قبل فترة طلب الشيخ محسن قراءتي من قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي أن يحضر في إحدى جلسات درسه في البحث الخارج في الفقه ليُلقي على طلبة العلوم الدينية الحاضرين كلمةً حول ضرورة الاهتمام بتفسير القرآن الكريم في الحوزات العلمية وعن حالة هجر القرآن في المجتمع والبلاد. وقد رحّب الإمام الخامنئي بهذا الاقتراح فألقى سماحة الشيخ قراءتي كلمةً في بداية جلسة درس البحث الخارج في الفقه للإمام الخامنئي يوم الثلاثاء المصادف 17/04/2018 م.
وبمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك ـ موسم القرآن الكريم وربيعه ـ ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي النص الکامل للکلمة التي ألقاها سماحة الشيخ قراءتي خلال هذه الجلسة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين بعدد ما أحاط به علمه، اللهم صلّ على محمد وآل محمد، إلهي أنطقني بالهدى وألهمني التقوى.
كان عيداً وذهبنا لزيارة السيد [الإمام الخامنئي] ودارت حوارات [بيننا] وطلبنا من سماحته إذا كان كلامي هذا جيداً أن أسرده عليكم أنتم الطلبة أيضاً، والكلام كثيرٌ لكننا سنحاول تلخيصه في خمس عشرة دقيقة إلى عشرين دقيقة.
البلاد كلها تقريباً تتعبّأ وتتجيش لعيد النيروز، من قضايا الدجاج واللحم والبرتقال والتفاح وإدارة الطرق والطوارئ والهلال الأحمر و…، الكل يتعبّأون ويستعدون لأن العيد قادم، ويبقون مشغولين شهراً أو شهرين. ويحِلُّ شهر رمضان «قد أقبل عليكم شهر الله» فكم نحن مستعدون للقرآن؟ من أجل أن لا أخرج عن الموضوع والفكرة سأقرأ كلمتي عن الورقة. بسم الله الرحمن الرحيم. صفات القرآن كثيرة. أخصص دقيقة من وقتي لصفات القرآن: مُعلّمه الله «عَلَّمَ الْقُرْآنَ» (1). والواسطة جبرئيل (ع) «شَدِيدُ الْقُوَىٰ» (2). والمهبط قلبك. «ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ» (3). «إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (4)، «غَيْرَ ذِي عِوَجٍ» (5)، «فَأْتُوا بِسُورَةٍ» (6)، وإلى آخره. هذا هو تعريف القرآن.
ما هي مكانة القرآن في مجتمعنا؟ هذا القرآن الذي قال هو نفسه مرتين «خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ» (7) لنأخذ القرآن مأخذ الجد. هويتنا بالقرآن. في القرآن أربعة توبيخات: «كمثل الحمار» (8)، «كمثل الكلب» (9)، «كالحجارة» (10)، «كالأنعام» (11). ولكن ثمة في القرآن توبيخٌ حادٌ للغاية وهو قوله: فارغ وليس على شيء! يلقِّبُ الذين لا يقيمون الكتاب السماوي بأنهم فارغون. «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا» (12). وقد وردت كلمة الإقامة في القرآن حول أربعة أشياء: «أقيموا الدين» (13)، «أقيموا الصلاة» (14)، «أقيموا الوزن» (15)، «ولو أنهم أقامو التوراة» (16). حياتنا المادية أيضاً منوطة بهذا القرآن. يقول ولو أنهم أقاموا التوراة «لأكلوا» (17). حسنٌ، لو أقيم القرآن لأكلوا ثم أكلوا ثم أكلوا؛ أي إن شؤوننا المادية أيضاً رهنٌ بهذا القرآن. فالقرآن ذكر. «نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ» (18)، «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا» (19).
ربما كانت بعض مشاكلنا ومعضلاتنا بسبب أنَّ القرآن ليس الكتاب الأصلي بالنسبة لنا.
