الشهيد مرتضى مطهري قدس سره
عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: “إن الله جعل الذّكر جلاءً للقلوب تسمع به بعد الوقرة. وتبصر به بعد العشوة وتنقاد به بعد المعاندة“1.
يتعرّض جسم الإنسان لبعض الحالات الحسنة والسّيئة، وكذلك فإنّ روحه أو نفسه هي الأخرى تتعرّض لحالات مشابهة بالرغم من الاختلافات العديدة بين الرّوح والجسم.
*شبَهٌ واختلاف
فالجسم مثلاً، له حجم ووزن. والقليل من الطعام الذي يردِ الإنسان يؤثّر على وزنه. ولكن لو أضيف عالم من الفِكر والعلم لما طرأ تغيّر على وزنه أبداً.
كما أن سعة الجسم محدودة، فيما الروح لا حدود لها، وكلّ لقمة يتناولها الإنسان تحتلّ حيّزاً من معدته. حتى يشعر بالشبع فيكون عاجزاً عن تناول لقمة إضافيّة؛ في حين أن الروح لا تعرف الشبع أبداً، وكلّما غذّيتها بالعلم والمعرفة ازدادت جوعاً وقالت: ﴿رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه: 114). والروح لا تصرّف المعلومات الأولى لكي تستعد لاستقبال المعلومات الجديدة؛ يقول الإمام علي عليه السلام: “كلّ وعاء يضيق بما جُعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنه يتّسع“2.
كما أنّ الجسد يضعف شيئاً فشيئاً، يشيخ ويموت أما الرّوح فلا تعرف الموت أو الفناء. الروح باقية تنتقل إلى عالم آخر إذا ما تلاشى الجسد، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “ما خُلِقْتُمْ للفناء، بل خُلِقْتُمْ للبقاء“3.
*لكلٍّ غذاؤه الخاص
وفي الوقت الذي توجد فيه اختلافات بين الروح والجسد فإنّ هناك شبهاً بينهما في نواح عديدة، فكما الجسد يحتاج إلى أنواع من الأطعمة والأشربة، الروح هي الأخرى تحتاج إلى غذاء خاص. وغذاؤها هو العلم والحكمة والإيمان واليقين. الجسد يذبل إذا لم يصله الغذاء الكافي كما أن الروح تذبُل إذا لم يصلْها غذاؤها الخاصّ.
يقول الإمام علي عليه السلام: “روّحوا أنفسكم ببديع الحِكمة فإنها تكلّ كما تكلّ الأبدان“4.
الروح تمرض كما يمرض الجسد. ولذا فهي تحتاج إلى علاج ودواء. فإذا كان الجسد يمرض بسبب خلل ينشأ في ميزان مزاجه أو في مجموع الموادّ التي يتألف منها نقصاً أو زيادة. وبشكل عام خلل في المعادلة التي خلقه الله عليها؛ فإنّ الروح لها معادلتها وميزانها الخاصّ بها. الروح تحتاج إلى الحب وتحتاج إلى نظام أخلاقي، تحتاج إلى العلم والمعرفة، وتحتاج إلى الإيمان والعقيدة، وتحتاج إلى سند تعتمد عليه وترجوه في كلّ أعمالها. كل هذه الأشياء لازمة لاستقرار وتعادل ميزان الروح وإلاّ فإنّ أيّ خلل يهدّد هذا التوازن سوف يسلب الإنسان سعادته واستقراره وطمأنينته.
*بذكر الله تطمئن القلوب
إنّ بعض الناس يشعرون في أعماق نفوسهم بالضجر. وإنّ هذا القدر من الإحساس الذي يحرمهم من تذوّق طعم السعادة ويسلبهم الشعور بالاستقرار والسلام يؤدّي بهم إلى الذبول والقلق دون أن يدركوا العلّة في ذلك، فبالرغم من توفّر كل أسباب الحياة إلاّ أنهم لا يشعرون بالرّضا أو السعادة.
إنّ على هؤلاء الأفراد أن يؤمنوا بوجود جدب روحيّ.. يجب أن يذعنوا لهذه الحقيقة ويعترفوا بأن الإيمان حاجة فطرية وتكوينيّة. بل إنها أسمى حاجاتنا الإنسانية.
فإذا انتهلنا من نبع الإيمان وأضاء نور الله أرواحنا، وتجلّى الله في أعماق نفوسنا أدركنا معنى السعادة واللذة والبهجة. يقول الله سبحانه في محكم كتابه الكريم: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28).
1- نهج البلاغة، الخطبة 217.
2- م.ن، حكمة 205.
3- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج6، ص249.
4- الكافي، الكليني، ج1 ص48.