الشيخ مهدي الفتلاوي
يعتقد المسلمون على اختلاف مذاهبهم بحتمية نزول السيد المسيح عليه السلام من السماء إلى الأرض في آخر الزمان، تحقيقاً للوعد القرآني في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾(1). ويعتبر نزوله من السماء بحد ذاته حدثاً إلهياً خارقاً للقوانين الطبيعية. علماً بأن الخوارق الطبيعية بالمعاجز الربانية لم تقع في التاريخ، إلا لضرورة تقتضيها الظروف السياسية والتحديات الموضوعية، التي تواجهها الرسالات الإلهية في حركتها الجهادية ضد الطواغيت والقوى المناوئة لها. والسؤال المطروح هنا: ما هي التحديات السياسية والظروف الموضوعية القاهرة، التي تقتضي حدوث هذه المعجزة الإلهية الكبرى في عصر ظهور المهدي عجل الله فرجه؟
والجواب: إن ثورة المهدي عجل الله تعالى فرجه، سوف تواجه ثلاث تحديات وقوى معادية ومتحالفة ضدها بعد سقوط إسرائيل وهزيمة حلفائها الأوروبيين والعرب من فلسطين وهي:
التحدي الأول:
من قبل الدول الأوروبية، بعدما تشعر بالخطر الحقيقي، الذي يهدد كيانها الدولي بعد أن يقطع المهديعجل الله تعالى فرجه أيديها، ويسحق مصالحها في العالم الإسلامي.
التحدي الثاني:
من قبل بقايا الصهيونية المتواجدة في العالم الأوروبي، والتي لن يغمض لها جفن بعد أن تشاهد حلمها التوراتي. الذي بنت صروحه في فلسطين قد انهار في لحظات خاطفة بقبضات المؤمنين المقاومين. الذي يسحقون علوه ويدمرون فساده واستكباره.
التحدي الثالث:
من قبل الحكومات العربية والزعامات الدينية، التي انهارت كياناتها السياسية ومواقعها القيادية في العالم الإسلامي، وباتت تعيش في خوف ورعب مطبق يطاردها في ليلها ونهارها، وهي لاجئة في الدول الأوروبية.
فإن هذه القوى الثلاثة ستجتمع كلها متحالفة للقضاء على الثورة المهدوية. ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾(2). ولكل جهة من هذه القوى الثلاثة أساليبها الخاصة بها في التخطيط لمحاربة ثورة المهدي عجل الله فرجه، ومحاولة القضاء عليها. فالقوى العربية بزعاماتها السياسية والدينية تلجأ إلى أوروبا.
ومن هنا تشن حرباً إعلامية ضد المهدي عجل الله فرجه. وتقوم بعملية التشكيك بإمامته وقيادته للأمة مدعية بأنه ليس المهدي المذكور في الروايات النبوية، بل ما هو إلا إرهابي سفاك للدماء. لأنه لا يتصف بأخلاق أهل البيت المعروفين بالتساهل والتسامح مع أعدائهم. ففي حديث الباقرعليه السلام أنه قال:
“لو يعلم الناس ما يصنع المهدي إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش، فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس: ما هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم”(3). والمراد بقريش حكام العرب وطواغيتهم. والتشكيك بإمامة المهدي عجل الله فرجه من صناعة إعلامهم المزيف.
وهم المعنيون في حديث الصادق عليه السلام: “ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب”(4). أما الدول الأوروبية فبعدما تهزم جيوشها وأساطيلها الكبرى. فإنها حينئذ تطلب الهدنة من المهدي عجل الله فرجه، وبعد سنتين من الهدنة ينقضونها على أثر فتنة طائفية يفتعلونها بين الشعوب الإسلامية والمسيحية كما جاء في الحديث النبوي: “تصالحون الروم عشر سنين صلحاً أمناً يفون لكم سنتين ويغدرون في الثالثة… فيقول قائلهم: الصليب غلب فيتداولونها ساعة فيغضب المسلمون وصليبهم منهم غير بعيد فيثور مسلم إلى صليبهم فيدقه -يعني: يكسره- …”(5).
وعلى أثر هذه الفتنة
يشتعل لهيب الصراع الطائفي عالمياً بين الإسلام والمسيحية. وتتحرك مرة أخرى أساطيل الجيوش الأوروبية بكل ثقلها نحو بلاد المسلمين. متخذة من هذه الفتنة ذريعة لشن حربها العدوانية الظالمة على الإسلام. بقيادة اثنتي عشرة دولة أوروبية متحالفة ضد المهدي عجل الله فرجه. كما جاء في الحديث النبوي: “إنهم يأتون اثنا عشر راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً، فيجتمع المسلمون إلى صاحبهم في بيت المقدس..”(6).
