Search
Close this search box.

ظهر الفساد

ظهر الفساد

بقلم : عامر ملا عيدي

قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم 41.
تمثل اليابسة ربع مساحة الكرة الأرضية، وتمثل المياه والبحار ثلاثة أرباعها. وتعيش البشرية كلها في الربع اليابس على مر العصور والأزمان، أي منذ الخليقة الأولى حين أهبط الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام. وكذا بعد طوفان نوح النبي عليه السلام، وبنى الإنسان حضاراته المتعاقبة على الربع اليابس منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا، وحدثنا القرآن الكريم عن الأقوام السالفة وكيف عاشت وماذا مارست وما جرى عليها، لنستفيد منه النتائج المترتبة على عمل كل قوم وأمة من خلال سنن التاريخ.
إذا، كل ما أتانا عن الأقوام الغابرة سماويا أو تاريخيا، يقول كانت فعالياتهم على البر، فما معنى قوله تعالى عن تزامن ونمو الفساد في البر و(البحر) بوتيرة واحدة؟ علما أن الإنسان مصدر الفساد (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) البقرة 30، ولم يعش في المياه والبحار والمحيطات؟! كما لم يحدثنا القرآن وأي مصدر ديني أو تاريخي أو علمي أن الكائنات البحرية التي خلق الله كل كائن منها لحكمة ودور يؤديه (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر 49، قد مارست أي دور للفساد.
فأي نوع من الفساد مارسه الإنسان في البحر؟ ولأي فئة من البشر ينتمي المفسد في البحر؟
للجواب نقول: إن الفساد في البحر أخطر وأكبر من الفساد في الأرض إن لم يكن بمستواه، ولنأخذ مثالا من عالم اليوم لتقريب المعنى الواقعي للفساد في البحر، فالتجارب النووية وكذا النفايات النووية، كلها تلقى في البحار والمحيطات، الأمر الذي أدى لهلاك مليارات الأحياء البحرية التي تحافظ على توازن الطبيعة في الأرض، إضافة للتلوث النووي والإشعاعي الخطير على كائنات المياه التي تعتبر من مصادر الغذاء الرئيسية للإنسان على الأرض دون استثناء. ففي العصور القديمة كانت البحار والمحيطات تنقل الجند والأسلحة من منطقة إلى أخرى على اليابسة للاحتلالات والهيمنة وسفك الدماء والإبادة، بمعنى اتخاذ البحر وسيلة للفساد على اليابسة، واليوم تطور هذا الفساد إضافة لما ذكرناه من مثال، فخطوط الأنترنت التي هي سلاح ذو حدين، وحدّها المفسد أكثر من النافع، تمتد عبر البحار والمحيطات، كما تستقر الغواصات النووية في قيعان وأعماق البحار والمحيطات لأغراض الحروب والهيمنة والاستحواذ على خيرات الشعوب واستخدامها للفساد وبناء حضارة المادة الإسمنية الملونة، بعيدا عن أية قيمة أخلاقية أو دينية أو تربوية، ونتائج هذا الفساد مضاف إليه فساد اليابسة أنتج لنا ما تعانيه البشرية اليوم من دمار على مستوى الشخصية الإنسانية في كل المجالات، والتي يطول ذكرها، وتتنوع مصاديقها، ونترك للقارئ الكريم تشخيصها كل حسب فهمه وإدراكاته المعرفية.
والآن نأتي على تسمية قادة الفساد وجنده في الأرض، برّها وبحرها، فمن هم؟ وبما أننا مسلمون والقرآن الكريم مرجعيتنا الأولى في المعرفة، والذي شخص عنصر الفساد المستمر منذ بعثة موسى (ع) وإلى يومنا هذا، أي منذ عصر نزول الكتب السماوية إلى الوقت الحاضر، وذلك بعد هلاك الأقوام المفسدة في المقاطع الزمنية التي سبقت كليم الله (ع) واندثارها، فالقرآن الكريم شخص بشكل دقيق هذه الفئة بقوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) الإسراء 4.
فكان فسادهم الأول مع كل نبي عاصروه أو قتلوه، وأقاموا الأسواق والاحتفالات حين قتلوا من اصطفاهم الله للبشرية، وما فعلوا من همجيات دموية ومادية وإلحادية لا يمكن حصرها بمقال، واليوم يتخذ هؤلاء من الصهيونية التلمودية الدموية والملحدة مرتكزا وخيمة يعملون تحتها، فيسيطرون على المال العالمي والخيرات في البحار واليابسة، ويغتصبون الأرض، ويتحكمون بأغلب الحكومات عبر لوبيّات وكارتلات إقتصادية كبرى ومؤامرات سياسية وعناصر بشرية سائرة في ركابهم، وما يعرفه القارئ من جرائم ومشاريع ومخططات تستهدف الإنسان – كل الإنسان دون استثناء – الكثير، حيث تبعده عن نداء الفطرة الإنسانية، وتستعبده بأنواع القتل والتدمير والعبوديات.
ولكن ما هو الحل؟!
الحل الوحيد لإزالة فساد البحر والبحر والمفسدين، هو قوله تعالى: (فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلٰالَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا) الإسراء 4. لتكون النتيجة (وَلَقَدْ كَتَبْنٰا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ الصّٰالِحُونَ) الأنبياء 105. فهو وعد إلهي غير مكذوب، وهو ما نشهده اليوم في محور الإيمان والمقاومة، وفي الحديث عنه تفصيل.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل