كان الحسين (عليه السّلام) يُشبَّهُ بجدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) في الخِلْقة واللونِ، ويقتسمُ الشَّبَهَ به (صلّى الله عليه وآله) مع أخيه الحَسَن (عليه السّلام).
ولا غَرْوَ فهما فِلقتان من ثمرة واحدة من الشجرة التي قالَ فيها رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله): «أنا الشجرة، وفاطمة أصلها ـ أو فرعها ـ وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها؛ فالشجرة أصلها في جنّة عَدْن، والأَصل والفرع واللقاح والثمر والورق في الجنّة»([1]).
روى ذلك عبد الرحمن بن عوف قائلاً: ألا تسألوني قبل أن تشوبَ الأحاديثَ الأباطيلُ؟!
فالحسنُ أشبَهَ جدَّه ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبهه ما كان أسفل من ذلك من لدن قدميه إلى سرّته.
وكان الإمام عليّ (عليه السّلام) يُعلنُ عن ذلك الشَبَه ويقول: «مَن سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما بين عنقه وثغره فلينظر إلى الحسن. ومَن سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما بين عنقه إلى كعبه خَلقاً ولوناً فلينظر إلى الحسين بن عليّ».
وقال في حديث آخر: «اقتسما شَبَهَهُ»([2]). ليكون وجودهما ذكرى وعبرةً استمراراً لوجود النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في العيون، مع ذكرياته في القلوب، وأثره في العقول، وعبرةً للتاريخ، يتمثّل فيه للقاتلين حسيناً، والضاربين بالقضيب ثناياه، إنهم يقتلون الرسول ويضربون ثناياه.
ولقد أثار ذلك الشَّبَهُ خادِمَ الرسول أنسَ بن مالك لَمّا رأى قضيبَ ابن زياد يَعْلو ثنايا أبي عبد الله الحسين حين اُتي برأس الحسين، فجعلَ ينكتُ فيه بقضيب في يده، فقال أنس: أما إنّه كانَ أشبههما بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله).
الخُلق العظيم:
حِجْرُ الزهراء فاطمة بنت الرسول (صلّى الله عليه وآله) ذي الخلق العظيم، هو خير مهد لتربية أولادها على ذلك الخلق، وأكرم به.
ولكن لمّا رأت الزهراء (عليها السّلام) والدها الرسول (صلّى الله عليه وآله) محتضراً، وعلمتْ من نبئهِ بسرعة لحوقها به، هبّتْ لتستمدّ من الرسول (صلّى الله عليه وآله) لأولادها الصغار المزيدَ من ذلك. واجتهدتْ أن تطلبَ من أبيها علانية ـ حتّى يتناقل حديثها الرواة ـ أن يُورِّث ابنيها.
أتَتْ فاطمةُ بنت النبي (صلّى الله عليه وآله) بابنيها إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في شكواه التي توفّي فيها ـ فقالت: يا رسول الله، هذانِ ابناكَ تورّثهما شيئاً؟ ـ أو قالت: ـ ابناك وابناي، انحلهما. قال (صلّى الله عليه وآله): نعم
أمّا الحسن فقد نحلتُه هَيْبتي وسُؤددي. وأمّا الحسين فقد نحلتُه نَجدتي وجُودي.
قالتْ: رضيتُ يا رسول الله.
لقد ذكّرتْ الزهراءُ فاطمة أباها الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) بالإرث منه. فوافقها بقوله: «نعَم».
ولم يقل لها: «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث».
فإنّ الزهراءَ (عليها السّلام) الوارثة أوْلى بأنْ يُذكر لها عدم الإرث لو كان، ومع أنّ ابنيها الحسنين لا يرثان من حيث الطبقة من جدّهما مع وجود اُمّهما بنت النبي (صلّى الله عليه وآله)، فالنبي كذلك لم يعارض ابنته في طلبها، بل قال لها: «نعم».
لكن الذي يخلُد من إرث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) هو الخلُق العظيم دون حُطام الدنيا الزائل، وهو أشرف لهما؛ ولذلك رضيت الزهراءُ (عليها السّلام) لابنيها من الرسول (صلّى الله عليه وآله) إذ نحلهما ـ أيضاً ـ أهمّ الصفات الضروريّة للقيادة الإلهيّة:
الحلم، والصبر على الشدائد، والهيبة، والسؤدد، والجلالة للحسن الممتَحن في عصره بأنواع البلاء، فأعطاه ما يحتاجه الأئمّة الصابرون.
والشجاعة، والجرأة، والنجدة، والجود للحسين الثائر في سبيل الله لإعلاء كلمته، فأعطاه ما هو أمسّ للأئمة المجاهدين.
الطهارة الإلهيّة:
وإذا تقرّرَ في اللوح أن يكونَ الإمامُ الحُسَين (عليه السّلام) من الأئمّة الّذين تجب طاعتهم، فإنّ الوحيَ الذي عاش الحسينُ في ظلّه؛ حيث كان بيتُ الرسالة مهبطَهُ، تنزلُ آياتُه على جدّه، وهو يحبُو في أفنانه، لا بُدّ وأن يؤكّد ما تقرّر في اللوح.
وكذلك كان، فهذه اُمّ المؤمنين اُمّ سلمة تقول: نزلت هذه الآية في بيتي: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وفي البيت سبعة: جبريل وميكائيل، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعليّ وفاطمة، والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
قالت: وأنا على باب البيت، فقلت: يا رسول الله ألستُ من أهل البيت؟
قال: «إنّك على خير، إنّك من أزواج النبيّ (صلّى الله عليه وآله)» وما قال: «إنّك من أهل البيت»([3]).
وفي حديث آخر: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان عند اُمّ سلمة، فجعَل الحسنَ من شقّ، والحسين من شقّ، وفاطمة في حجره، فقال: «رحمةُ اللهِ وبركاتُه عليكم أهلَ البيتِ إِنَّه حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
وكان موعدُ المباهلة عندما أمر الله رسولَه بقوله: (فَقُلْ تَعَالَواْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ).
فإنّ الإمام عليّاً (عليه السّلام) قال: «خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين خرج لمباهلة النصارى بي وبفاطمة والحسن والحسين»([4]).
ثم قال النبي (صلّى الله عليه وآله): «هؤلاء أبناؤنا ـ يعني: الحسن والحسين (عليهما السّلام) ـ وأنفسنا ـ يعني: عليّاً (عليه السّلام) ـ ونساؤنا ـ يعني فاطمة (عليها السّلام) ـ».
وإذا وقفوا مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في هذا الموقف الخاصّ العظيم فلا بُدّ أن يتّسمَ الواقفون معه بما يتّسم به من الطهارة والقُدس والعظمة.
الحسين (عليه السلام) سماته وسيرته، السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
([1]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 3 ـ 124.
([2]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 3 ـ 124.
([3]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 120.
([4]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 123.