتلال المدينة
هنالك مخططات واضحة لتهويد المسجد الأقصى، بدأت منذ سنوات بالحفر تحت أساسات الحرم القدسي الشريف، وتستمر اليوم بمحاولة إفراغ المسجد الأقصى من المصلين وفرض التقسيم الزماني والمكاني على المسلمين، من أجل تحقيق حلم الصهيونية الأول والأقدم بهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه.
وقد أصبحت سياسة تهويد القدس واضحة المعالم، فلا بناء في القدس القديمة، ولا رخص جديدة للبناء ولا محاولات لترميم المباني الآئلة للسقوط، لدفع المقدسيين بجميع الوسائل لترك بيوتهم والانتقال عن مدينة القدس، فهم يحاولون شراء البيوت حول الأقصى، وزيادة كثافة المستوطنين في القدس بكل الوسائل، من أجل تفريغ المدينة من سكانها الأصليين.
يقول المحامي زبارقة: حسب القوانين والأعراف الدولية، فالقدس مدينة محتلة منذ 1967، فإذا رضخ المقدسيون لإرهاب الصهاينة، وقبلوا بسيادة اليهود على أقصاهم وقدسهم، فساعتها لا تكون إسرائيل دولة محتلة بنظر المجتمع الدولي ومؤسساته، لذلك يحق لها أن تتصرف في القدس كما تشاء، وهذا ما لا يرضاه المقدسيون حتى هذه الساعة.
أعيش من أجل المسجد الأقصى
أكثر ما يغيظ العدو الصهيوني هو حرص الأخوات المرابطات على الحضور إلى الأقصى في وقت الصبح، وهو الوقت الذي خصصته سلطات الاحتلال لدخول المستوطنين، لذلك فهم يستخدمون القوة الغاشمة لمنعهن وتفريقهن، والواضح أنهم لم يعودوا يكتفون بالتقسيم الزماني، بل يخططون لقضم أماكن مخصصة داخل مباني الحرم القدسي والساحات المحيطة، وتخصيصها لليهود.
ويقول المحامي زبارقة: يتعامل الإسرائيليون مع الأقصى والقدس بسياسة الواقع المتدرج، فإذا رضخ المقدسيون لسياسة أو قرار يتعلق بالقدس والأقصى، فإن الاحتلال يتقدم إلى الخطة الأخرى، وهكذا. ولذا فإن على أهل القدس أن يتنبهوا لهذه السياسة الماكرة، وأن لا يفرطوا في أي مكان أو موقف أو لحظة زمنية مهما صغرت، لتبعدهم عن قضيتهم المركزية والوجودية في الأقصى والقدس.
وما تزال منتهى أبو سنينة وزينب الجلاد والأخوات المرابطات يحاولن كل يوم وفي كل صلاة الدخول إلى المسجد الأقصى، مع أنهن مبعدات مدة 9 شهور بقرار من سلطات الاحتلال، وما تزال الدموع تنهمر بغزارة من مدامع المرابطات بسبب بطش سلطات الاحتلال وصمت وغفلة العالم الإسلامي والمجتمع الدولي.
وتتحدث زينة عمرو، بلسانها ولسان أخواتها المرابطات قائلة: أنا أعيش من أجل المسجد الأقصى، وكذلك زوجي وأولادي وأحفادي، وكلنا نعيش من أجل الأقصى، لأن لهذا الحرم المقدس مكانة خاصة وعالية في قلوبنا، فأنا أحس بأن هنالك لغة خاصة تجمع بيني وبين حجارة المسجد الأقصى وترابه وأشجاره، ولا أبالغ إن قلت لكم إنني أقدم المسجد الأقصى على زوجي وعائلتي والناس أجمعين.