أما اليهود فيجمعون قواهم المبعثرة في العالم كله ليلتحقوا بحركة الدجال. التي تستهدف التشكيك بإمامة المهدي عجل الله فرجه وقدرته الإلهية. بهدف القضاء على ثورته. من خلال استخدام السحر والشعبذة وإحياء الأموات وإماتة الأحياء. وحينما يأخذ الصراع ضد الثورة المهدوية الطابع الديني والطائفي. كما خططت له دول الاستكبار العالمي المتسترة بالمسيحية، حينئذ يأتي دور المسيح عليه السلام. فينزل من السماء إلى الأرض لتحقيق الأهداف التالية:
الهدف الأول:
التأكيد على خلافة المهدي عجل الله فرجه الإلهية، وشرعية ثورته من خلال اعتراف السيد المسيح عليه السلام المعلن بإمامته وأهليته لقيادة البشرية بعد الاقتداء به في صلاته ببيت المقدس لقطع الطريق على دعايات المسلمين المنافقين وطواغيت العرب المشككين بإمامته. وفي إطار ذلك يجب أن نفهم الأحاديث التي اعتبرت نزول المسيح عليه السلام من السماء دليلاً على إمامة المهدي عجل الله فرجه. ومنها ما جاء متواتراً من طرق أهل السنة حول اقتداء السيد المسيح بالمهدي في صلاته ببيت المقدس.
ففي الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: “… ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس، ينزل على المهدي فيقول: تقدم يا نبي اللّه فصل بنا، فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض”(7).
الهدف الثاني:
إحباط الفتنة الطائفية بين الإسلام والمسيحية. التي تتخذها الدول الأوروبية ذريعة لشن حرب عالمية على الأمة الإسلامية بهدف القضاء على ثورة المهدي فينزل المسيح عليه السلام من السماء لمواجهة طواغيت النصارى الصهاينة المتحالفين مع اليهود قتلة المسلمين
فيقوم بدوره الإلهي لفضحهم وكشف تلاعبهم بمصائر الشعوب والأمم النصرانية باسم المسيحية المزيفة. فيكشف السيد المسيح عليه السلام للعالم أن الصراع بين أديان السماء مفتعل من قبل طواغيت الأنظمة الاستكبارية التي لا علاقة لها بالأديان.
ففي الحديث النبوي الشريف أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله قال: “لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم إماماً مقسطاً، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، وتوضع الجزية. وتكون السجدة واحدة لرب العالمين، وتضع الحرب أوزارها، وتملأ الأرض من الإسلام كما تملأ الآبار من الماء… وترفع الشحناء والعداوة”(8).
وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وآله : “ويدعو الناس إلى الإسلام، فيهلك اللّه في زمانه المسيح الدجال. وتقع الآمنة على أهل الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان مع الحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون”(9). وبهذه الطريقة يدعو السيد المسيح عليه السلام النصارى في العالم الأوروبي إلى الإسلام، ويؤكد لهم أفضليته وأكمليته على الأديان كلها، باعتباره رسالة اللّه الخاتمة للبشرية.
ولا يكتفي السيد المسيح عليه السلام بطرح الشعارات، بل يدعو النصارى في العالم قاطبة إلى اعتناق الإسلام والتخلي عن المسيحية. فيأمرهم بكسر الصليب وقتل الخنزير. والاقتداء بالمهدي عجل الله تعالى فرجه بعد أن يعلن التحاقه بمعسكره. وتمسكه بنهجه والصلاة خلفه ببيت المقدس.
الهدف الثالث:
القضاء على مشروع الأعور الدجال. الذي يستهدف عودة بقايا حثالات اليهود في العالم الأوروبي إلى فلسطين مرة أخرى، لتحقيق حلمهم التوراتي المنشود بعد أن يسقط المهدي عجل الله فرجه دولتهم في إسرائيل. ومحاولة العودة هذه هي المعنية في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾.
وقد جاء في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله : “أن أكثر أتباع الدجال من اليهود وأولاد الأمهات”(10). وفي حديث آخر قال: “الدجال أول من يتبعه سبعون ألفا من اليهود.. ومعه سحرة اليهود يعملون العجائب ويراها الناس فيضلونهم بها”(11). ويخرج الدجال في عصر يشهد فيه علم السحر والشعبذة أوج تطوره.
لكن اللّه سبحانه وتعالى سيحبط سحر الدجال وشعبذته بالمعاجز التي يجريها في آخر الزمان. على يد نبي اللّه عيسى بن مريم عليهما السلام حين ينزل من السماء لمناصرة المهدي عجل الله فرجه وذلك لسببين:
الأول:
لأن القوى التي تقف وراء حركة الدجال تمثل الدول المسيحية الكبرى في العالم.
الثاني:
لأن معجزة عيسى التي اشتهر بها بين المسيحيين. هو إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وهي من الكرامات التي يدعي الدجال اختصاصه بها.
وللقضاء على هذه المؤامرة يقوم عيسى بن مريم عليهما السلام بسحق حركة الدجال وقتله بفلسطين كما جاء في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله: “يخرج الدجال.. بفلسطين بباب لد فينزل عيسى عليه السلام فيقتله”(12).
(1) النساء 159.
(2) التوبة 32 – 33.
(3) عقد الدرر 227.
(4) الغيبة للنعماني 194.
(5) الفتن لابن حماد 337/1267، مسند أحمد 4/91.
(6) المستدرك 4/551.
(7)السنن الواردة 240/686، صحيح مسلم كتاب الإيمان لكنه بدل كلمة المهدي بكلمة إمامهم.
(8) مصنف عبد الرزاق 11/401/20844.
(9) المستدرك 2/651/4163.
(10) الدر المنثور 5/354.
(11) كنز العمال 14/617/39726.
(12) كنز العمال 14/311/23878، مجمع الزوائد 7/838 قال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير الحضرمي وهو من الثقات.