وربما كانت بعض مشاكلنا ومعضلاتنا بسبب أنَّ القرآن ليس الكتاب الأصلي بالنسبة لنا. يقول الله لرسوله إذا أردت إلقاء خطبة فيجب أن تتكلم عن القرآن. والآية الخاصة بذلك هي: «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ» (20).أي تبيين ما نزل. نعم هناك أيضاً أشعار ومنامات وتحليلات سياسية، لكن هذه أيضاً إذا اتصلت بالقرآن كانت لها قيمة. ذات مرة قال الإمام الخميني: صيانة النظام وحفظه من أوجب الواجبات، وأوجب حتى من الصلاة! فتعجّبت. ثم وجدتُ أنَّ القرآن يشير إلى أنَّ حفظ النظام أوجب حتى من الصلاة. لأن الذين قاموا من خطبتي صلاة الجمعة [وغادروها] نحو الشراء والتجارة يقول القرآن عنهم أنهم سيئوا الأدب. «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا» (21). ويتابع قائلاً «وتركوك». هؤلاء تركوا الرسول وحيداً. لم يقل «تركوها» وكان يُفترض أن يقول «ترك الصلاة» أو «ترك الخطبة». أي إنَّ الأسوء من ترك الخطبة وترك الصلاة هو ترك القائد السماوي. لذلك يقول «تركوك». على كل حال. ذهبتُ إلى أحد المساجد فوجدتهم لا يُردّدون [شعار] «الموت لأمريكا». فسألت ألا ترفعون هذا الشعار هنا؟ قالوا: لا، هنا مسجد المقدّسين، وكان عالمه [الشيخ المسؤول عن المسجد] عالماً فاهماً. فقلتُ لهم أريد أن أتحدث نصف دقيقة. فقال [الشيخ]: تحدث. فقلت: ذكر القرآن أربع صفات اثنتان منها في مسجدكم. يقول القرآن «أشداء على الكفار رحماء بينهم» (22). ثم يقول: «تراهم ركعاً سجداً» (23). في مسجدكم يوجد ركعاً وسجداً ولكن لا يوجد أشداء على الكفار ولا يوجد رحماء بينهم. لماذا لا يوجد؟ تتصورون أنكم مقدسون؟! فقال السيد [شيخ المسجد]: [كلامك] صحيح. وبذلك رفعوا هذا الشعار من حينها في ذلك المسجد. بمعنى لو أردنا دعوة الناس إلى الثورة فإنهم سوف يتقبلون ذلك إذا دخلنا من مدخل القرآن، أما إذا تحدثنا هكذا فسيقولون «هذا رأيكم على كل حال، ونحن لا نوافقكم هذا الرأي».
كان الكلام حول المرجعية، وفي خصوص المرجعية يتحدثون أكثر ما يتحدثون عن العلم والتقوى، وهذا [الكلام] حق، وهو [مذكور] في القرآن وشيء مقبول؛ شيءٌ نقبله ونضعه فوق رؤوسنا، ولكن ما عدا «الأعلم» و«الأتقى» ألا توجد في القرآن هذه الآية؟ «تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ» (24)، «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ» (25). لو لم يقل الإمام الخميني لشابور بختيار «إنني أصفع هذه الحكومة على فمها» هل كان شابور بختيار سيهرب؟ تفضّل سماحة قائد الثورة بالقول: إنَّ رئيس أمريكا ورئيس فرنسا ورئيسة وزراء ذاك البلد [بريطانيا]، مجرمون. ما عدا «الأعلم» و«الأتقى» يجب أن يكون هناك شخص ينهرهم ويزجرهم، فلا نُكثر من قول «الأعلم» و«الأتقى». «الأعلم» على أعيننا، و«الأتقى» على أعيننا، ولكن توجد هذه الآيات أيضاً. يجب أن تكون المنابر بحيث يكون القرآن محوراً. نعم، لا بُدَّ من الأحاديث أيضاً، ولا بُدَّ من التاريخ أيضاً، ويجب أن يكون هناك كل ما يجب أن يكون، ولكن حصّة القرآن من المنابر قليلة.
