عبد اللّه بن صوريا الفطيوني من بني ثعلبة بن فطيون، أحد علماء وأحبار اليهود المعاصرين للنبي (ص) إبّان الدعوة الإسلاميّة. كان أعلم أهل الحجاز بالتوراة، وكان أعور، ويسكن فدك. وكافرا جاحدا للنبيّ (ص).
وقد روي أن النبي (ص) جاء يوما إلى بيت المدارس – البيت الذي كان اليهود يدرسون فيه – فقال (ص): أخرجوا إليّ أعلمكم، فقالوا: هو عبد اللّه بن صوريا، فاستدعاه النبي (ص) وخلا به، فناشده بدينه وبما أنعم اللّه عليهم، وبإطعامهم المنّ والسلوى، وبإظلالهم الغمام، ثم قال (ص): أتعلم أنّي رسول اللّه؟ فقال ابن صوريا: اللهم نعم، وأنّ القوم ليعرفون ما أعرف، وأنّ صفتك ونعتك لمبيّن في التوراة، ولكن حسدوك.
فقال النبي(ص): فما يمنعك أنت؟ قال: أكره خلاف قومي، عسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم . شملته الآية 97 من سورة البقرة: {قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً}.
فما حكاية ابن صوريا؟ وما هو سبب عداوته لجبريل (ع) والملائكة؟
وللإجابة عن هذا التساؤل: إن اليهود زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم، حيث قالوا: إن جبريل يأتي بالخسف والدمار والهلاك. وميكائيل يأتي بالخير والنماء.
وإنهم مع شيخهم ابن صوريا، حين ضاقت بهم السبل وأعياهم الرد حين أجابهم الرسول(ص) عن كل أسئلتهم، وما تحدث به (ص) موجود عندهم في التوراة، لكنهم امتنعوا الدخول بالإسلام، والسبب سؤال وجهه ابن صوريا للرسول (ص): أي ملك يأتيك بما ينزل الله عليك؟ قال (ص): جبريل. قال ابن صوريا: ذاك عدونا ينزل بالقتال والشدة والحرب، وميكائيل ينزل باليسر والرخاء، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك لآمنا بك!!
فهم يدافعون عن أقوام غضب الله عليهم وأفناهم بمعاصيهم، ويعتزون بهم وبما اقترفوا، وهذا نابع من عدم صدق إيمانهم ولجاجهم والحسية المادية التي يسيرون عليها، ولا يختلف تفكيرهم اليوم عن تفكير أسلافهم المعاندين اللجوجين الجدلين، قاتلي أنبياء الله والمؤمنين.
ومما يؤكد تلك الصفات التي يحملونها فهم يعتبرون الملائكة مصدر الأحكام الإلهية! والقرآن الكريم يصرح بأن الملائكة ينفذون أوامر الله ولا ينحرفون عن طاعته، ولا يعصون الله ما أمرهم. فهل يأتي جبريل أو ميكال أو الملائكة عليهم السلام بشيء من عندهم؟! والحقيقة أنهم يهربون من ثقل التكاليف الإلهية، وعداؤهم لروح القدس الأمين (ع) هو نتيجة الإعراض عن الحق بحجج واهية مردودة عليهم. وما رغبتهم في أن يكون ميكائيل (ع) أمينا للوحي، إلا من أجل مصالحهم المادية المحسوسة وشهواتهم الدنيوية (وميكائيل ينزل باليسر والرخاء). فطبيعة تفكيرهم هو أن موقف الإنسان من الله وملائكته ورسله ومن جبرئيل وميكائيل، يقبل التفكيك، وهو عكس ما جاءت به كل الكتب السماوية، وعلى ضوء هذا التفكيك راحوا يجسمون الذات الإلهية وينسبون قدرات للملائكة بمعزل عن الله جل وعلا، فالأوامر الإلهية الباعثة على تكامل الإنسان، تنزل عن طريق الملائكة على الرسل، وإن كان بين مهمات الملائكة اختلاف، فذلك يعود إلى تقسيم المسؤوليات لا إلى التناقض بين المهمات، لذلك صرح القرآن الكريم إن اتخاذ موقف معاد من أحد الملائكة هو عداء لله سبحانه.
وكتحصيل حاصل فإنهم لا يؤمنون بأي كتاب سماوي، بما فيها التوراة التي يدّعون أنهم حملتها. لذلك وضعوا تفسيرات للتوراة وفق ما يشتهون وهو التلمود، الذي هو صناعة عقل يهودي ينجذب نحو المادة دون الما ورائيات. وهم ابتداءً من زمان موسى (ع) ومرورا بعصر خاتم الأنبياء (ص)، مرة يكرهون بعض الملائكة ويحبون آخرين وفق ما تشتهي أنفسهم، ومرة يجعلون الملائكة إناثا، وأخرى يجعلونهم رجالا، فعلى سبيل المثال يقولون: إن اسم جبرئيل عبري يعني في لغتنا العبرية (رجل الله) أو قوة الله، (جبر: تعني الرجل أو القوة، وئيل بمعنى الله). ويعطون للملائكة صفات ما أنزل الله بها من سلطان، ففي كتاب دانيال نجد وصف جبرائيل (ع) بأنه الغالب لرئيس الشياطين، ووصف ميكائيل بأنه حامي قوم بني إسرائيل. فمنذ موسى (ع) حتى يومنا هذا يعرضون عن الحق بألوان الحجج الواهية. فالجيل الصهيوني الجديد يرتضع مما جاءه في التلمود ويعتز ويعمل به، وكل ما في التلمود ومكوناته كالمنشا والقبالاه والنبوآت التي فيه كنبوءة إشعيا وغيرها، تدعو للدم وتنمي الحقد وشهوة القتل وعشق الماديات والتعلق بالدنيا، فلا غرابة أبدا أن نجد جنديا صهيونيا مثليّا من قوم لوط يتصل بزوجه الجندي في جبهة أخرى من المعارك ويخبره أنه يبحث الآن عن طفل مسلم في غزة ليذبحه، ويضيف: أنه قتل فتاة غزاوية بعمر اثني عشرة سنة، لكن ذلك لن يشفي غليله، وينهي مكالمته ضاحكا: ما زال البحث جاريا. وغيرها العشرات من التصريحات لمسؤولي هذا الكيان الدموي – السياسيون منهم أو العسكريون – المبنية على تلك التوجيهات التلمودية الدموية التي يتخذونها عقيدة.