Search
Close this search box.

العمل بما جاء به القرآن هو الركن الأهم من أركان الإیمان

إن تحقيق الإيمان الحقيقي لا يكون إلا بالطاعة والانقياد لأمر الله تعالى كما أن العمل بما جاء به القرآن الكريم يعتبر رُكناً أساسياً بل الركن الأهم من أركان الإيمان.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “سَلُوا اللهَ الإِيْمانَ، واعْمَلوا بِواجِبِ القُرْآنِ”.
هذه وصية جليلة من عارف بما يحتاج إليه الإنسان وما يصلح به شأنه في الحياتَين: أن يسأل اللهَ تعالى أن يرزقه الإيمان الكامل، الإيمان اليقيني القلبي الذي لا يعتريه شَكُّ ولا رَيبٌ، والذي يتمظهر بالالتزام الكامل بما جاء في كتاب الله من أوامر ونواهي.

 الإيمان بالله تعالى والارتباط الدائم به حاجة إنسانية فطرية
ومِمّا لا شكَّ فيه أن الإيمان بالله تعالى والارتباط الدائم به حاجة إنسانية فطرية، والإنسان مولود على ذلك توجِّهه فطرته إلى الله تعالى، فتراه منذ طفولته الأولى لا ينفك عن البحث عن الله والسؤال عنه، والتوجُّه إليه في حاجاته، واللجوء إليه في أزماته ومُلِمّاته، وحتى ذاك (المُلحد) هو بنحو أو آخر يؤمن بالقدرة القهرة التي أبدعت الكون ولم تزل ولا تزال تُمسِك به، ولا يجد سبيلاً إلى إنكارها، وهي الله في فَهم المؤمن.

وقد حاول الملحدون ماضياً وحاضراً أن يأتوا بدليل على عدم وجود الله فأخفقوا، إذ كل شيء يدل على وجوده، وخالقيته، وتدبيره، وسيطرته على الوجود كله، ولعل الكثير منهم يذعنون لهذه الحقيقة وهي أم الحقائق كلها، ولكنه لا يجرؤون على الإعلان عنها إمّا استكباراً أو فراراً من لوازمها.

وقال الله تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿الروم/ 30﴾. فالإيمان بالله والارتباط به قضية فطرية لا يخلو منها إنسان، وهي لا تنعدم منه ولو بذل من الجهود ما بذل ليعدمها، فسريعاً ما تخرج من أعماق النفس عندما يقع المرء في ورطة أو أزمة.

والمُلفت في جوهرة الإمام (ع) أنه يوَجِّه الخطاب إلى مؤمنين يدعوهم إلى أن يسألوا الله الإيمان. ومثل هذا الخطاب قد جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ… ﴿النساء/ 136﴾. فهذه دعوة للانتقال من الإيماني العقلي إلى الإيمان القلبي الذي يحمل الإنسان على الطاعة والانقياد، ومن الإيمان النظري إلى الإيمان العملي الذي يتمظهر بالالتزام بما أوجبه الله على المؤمن في كتابه الكريم.

والحقُّ إن المؤمنين نظرياً كثير، لكن المؤمنين عملياً قليل، المؤمنون عقلياً كثير، لكن الذين انعقدت قلوبهم على الإيمان قليل، ولهذا نجد البَونَ شاسعاً بين كثير من المؤمنين وبين سلوكياتهم في الحياة، حتى إن كثيراً منها تتناقض مع الإيمان، فذلك دليل على أن الإيمان لم يتحول إلى عقيدة قلبية توجِّه سلوكهم.

 الإيمان الحقيقي بالله تعالى هو منبع الفضائل

إنَّ الإيمان الحقيقي بالله تعالى هو منبع الفضائل، ومصدر كل خير، فهو الذي يفتح النوافذ المغلقة أمام عقل الإنسان، ويوجه تفكيره الوجهة الصحيحة، ويدعوه إلى فهم الكون والتعرُّف على ما يكتنزه من أسرار وقوانين، ويُعَرِّفه على الله تعالى، ويجيبه على أسئلته الوجودية الكبرى، ويعرِّفه على غاية وجوده، ويربطه بالغيب، ويوَجِّه سلوكه، ويهديه إلى التي هي أقوم من السُّبُل التي ترتقي بإنسانيته، ويبني شخصيته بناء سليماً، ويصوغ علاقته بالله وبنفسه وبمحيطه الإنساني وبالطبيعة.

ويركِّز في ذاته الثوابت الأخلاقية التي هي قوام شخصيته، وأساس علاقته بمن وما سبق، ويوجِّهه إلى العمل والبناء والإعمار، إعمار الدنيا وإعمار الآخرة، ويحذِّره من التكاسل والتهاون والتسويف والتواكل، ويربطه بالقوة المطلقة التي تسيطر على الكون وتمسك بأسبابه، فيتبدد خوفه، ويتغلب على ضعفه، ويطمئن قلبه، ويثبت أمام العواصف والأزمات، ويصبر على المِحَن والابتلاءات، ويبعثه نحو التسليم لقضاء الله وقَدَره، ويزيل من نفسه الكثير من دواعي القلق والتوتر، لأنه يجزم أنه ليس وحيدا فيما يواجهه بل إن الله العليم به، والخبير بحاله معه دائما، وذلك يُبعد عنه شبح الخوف والوحدة.

وقد طالَعتنا وسائل الإعلام بأخبار كثيرة عن غربيين دعتهم المجزرة المستمرة التي يرتكبها العدوان في غَزَّة إلى دراسة القرآن والبحث عن الإيمان الذي يجعل من أهلها ثابتين صابرين يتلقون ما يحدث لهم وعليهم من عدوان لئيم بالصبر والثبات والتسليم لقضاء الله وقدَره. وهناك آثار أخرى كثيرة للإيمان لا تتسع هذه المقالة لها.
ولما كان الإيمان الحقيقي لا يكون إلا بالطاعة والانقياد لأمر الله تعالى كان العمل بما جاء به القرآن رُكناً أساسياً بل الركن الأهم من أركان الإيمان، إذ الإيمان قول وعمل كما جاء عن الرسول الأكرم (ص) وقد حفل القرآن الكريم بجميع ما يحتاج إلى الفرد والمجتمع من أوامر ونواهي، تهدف كلها إلى تأمين مصالح الإنسان وجلب النفع له وإبعاد الضُرِّ عنه.

وعلى المؤمن أن يلتزم بها التزاماً مُطلقاً، والتزاماً كاملاً لا التزاماً مُجَزَّئاً، أي أن يلتزم بكل ما أمر الله وينتهي عن كل ما نهى الله عنه، لأن التجزئة لا تفيده في شيء، ولا تثمر الثمار التي يرجوها، فالدين شريعة متكاملة مترابطة، ومنظومة لا يمكن تفكيكها وتجزئتها، فيلتزم ببعض ما فيها ويُعرض عن بعضها الآخر.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية والقرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل