الإعانة على الظلم من أقبح الأفعال يتفق على قبحها الفطرة الإنسانية السليمة، والعقل، والدين، حتى المُعين للظالم يُدرك أنه يفعل قبيحاً، وأنه بإعانته الظالم يَجْني على المَظلوم، ويشارك الظالم شراكة فعلية.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “شَرُّ الْنَّاسِ مَنْ يُعِينُ عَلى الْمَظْلُومِ”.
والإعانة على الظلم من أقبح الأفعال يتفق على قبحها الفطرة الإنسانية السليمة، والعقل، والدين، حتى المُعين للظالم يُدرك أنه يفعل قبيحاً، وأنه بإعانته الظالم يَجْني على المَظلوم، ويشارك الظالم شراكة فعلية، ولكنه يفعل ذلك استجابة لهواه، أو طلباً لنفع، أو خوفاً على فوات مصلحة. وطبعا جميع ذلك لا يبرر له الإعانة على الظلم، فإن الظلم ظلمات، والمُعين على الظلم ظالم، وكذا الراضي به، والسَّاكت عنه.
لا كلام في حرمة الإعانة كما سبق وأسلفتُ، وإنما الكلام في توصيف المُعين بأنه شَرُّ الناس، وأسوأ الناس، ولعله أظلم الناس، لأنه يعمل لغيره، ويجعل من نفسه أداة بيده، ولولا أن الظالم يجد من يعينه ما قَدِر على الظلم، ولولا أنه وجد من يدافع عن ظُلمه ويُبرِّر له ما تجرّأ على الظلم، وقد جاء في النصوص الشريفة النهي القاطع عن الإعانة على الظلم، واعتبرت النصوص المُعين عليه شريكا كاملاً فيه، فقد جاء عن الإمام الصادق (ع): “العامِلُ بِالظُّلمِ والمُعينُ لَهُ والرَّاضِي بهِ شُرَكاءُ ثَلاثَتُهُم”.
والحق أنه لا يوجد ظالم قوي، بل يوجد ظالم مُستقوٍ بغيره من الأعوان والأدوات والحُلفاء، والتاريخ البشري ماضياً وحاضراً أقوى شاهد على هذه الحقيقة المُرَّة، وما يحدث في هذه الأيام من قتل فظيع، وظلم تجاوز كل الحدود في قطاع غزة وفلسطين بل في أوطاننا العربية والإسلامية المَكلومة والجريحة، يثبت أن الظالمين يستقوون بأدواتهم وحلفائهم، والرَّاضين بظلمهم، والساكتين عن جرائمهم، والمُحايدين الذين يكتفون بمشاهدة أنهار الدم تنزف من المظلومين وكأن لا شيء يحدث. إننا نرى معظم حكومات العالم وأنظمته حتى العربية منها والإسلامية فضلا عن سواها تعين الظالمين (الصهاينة) على ظلمهم، وتبرِّر لهم إجرامهم، وتدعمهم بالمال والسلاح والإعلام والقوانين والغرامات التي تُفرض على أي صوت يمكن أن يعترض على واحدة من أبشع جرائم التاريخ المعاصر.
والحَقُّ أيضاً أن الظلم يفشو وتتسع دائرته ويزداد عُنفه كلما ازدادت أعداد المعينين للظالم، ويستمر كلما رضي به أصحاب المصالح والأهواء، وسَكَت عنه الخائفون المرعوبون، أو المتزلِّفون المُتَمَلِّقون. وهؤلاء جميعاً شركاء في الظلم وشركاء في المصير الذي يؤول إليه، وشركاء في العقاب الدنيوي والأخروي، وبناءً على السُّنَّة الربانية في كون العقاب من سِنخ العمل فإن الظلم تدور دائرته على الأعوان أيضاً، فيقضي عليهم كما يقضي على الظالم نفسه، فمصيرهم جميعا الهلاك والاضمحلال ولو طال الزمان.
أما العقاب الأخروي فشقاءٌ، وحسرةٌ، وندامةٌ، وعذابٌ مقيمٌ، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نادى مُنادٍ: أينَ الظَّلَمَةُ وأَعْوانُهُم؟ مَنْ لاقَ لَهُم دَواةً، أو رَبَطَ لَهُم كِيساً، أو مَدَّ لَهُم مُدَّةَ قَلَمٍ، فَاحشُرُوهُم مَعَهُم” وقال: “مَن أعانَ ظالِماً على ظُلمِهِ جاءَ يَومَ القِيامَةِ وعلى جَبهَتِهِ مَكتوبٌ: آيِسٌ مِن رَحمَةِ اللَّهِ”.
وإن العقل والدين فضلا عن نَهيهما وتحريمهما الإعانة على ظلم المظلوم، فإنهما يوجِبان نُصرتَه والدِّفاع عنه، فقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص): “مَن أخَذَ لِلمَظلومِ مِنَ الظَّالِمِ كانَ مَعِيَ في الجَنَّةِ مُصاحِباً”. وعن الإمام عَلِيٍّ (ع) قال: “إذا رَأيتَ مَظلوماً فَأعِنهُ على الظَّالِمِ” وكان من آخر ما أوصى به الحسَنَ والحسينَ (ع) أن قال: “قُولا بِالحَقِّ، واعمَلا لِلأجرِ، وكُونا للظَّالِمِ خَصماً ولِلمَظلومِ عَوناً”.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي