بقلم : عامر ملا عيدي
خاتم سليمان أنموذجا
كلنا يعرف الإسرائيليات والأمويات، وكيف دخلت تاريخنا الروائي وشوّهت الكثير من معالمه لأغراض عدائية وسلطوية ونفعية. وقد حقق علماء الإسلام بمختلف مذاهبهم الكثير منها، وأثبتوا فسادها وتحريفها وإنها موضوعة بما تحمله من دسّ مقصود. ولكن هل هناك إسرائيليات حديثة تشق طريقها اليوم نحو الفكر الإسلامي لتركن كسرطان في جوانبه المعرفية؟
نموذج قديم
يُروَى عن ابن عباس، قال: (كان الذي أصاب سليمان بن داود في سبب أناس من أهل امرأة يقال لها جرادة، وكانت من أكرم نسائه عليه، قال: فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدًا. قال: وكان سليمان بن داود إذا أراد أن يدخل الخلاء، أو يأتي شيئا من نسائه، أعطى الجرادة خاتمه، فلما أراد اللَّه أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه، فجاء الشيطان في صورة سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي، فأخذه فلبسه، فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس، قال: فجاءها سليمان، فقال: هاتي خاتمي، فقالت: كذبت، لست بسليمان، قال: فعرف سليمان أنه بلاء ابتلي به، قال: فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها فقرأها على الناس، وقالوا: إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب، قال: فبرئ الناس من سليمان وأكفروه، حتى بعث اللَّه محمدًا – صلى الله عليه وسلم – فأنزل جل ثناؤه: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان – يعني الذي كتب الشياطين من السحر والكفر – وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) البقرة: 102
نموذج آخر
رُوِي عن شهر بن حوشب قال: «لما سُلِب سليمان ملكه، كانت الشياطين تكتب السحر في غيبة سليمان. فكتبت: (من أراد أن يأتي كذا وكذا، فليستقبل الشمس وليقل كذا وكذا، ومن أراد أن يفعل كذا وكذا، فليستدبر الشمس وليقل كذا وكذا). فكتبته وجعلت عنوانه: (هذا ما كتب آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم). ثم دفنته تحت كرسيه، فلما مات سليمان، قام إبليس خطيبا، فقال: يا أيها الناس، إنَّ سليمان لم يكن نبيا، وإنما كان ساحرًا فالتمسوا سحره في متاعه وبيته، ثم دلَّهم على المكان الذي دفن فيه، فقالوا: والله لقد كان سليمان ساحرا، هذا سحره، بهذا تعبَّدنا، وبهذا قهرنا، فقال المؤمنون: بل كان نبيا مؤمنا، فلما بعث اللَّه محمدًا – صلى الله عليه وسلم -، جعل يذكر الأنبياء حتى ذكر داود وسليمان، فقالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل يذكر سليمان مع الأنبياء وإنما كان ساحرا يركب الريح، فأنزل اللَّه تعالى: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان) البقرة: 102
وقد تم تحقيق هاتين الروايتين من قبل ثلة من العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية، وردوهما، وصرحوا بأنهما قصتان وروايتان واهيتان ومنكرتان، ولا أصل لهما عن النبي(ص)، بل هما من الأخبار المقطوعة والموقوفة والمنكرة، إضافة لكون الرواية الثانية هي من الأخبار التي أوردها ابن جرير، وقد أسندها، ومن التخريج (كما قال المحققون والعلماء) يتبين أن جميع طرق القصة لم يوجد بها الخبر الصحيح المسند.
الإسرائيليات الحديثة
ترتضع الإسرائيليات الحديثة من الإسرائيليات القديمة، وتتعكز عليها رغم ردّها ووضعها في خانة المدسوسات والأكاذيب، ليقوم بعض الكتاب المعاصرين بأخذها ووضع مطابقات وشواهد لها من الواقع، أي يقحمها ويحشرها عنوة بالواقع، لتؤشر بوصلة مقالاتهم – تلميحا وتصريحا – دائما باتهامات واهية للمقاومة بشكل عام، والشيعة بشكل أخص.
نموذج (إسرائيلية) حديث
كتب فتحي محمود في موقع الأهرام المصري، لا أدري ماهي مشاعر نبي الله سليمان لو علم أن اسمه سيرتبط في يوم من الأيام بعمليات قتل وإرهاب وصراعات بين شياطين البشر، بعدما كان يسخر شياطين الجن والرياح والحيوانات والطيور في أعمال البناء والتعمير، بقدرة الله سبحانه وتعالى عبر خاتم يحمل اسم الله الأعظم، ليكون بذلك أقوى مخلوق على كوكب الأرض، وبسبب ذلك يظل خاتم سليمان رمزا للقوة الخارقة على مر التاريخ، وأملا لكل من يحلم بامتلاك تلك القوة، وأسطورة مهمة في التراث الشيعي على وجه الخصوص. فمن المرويات عند الشيعة الاثني عشرية أن خاتم سليمان كان لدى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعندما مر به سائل وهو يصلي ولم يكن لديه شيء يتصدق به، أعطاه الخاتم، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأرسل خلف السائل من يشتري منه الخاتم ورده إلى سيدنا علي، وهذا الخاتم تناقله الأئمة الإثني عشر وهو الآن، حسب المعتقد الشيعي، موجود لدى الإمام الغائب المهدي المنتظر وسيستخدمه عند ظهوره في السيطرة على العالم.
لذلك تشبها بالإمام علي وبالمهدي المنتظر يحرص كبار قادة الشيعة على لبس خاتم من العقيق اليمني السليماني، وهو موجود لمن يلاحظ في يد مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وفي يد قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الذي لقي مصرعه في ضربة أمريكية ببغداد، وإذا كان خاتم سليماني هو كلمة السر في الكشف عن جثة صاحبه، فهو يكشف أيضا عن فصل جديد ومستمر من فصول الأمن القومي العربي المستباح، بعد أن أصبحت الأراضي العربية مسرحا للصراع الامريكي الإيراني، على حساب المواطن العربي.(انتهى).
فلينظر المسلم كيف تلصق تهمة بالمسلمين وأتباع أهل البيت (ع)، وذلك باستخدام الإسرائيليات القديمة المردودة والمكذوبة، وإعادة توظيفها وتوجيهها نحو الشيعة، بكلمات منمّقة ظاهرها الرحمة والتديّن والاطلاع على التراث الروائي، وباطنها زرع الحقد والضغينة وتوجيه العقول نحو الدعشنة الفكرية، وذلك هو عين النفاق، وشكل من اشكال الدس وربما التخريف. كل هذا وغيره يحدث من أجل خدمة المشروع الإسرائيلي الأموي الجديد، هذا المشروع الذي تتفق عناصره المكونة له على ضرورة دق الإسفين بين المكونات المذهبية الإسلامية، وتأكيد زرع بذور التفرقة والإشمئزاز والتباعد داخل الصف الإسلامي، والإبقاء على عدم التقارب والتوحد في مواجهة التحديات المصيرية التي تواجه خير أمة أخرجت للناس. وصحيح جدا حين يقال: إن المحنة تكشف الصديق من العدو، فقد كشفت محنة أحرار المسلمين في حلقة مواجهة داعش والفكر التكفيري، وكذا في حلقة غزة الآن مع الكيان الغاصب، من يقف في صف محمد (ص) ومن يقف في صف التلمود، ليتخذ دور الضد النوعي، ويلعب دور المنافق، متعكزا على مدسوسات إسرائيلية أموية. وأخيرا: الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى.