النفاق أسوأ من الكذب وهو إظهار المَرء خِلافَ ما يُبطن، كأن يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر، أو يُظهر المَحَبَّة ويُبطِن الكراهية، يدعو لك في محظرك، ويدعو عليك حال غيابك، وإنما هو أسوأ من الكذب لأنه يستبطن المكر والخديعة ونِيَّة السوء والشر.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “شَرُّ الْأَخْلاقِ الْكذبُ وَالنَّفاقُ”.
والأخلاق درجات، ففي فضائلها درجات، وفي رذائلها درجات.
أما الفضائل فإنها تبدأ من الدرجة الدنيا إلى أن تصل إلى الدرجة العُليا حين تصبح مَلَكَة في الإنسان، وهكذا الحال في الرذائل فإنها تبدأ من الدرجة الدنيا فإن لم يسارع إلى تهذيب نفسه منها تصبح مَلَكَةً فيه. هذا من حيث اتصاف المرء بالفضائل والرذائل.
أما من حيث نفس الفضائل ونفس الرذائل فبينها تفاوت كذلك، فهناك فضائل، وهناك أفضل منها، وهي أفضل الفضائل أو أفضل الأخلاق كما جاء في الروايات، مثل ما رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ خَلَائِقِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، الْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَالْإِحْسَانُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَكَ”.
وهناك رذائل، وأرذل الرذائل، ومن ذلك ما جاء في قول الإمام أمير المؤمنين (ع): “شَرُّ الْأَخْلاقِ الْكذبُ وَالنَّفاقُ” فالكذب والنفاق من أرذل الرذائل، وأسوأ الصفات، وأقبح الأفعال، وهما مذمومان عقلاً وشرعاً، وقد جاء النهي عنهما في العديد من الآيات والروايات الشريفة، ولا يكونان في مؤمن، لأنهما يتعارضان مع الإيمان، إن الإيمان صدق ووضوح ونقاء وصفاء وطهارة، وهما إيهام، وافتراء، وخفاء وإخفاء، وخباثة في النفس، وسوء طوية.
والكذب مخالفة القول للواقع سواء أكان عمداً أم خطأً. وهو من أبشع العيوب، ومصدر الآثام والشرور، وداعية الفضيحة والسقوط، وهو جريمة بذاته، وفيه من المفاسد الدنيوية والأخروية ما لا يُحتمل، وعلى كل منهما تتفرع مفاسد، وهو باب النفاق.
والدوافع إلى الكذب كثيرة، منها الخوف من العقاب، والخوف من العِتاب، والخوف من النقد والمَلامة، والأنانية، والجلب ما يظنه مصلحة له أو الدفاع عنها، وقلة أو انعدام الخوف من الله، وسوء التربية، والبيئة الاجتماعية التي يكثر فيها الكذب، والاعتياد عليه وإلفُه، وقد يكون من دواعيه الكراهية، والحقد، فيختلق الكذب لينال مِمَّن يكرهه ويحقد عليه، وقد يدعوه إلى ذلك حُبُّ الظهور فيَدّعي ما ليس فيه، أو ما لم يفعله، أو ينسب لنفسه من الأقوال ما قاله غيره.
والحق أنه لا يكذب أحد إلا من مهانةٍ في نفسه، ودناءة في هِمَّته، أما الذي يحترم ذاته فلا يكون منه كذب أبداً ولو فاته ما فاته من المنافع والمصالح، لأن الكذب يسقطه من أعين الناس إذا ما افتضح أمره، والكذاب مُفتَضَحٌ ولو بعد حين، والأنكى من ذلك فضيحته بين يدي الله في الدنيا، وفضيحته على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، وما أسوأ من أن يُعرَف المَرء بأنه كذّاب، فينهدم مقامه الاجتماعي، ويذهب بهاؤه، ويتعرضون له بالإهانة والتحقير، ويعيش طيلة عمره مبغوضاً من قبل الناس، ويفقد ثقتهم به، فلا يُصَدَّق في قول، ولا تُقبَل له شهادة، ويتجنَّبون التعامل معه، ونتيجة ذلك أن تقل البركة في ماله، وينقص رزقه، والأسوأ من كل ذلك أن يُحْرَم هداية الله وتوفيقه، وأن يَكِلَه اله إلى نفسه، ومن وكَلَهُ الله إلى نفسه هَلَكَ.
والنفاق أسوأ من الكذب وهو إظهار المَرء خِلافَ ما يُبطن، كأن يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر، أو يُظهر المَحَبَّة ويُبطِن الكراهية، يدعو لك في محظرك، ويدعو عليك حال غيابك، وإنما هو أسوأ من الكذب لأنه يستبطن المكر والخديعة ونِيَّة السوء والشر.
والنِّفاق قسمان: فمنه النفاق الاعتقادي، وهو أن يظهر الإيمان ويُبطن الكفر، ومعظم ما جاء في القرآن من ذَمٍّ للنفاق كان ذَماً لهذا القسم. ومنه النفاق العملي، الذي يكون بين الناس وهو آفة أخلاقية خطيرة، وواحد من الذنوب التي تمحق الدين.
والمنافق كما الكذَّاب في افتقاده المصداقية، وانعدام ثقة الناس به، ونفورهم منه، وتجَنُّبهم التعامل معه، وسوى ذلك من الآثار الخطيرة.
بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي