إننا نعيش في حياة مليئة بالتقلبات والتحديات والمصاعب وهي تسير بالإنسان إلى الخسران والانحدار، فنحتاج إلى أن نلجأ لمن ينتشلنا من السقوط فنستغيث بالله تعالى لأنه المغيث إلى برّ الأمان..
إن الله عزّ وجل أعاننا على ذلك، ولذلك علينا أن نتوسّل بعون الله كما في الدعاء: “بِعَوْنِكَ يا غِياثَ المستغيثين َ”..
ولكن كيف أعاننا الله تعالى لينقذنا من تحديات الحياة؟
الإجابة تتلخص في قوله تعالى:- {وَلَكِنَّ الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان}..
إن الله تعالى أودع في الإنسان الشعور بالحب والكره.
ليعبران عن إحساسنا بالميل والانجذاب إلى الأشياء أو إحساسنا بالنفور والاستياء منها. فإذا أحببت شيئاً سوف تميل إليه وتتقرب نحوه وتسعى للحصول عليه، فإن كان من البشر التصقت به وأدمت العشرة معه. وإن كان عملاً فإنك سوف تديم المزاولة عليه..
وفي حالة الكره سيكون العكس تماماً فستحاول التباعد وعدم أداء ما تكرهه وعدم مصاحبة الشخص الذي تنفر منه..
وهذه الخاصية الإنسانية التي أودعها الله تعالى في الإنسان. لم تكن استثناء من علاقة الإنسان بالإيمان وبالدين، فإن الله تعالى تشريعاً وتكويناً جعل الإيمان محبّباً للنفس الإنسانية ومنسجماً معها. بحيث يفي بجميع متطلباتها دون نقص، ففي الأحكام مثلاً هنالك الجانب الذي يغذي الروح وهنالك الجانب الذي يشبع الجسد بحالة متوازنة ودقيقة. فأحلّ الله لك الطيبات وحرّم عليك الخبائث. وأحلّ لك ما ينفعك في صحتك وفي معاشك. وحرّم عليك ما يضرّك وما يفسد صحتك وغيرها من المكاسب الطيبة المتوافرة في الحياة.
كما قال تعالى:- {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ في الحياة الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}..
أي أن القاعدة الكلية أن الله تعالى ميّز بين البشر وبين سائر المخلوقات. وخصّهم بهذه الخاصية كما قال عزّ شأنه:- {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ الْبر وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}..
كذلك في جانب الكره
فقد كرّه الله إلينا ما فيه ضرر علينا وما يفسد معاشنا وما يؤذي أجسادنا. فحرّم الخبائث من الأكل، وحرّم الاعتداء على الآخرين، وحرّم غشّ الناس واستغلال ضعفهم، وحرّم ظلم العباد. كما قال عزّ وجل:- {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}..
لذلك يأتي الدعاء طلباً للغوث من الله تعالى بهذه العبارات المهمّة:- “اَللّهُمَّ حَبِّبْ إِلي فيهِ الإِحْسانَ”.. والإحسان من المصاديق العملية للإيمان، فدليل الإيمان القلبي هو الأثر العملي الذي يترشّح كنتيجة إيمانية. ومن أصدق الآثار هو روح العطاء والبذل والإحسان للآخرين.
كذلك :- “وَكَرِّهْ إِلي فيهِ الْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ” لتسأل الله تعالى أن لا يأخذك في طريق الانحراف عن الجادة وعن الفطرة بأن يجعل علاقتك القلبية مع الفسوق والعصيان علاقة كراهية. لتنفر منها وتبتعد بسهولة..
فإن العمل على خلاف الفطرة التي فطر الناس عليها بتبديل معادلة الحب والكره. هو مدعاة لسخط الله الموجب لأليم النار. وبذلك تغاث قلوب الناس من تحديات الحياة وإغراءاتها.