ليست عظمة شهر رمضان بالصيام فقط، عظمة شهر رمضان بالقرآن. لم يقل: «الذي كتب عليكم الصيام» بل قال: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ»
شهر رمضان على الأعتاب، وهو شهرٌ واحد. إنه توفيق في هذا العام ولعدة أعوام أن يصادف شهر رمضان فصل الصيف. جيد جداً، لدينا إثنا عشر مليوناً من أطفال المدارس. قبل سنوات كان السيد بوشهري يقول إنَّ لدينا عشرين ألف طالب علوم دينية غير مُعمَّم، الواحد منهم حائزٌ على شهادة الثانوية وقد أنهى اللُمعة (26) لكنَّه غير مُعمَّم ـ ليس في القسم السياسي العقائدي، ولا هو إمام جمعة، ولا هو قاضٍ، ولا من أهل المنابر، ولا في مؤسسة القيادة، ولا في الجامعة ـ إنَّه غير مُعمَّم لكنَّه درس اللُمعة وحاز على شهادة الثانوية. بوسع هذا الشخص إقامة جلسات محلية مع أبناء عمّاته وأبناء خالاته من أجل العمل بـ «أنذر عشيرتك الأقربين» (27). كل واحد في سنّ الثامنة عشرة يستطيع أن يدعو من هم في سنّ العاشرة والخامسة عشرة أو الثالثة عشرة. تعليم قراءة القرآن مهارة، يمكنكم أن تعلّموها خلال ثماني ساعات، لا يستغرق الأمر أكثر من ثماني ساعات. طالعوا الأقوال ولكن لا تذكروها على المنابر، فعلى المنبر يجب ذكر التفسير الجزل الواضح بمقدار يزيد على الترجمة ثلاثة أضعاف. قراءة القرآن مهمة. شهر رمضان على الأعتاب، وليست عظمة شهر رمضان بالصيام فقط، عظمة شهر رمضان بالقرآن. لم يقل: «الذي كتب عليكم الصيام» بل قال: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» (28).
فيما يتعلقُّ بقضية محورية القرآن فإنّه ينبغي إطلاق نهضة تفسيرية. لقد انطلقت نهضة تجويد، وانطلقت نهضة حفظ القرآن والحمد لله. لدينا عِلْمَان في القرآن مصحوبان بالتوبيخ؛ أي إنَّه يقول بلهجة التوبيخ لماذا لا تتجهون صوب هذا الشيء؟ أحدهما التفقه «لو لا نفر» (29) لماذا لا تذهبون «ليتفقهوا»؟ هذا التفقه مقترنٌ بتوبيخ. والحمد لله على أنَّ الحوزات انطلقت وتنشط على أساس هذه الآية. ولدينا آية أخرى حول التدبّر، حيث يقول: أفلا يتدبرون القرآن. لكنَّ [آية] التفقه «لو لا نفر.. ليتفقهوا» فيها توبيخٌ واحد، أما آية التدبر ففيها توبيخان: الأول «أفلا يتدبرون» (30) والتوبيخ الثاني «أم على قلوبٍ أقفالها» (31). هناك توبيخان في خصوص التدبر. ثمة حديثٌ عن الإمام الرضا (ع) يقول فيه إن الله أوجب الصلاة لكي لا يبقى القرآن مهجوراً.
عندما نريد أن نعظ نقرأ آيات الموعظة: «فذَكِّر بالقرآن من يخاف وعيد» (32). لماذا تذهبون بعيداً. ثمة في الحوزات العلمية «معاونية التهذيب» لأخلاق طلبة العلوم الدينية، يذكرون فيها آيات الأخلاق، وإذا ذكروا الآيات الأخلاقية فإن ذلك تفسير وأيضاً تهذيب وإذا تعلمها طالب العلم فسيذهب ويلقیها في محلته في العيد والصيف وشهر رمضان وشهر محرم. أي إنَّ أخلاقنا منفصلة عن تفسيرنا. وحينما نريد أن نتحدث في السياسة يجب أن نأتي بالآيات القرآنية السياسية. لدينا في القرآن المئات من الآيات السياسية، وإذا ذكرنا للناس هذه الآيات فإنهم سيكونوا شاكرين لنا. بعضنا لم یذق طعم القرآن. لا نحن ذقناه ولا استطعنا أن نذيقه للآخرين. على كل حال لنأخذ قضية القرآن مأخذ الجد.
