عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ [الباقر] (عليه السلام): يَابْنَ رَسُولِ اللَّه، هَلْ تَعْرِفُ مَوَدَّتِي لَكُمْ، وانْقِطَاعِي إِلَيْكُمْ، ومُوَالاتِي إِيَّاكُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ (عليه السلام): «نَعَمْ». قَالَ: فَقُلْتُ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةً تُجِيبُنِي فِيهَا، فَإِنِّي مَكْفُوفُ الْبَصَرِ، قَلِيلُ الْمَشْيِ، ولَا أَسْتَطِيعُ زِيَارَتَكُمْ كُلَّ حِينٍ. قَالَ (عليه السلام): «هَاتِ حَاجَتَكَ». قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِدِينِكَ الَّذِي تَدِينُ اللَّهَ عزَّ وجلَّ بِه أَنْتَ وأَهْلُ بَيْتِكَ، لأَدِينَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ بِه. قَالَ (عليه السلام): «إِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ، فَقَدْ أَعْظَمْتَ الْمَسْأَلَةَ، واللَّهِ لأُعْطِيَنَّكَ دِينِي ودِينَ آبَائِيَ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ عزَّ وجلَّ بِه: شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه، والإِقْرَارَ بِمَا جَاءَ بِه مِنْ عِنْدِ اللَّه، والْوَلَايَةَ لِوَلِيِّنَا، والْبَرَاءَةَ مِنْ عَدُوِّنَا، والتَّسْلِيمَ لأَمْرِنَا، وانْتِظَارَ قَائِمِنَا، والِاجْتِهَادَ والْوَرَعَ»[1].
يُبيِّنُ الإمامُ الباقرُ (عليه السلام) -في هذهِ الرواية- أركانَ هذا الدينِ الذي بهِ يقومُ، والذي على المؤمنِ أنْ يوطِّنَ نفسَه على الاعتقادِ والعملِ به؛ ومِنْ أهمِّ هذهِ الأركانِ مسألةُ «انتظار قائمِنا». ولكي يتحقَّقَ هذا الانتظارُ، لا بدَّ مِنْ مراقبةِ الإنسانِ نفسَه، حتَّى لا يقعَ في أحدِ أمورٍ ثلاث:
1. الاستعجال: إنَّ أصحابَ الانتظارِ هُمْ أهلُ التسليمِ للهِ عزَّ وجلَّ؛ إيماناً بحِكمتِه، ففي الروايةِ عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ كثير، قال: كنتُ عندَ أبي عبدِ اللَّهِ (عليه السلام) يوماً، وعندَهُ مِهْزَمٌ الأسديّ، فقال: جعلني اللَّهُ فداك! متى هذا الأمرُ الذي تنتظرونَه، فقدْ طالَ علينا؟ فقال: «يا مِهزَم، كذبَ الوقّاتون، وهلكَ المستعجلون، ونجا المُسلِّمون، وإلينا يصيرون»[2].
2. التبدُّلُ ونقضُ العهد: فزمانُ الغَيبةِ هوَ زمانُ التمحيصِ والغربلة، ولا بدَّ منْ أنْ تمُرَّ شدائدُ حتَّى يُميَّزَ الصادقُ منَ الكاذب، ففي كلامٍ لأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، ولَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ، وأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ، ولَيَسْبِقَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا»[3].
3. اليأسُ وفقدانُ الأمل: فإنَّ الأملَ بالفرجِ، وهوَ ما يبني عليه المؤمنُ مع اعتقاده أنَّه بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام)، عنْ آبائِه، عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) أنَّه حدَّثَ أصحابَه بأربعمئةِ وصيَّة، منها: «انتظروا الفَرَج، ﴿ولا تيأسوا منْ رَوْحِ اللَّه﴾[4]؛ فإنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللَّهِ عزَّ وجلَّ انتظارُ الفَرَجِ ما دامَ عليهِ العبدُ المؤمن»[5].
وما يبعثُ على الأملِ هوَ أنْ يَستحضرَ المؤمنُ -دائماً- أنَّ هذا الانتظارَ يتمثَّلُ بالعملِ بالتكليفِ الإلهيِّ الذي أُمِرَ بِه، فهوَ منْ أفضلِ الأع مالِ وأحبِّها، ومنْ مصاديقِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلّ، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أفضلُ أعمالِ المرءِ انتظارُ الفَرَجِ مِنَ اللَّهِ عزَّ وجلّ»[6]، وفي روايةٍ أخرى أنَّه أحبُّ الأعمال، وفي روايةٍ ثالثةٍ أنَّه أفضلُ العبادةِ، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أفضلُ العبادةِ الصبر، والصمت، وانتظارُ الفَرَج»[7].
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى حُجَّتِكَ فِي أَرْضِكَ، وَخَلِيفَتِكَ فِي بِلادِكَ، الدَّاعِي إِلى سَبِيلِكَ، وَالقائِمِ بِقِسْطِكَ، وَالفائِزِ بِأَمْرِكَ، وَلِيِّ المُؤْمِنِينَ، وَمُبِيرِ الكافِرِينَ، وَمُجَلِّي الظُّلْمَةِ، وَمُنِيرِ الحَقِّ، وَالصَّادِعِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَالصِّدْقِ، وَكَلِمَتِكَ وَعَيْبَتِكَ وَعَيْنِكَ فِي أَرْضِكَ، المُتَرَقِّبِ الخائِفِ، الوَلِيِّ النَّاصِحِ، سَفِينَةِ النَّجاةِ، وَعَلَمِ الهُدى، وَنُورِ أَبْصارِ الوَرى، وَخَيْرِ مَنْ تَقَمَّصَ وَارْتَدى، وَالوِتْرِ المَوْتُورِ، وَمُفَرِّجِ الكَرْبِ، وَمُزِيلِ الهَمِّ، وَكاشِفِ البَلْوى، صَلَواتُ الله عَلَيْهِ وَعَلى آبائِهِ الأَئِمَّةِ الهادِين[8].
ختاماً، نباركُ لوليِّ أمرِ المسلمين وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى الولادةِ العَطِرةِ للإمام المهدي الموعود صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرجَه الشريف).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص22.
[2] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص426.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص369.
[4] سورة يوسف، الآية 87.
[5] الشيخ الصدوق، الخصال، ج2، ص616.
[6] الشيخ الصدوق، الخصال، ج2، ص621.
[7] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ص201.
[8] راجع: العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج99، ص101 – 102.