بعضنا لم یذق طعم القرآن الكريم، لا نحن ذقناه ولا استطعنا أن نذيقه للآخرين.
ولا تتصوروا أنَّ القرآن ليس بعِلم. قال الإمام الرضا (ع): «من أراد العلم فليثوِّر القرآن». يثور بالثاء ذات الثلاث نقاط، أي قلّبوا القرآن واستخرجوا ما فيه من دفائن لكسب العلم. قبل عشرة أعوام دعيتُ لأكون إمام جماعة في جامعة طهران ـ نفس المكان الذي تقام فيه صلاة الجمعة- أيام الثلاثاء والأحد والإثنين … من الأسبوع، فقلت: آتي بشرط أن ألقي كلاماً في التفسير أيضاً، فقالوا إنَّ الطلبة هنا في صفوفهم الدراسية من الصباح إلى الظهيرة وهم متعبون، فقلتُ لهم لن أطيل عليهم، فقالوا هذا غير ممكن، فقلتُ لهم يا أخي أستطيع أن أفسّر خلال نصف دقيقة. فتعجبوا وقالوا: نصف دقيقة تفسير! فسِّر لنرى، فقلنا لهم: «قال القرآن عدة مرات كلوا، وفي كل مرة يقول فيها كلوا يُكلف إلى جانب ذلك بمأمورية ما، كلوا أنفقوا، كلوا أطعموا، كلوا لا تسرفوا، كلوا واعملوا صالحاً، كلوا ولا تطغوا، وحينما يقول للنحل «كلي» يقول بعدها «ثم اسلكي» أنتِ أيضاً عندما تمتصين رحيق الزهور يجب أن تُنتجي عسلاً. أي إنَّ هناك كلوا كلوا، ولكن ثمة إلى جانب الأكل مسؤولية. والسلام عليكم ورحمة الله» (33).
الشيخ قراءتي: كانت هذه ضحكة شكر؟
الإمام الخامنئي: لا، خلطوا (والسلام عليكم) التي قلتموها في الجامعة بمقامنا [بجلستنا ودرسنا] هذا (34). أنتم قلتم «والسلام عليكم» في الجامعة.
الشيخ قراءتي: نعم.
ثم قالوا: حسناً، هنا [يوجد] ستون ألف طالب جامعي، وهذه أهم جامعات البلاد، وبعض أساتذتها أساتذةٌ مخضرمون وبدرجة بروفيسور، إذن تحدَّث بطريقة علمية. فقلتُ لهم أنا قراءتي، أنا طالب علوم دينية، إذا أردتم طريقة علمية فاقصدوا العلماء. فقالوا تريد أن تتحدث مثلاً عن «وبالوالدين إحساناً»؟ (35) هؤلاء ليسوا أطفالاً. فساءني ذلك وقلت: قالوا لي تحدَّث بطريقة علمية وأريد اليوم أن أتحدث بطريقة بسيطة، فكتبتُ على السبورة «وبالوالدين إحساناً» وقلت إنني أستخرج من هذه العبارة عشرين نقطة [ملاحظة]؛ الباء هنا باء الإلصاق، وعندما تجمعون رسالتين مع بعضهما البعض يُسمّون الرسالة الخلفية مُلحقاً أو ملصقاً أو مرفقاً؛ بمعنى أنَّ إحسانك يجب أن يرفق بك؛ أي خذ أنت أمّك إلى الطبيب، ولا تقل أُعطي مالاً لسائق التاكسي ليأخذها للطبيب. وبالوالدين. «لقّمه بيديك». ضع الطعام لقمة لقمة بيدك في فم والدتك، ولا تقل اطبخي الرز وكليه. هذا حول الـ «بالـ». وقال: بالوالدين، ولم يقل بالأبوين. لأنهم يسمّون القائد بالأب ـ أنا وعلي أبوا هذه الأمة؛ «ملّة أبيكم إبراهيم» (36)، ويطلقونها على العم، وعلى والد الزوجة، وعلى المعلم ـ قال بالوالدين، وحساب الوالدين غير حساب الأبوين. ولم يقل بالوالدين المؤمنين، بل قال بالوالدين إحساناً بِرَّاً كان أو فاجراً. ولم يقل بالوالدين إنفاقاً، ففي كثير من الأحيان لا يحتاج الوالدان إلى المال بل يريدان المحبة والمودة. كتبت عشرين نقطة تقريباً على السبورة في الجامعة، وقلتُ لهم هل كنتم تعلمون هذه [النقاط] أيها السادة؟ فقالوا لا والله، لا وحق سيدنا العباس لم نكن نعرفها، لم يقل أحدٌ [هذا الشيء] لحد الآن. فقلتُ لهم إذن لا تقولوا يا سيد قراءتي هنا جامعة وهنا يوجد أساتذة بدرجة بروفيسور فتكلم بطريقة علمية. أكثرنا علماً يجهل بعض الأشياء والأمور حول أبسط كلمات القرآن. في «هنّ لباسٌ لكم» (37) توصلتُ إلى خمسين نقطة. وفي سورة الكوثر توصلت إلى 82 نقطة واستخرجتها. القرآن علم، ونحن نتوهّم أنَّ العلم شيءٌ آخر، ولا نعتبر القرآن جزءاً من العلم. عندما نُسأل بماذا تشتغل؟ يقول بالمباحثة العلمية، فنسأله هل المباحثة العلمية تعني القرآن؟ يقول لا ليست قرآناً. لا أدعو إلى عدم المباحثة وأن لا تكون هناك مباحثة، بل أقول لنعط القرآن أيضاً حصته.
شهر رمضان وقت القرآن. السيارة التي دخل الهواء في محركها وانطفأت يدفعونها في منحدر نحو الأسفل، وشهر رمضان هو هذا المنحدر نحو الأسفل بالنسبة للقرآن. سأل الرسولُ في يوم أحد أي هؤلاء الشهداء يُتقن القرآن أكثر؟ أريد أن أصلي على جنازته أولاً. فما معنى هذا؟ لماذا يُقال لنا يوم القيامة خذوا درجاتكم على أساس القرآن، اقرأ وارق. يجب أن نجعل القرآن في الوسط فإذا أردنا التحدث بكلام تاريخي تحدثنا من القرآن وبالقرآن، ثم تحدثنا من الأحاديث والروايات، ولا نريد أن يكون القرآن وحده، بل القرآن وأهل البيت، فهما غير منفصلين عن بعضهما. إنني أتحدث في التلفاز منذ نحو أربعين عاماً، ولم يتوقف برنامجي حتى لأسبوع واحد ليالي الجمعة، وقد كانت هذه من الألطاف الإلهية الاستثنائية. والله وبالله لو اعتمدت على أيّ كتاب لانتهى كلامي خلال سنة أو سنتين. في الصباح تنظر إلى القرآن فتفهم منه شيئاً وتنظر فيه عصراً فتفهم شيئاً آخر. ولو لم يكن فيه كلامٌ جديدٌ لما قال الله تدبّر فيه. أنْ يقول صاحب الدار لضيوفه هزّوا الأغصان فواضحٌ أنَّ كلَّ من يهزُّ الغصون سوف يجني ثمراً، وإلّا لقلنا «يا إلهي لماذا تقول لي دوماً تدبّر؟ لقد هزّ الملا صدرا، والفيض الكاشاني، والإمام الخميني، والكبار، هذه الغصون وجنوا الثمار، ولم يبق شيءٌ لي». أن يقول الله لكل إنسان تدبر، فمعنى ذلك أنَّ كلَّ من هزّ الأغصان حصل على ثمرة. كان أئمتنا يفهمون من القرآن أشياء لا نفهمها نحن، وهذا حق، والفقيه يستخرج من آيات الأحكام أشياء لا نفهمها نحن، وهذا حق، لكن هذا لا يعني أن لا نتدبر.
أن يقول الله لكل إنسان تدبَّر القرآن الكريم، فمعنى ذلك أنَّ كلَّ من هزّ الأغصان حصل على ثمرة.
يجب أن نعود ونُغيّر تربة البستان من البداية. عندما كنا طلبة كانوا يقولون لنا: «ضرب زيدٌ عمرواً». حسناً قل «ضرب الله مثلاً» (38) فلماذا بدأت من ضرب؟ قل: «رحم الله عبداً». ابدأ من رحم الله، لماذا تبدأ من الضرب والعراك؟ يقولون إنَّ شخصاً التحق بسلك طلبة العلوم الدينية ثم هرب، فقالوا له: لماذا هربت؟ قال كلها ضرب وضارب ومضروب. يقولون أولاً ضرب. رجل غائب ضرب. وضربا؛ رجلان ضربا، ثم تظهر امرأة ضربت، وتصبحان امرأتين فتكون ضربتا، كلها ضرب وضرب! لنقل كلَّ ما نريد ولكن لننظر إلى القرآن أولاً. لقد تحدثت حوالي خمسة آلاف ساعة في التلفاز، وإذا أصبتُ هنا بسكتة سيكون لديّ خمسة آلاف محاضرة مخزّنة. القرآن الآن بيننا، في حقيبة العروس، وفوق رؤوس المسافرين، وأثناء الاستخارة وفي كل هذه الأحوال والأوضاع، وهو مخطوطٌ عبر الفسيفساء [المزينة] للجدران والأسقف وبخطٍ كوفي لا نفهمه. يجب أن نقرأ القرآن أكثر، وخصوصاً أولئك الذين قراءتهم حسنة، وصوتهم جميل. القرآن له جاذبياته يا سيدي، للقرآن جاذبياته. لنتحدث في أيِّ مجالٍ أردنا وسيكون للقرآن جاذبيته في ذلك المجال.
أنا خجلٌ لأني أخذت وقت السيد، وأخذت وقتكم، كان الأمر مُهماً، وأحد الأدلة على أهميته وأنّ القرآن يستحق [هذا] إلى درجة أنَّ السيد قطع درسه الفقهي لأجله، معذرة سيدنا.
الإمام الخامنئي: طيّب الله أنفاسكم.
الهوامش:
سورة الرحمن، الآية 2.
سورة النجم، الآية 5.
سورة التكوير، الآية 27.
سورة الحجر، الآية 9.
سورة الزمر، الآية 28
سورة يونس، الآية 38.
سورة مريم، الآية 12.
سورة الجمعة، الآية 5.
سورة الأعراف، الآية 176.
سورة البقرة، الآية 74.
سورة الفرقان، الآية 44.
سورة المائدة، الآية 68.
سورة الشورى، الآية 13.
سورة الأنعام، الآية 72.
سورة الرحمن، الآية 9.
سورة المائدة، الآية 66.
سورة المائدة، الآية 66.
سورة الحجر، الآية 9.
سورة طه، الآية 124.
سورة النحل، الآية 44.
سورة الجمعة، الآية 11.
سورة الفتح، الآية 29.
سورة الفتح، الآية 29.
سورة الأنفال، الآية 60.
سورة الفتح، الآية 29.
كتاب اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية؛ أحد الكتب المهمة في الفقه والتي تدّرس في الحوزات العلمية.
سورة الشعراء، الآية 214.
سورة البقرة، الآية 185.
سورة التوبة، الآية 122.
سورة محمد، الآية 24.
سورة محمد، الآية 24.
سورة ق، الآية 45.
ضحك الإمام الخامنئي والحضور.
ضحك الحضور.
سورة الإسراء، الآية 23.
سورة الحج، الآية 78.
سورة البقرة، الآية 187.
سورة ابراهيم، الآية 24.