Search
Close this search box.

حقيقة جزاء الأعمال تنشأ من العدل الإلهی

حقيقة جزاء الأعمال هي حقيقة لا لبس فيها، وتنشأ من العدل الإلهي الذي يشهد له الوجود كله، فالكون كله قائم على العدل، كل مفردة من مفرداته أخذت حقها اللازم من الوجود، وحجمها اللازم، وموقعها اللازم، ودورها الملائم لها، ويفيض الله عليها حاجاتها المختلفة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَنْ يَلْقى جَزاءَ الشَّرِّ إِلاَّ عامِلُهُ.لَنْ يُجْزى جَزاءَ الْخَيرِ إِلاَّ فاعِلُهُ”.

هذه حقيقة جزاء الأعمال، وهي حقيقة لا لبس فيها، وتنشأ من العدل الإلهي الذي يشهد له الوجود كله، فالكون كله قائم على العدل، كل مفردة من مفرداته أخذت حقها اللازم من الوجود، وحجمها اللازم، وموقعها اللازم، ودورها الملائم لها، ويفيض الله عليها حاجاتها المختلفة، وهذا ما قاله رسول الله (ص) فيما رُوِيَ عنه: “بِالْعَدْلِ قَامَتْ السَّماواتُ والأَرْضُ”. هذا عدل الله تعالى في الخلق والتكوين.

أما عدل الله في الجزاء فلا نقاش فيه أيضاً، لأن عدم العدل قبيح، والله سبحانه لا يكون منه ظلم أبداً لأنه لا يحتاج إلى الظلم، ويعلم واقعاً العدل والظلم، ولا تكون منه عَجَلة، ولا يحول بينه وبين ما يريد شيءٌ، وهو أولاً وآخراً متَّصفٌ بالكمال المُطلق، فمجازاته على الأعمال تراعي العدل في أعلى مستوياته ومعاييره.

إننا نلاحظ أولاً: أن الله تعالى لا يُساوي بين المُطيع والعاصي، وبين المُسلِم المُسَلِّم لأمر الله والمُجرم، وبين المُؤمن والمُفسد، فلِكُلٍ حُكمه ولِكُلٍ جزاؤه المترتب على عمله وحاله، وهذا عين العدل، والتسوية بينهم عين الظلم، وهذا لا يكون منه سبحانه، يقول تعالى: “أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ”﴿28/ ص﴾ ويقول تعالى: “أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ﴿35﴾ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿36/ القلم﴾. ويقول سبحانه: “إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴿4/ يونس﴾.

ونلاحظ ثانياً: أن كل نفس تؤاخَذُ بما كسبت، قال سبحانه: “وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿22/ الجاثية﴾. وأن كل امرئ مرتهَنٌ لعمله يقول سبحانه: “…كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴿21/ الطور﴾. وأنه يُجازى على عمله قَلَّ أم كَثُرَ، قال تعالى: “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿7﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿8/ الزلزلة﴾.

وبناء على ما سبق يتضح لنا ما جاء في جوهرة الإمام أمير المؤمنين (ع)، فجزاء الشَّرِّ لن يلقاهُ إلا عامله، وجزاء الخير لن يُجزاه إلا فاعله، وهذا عين العدل.

غير أنه يجب أن أُنبِّه إلى الأمر التالي: إنَّ هذا الجزاء الخاص بالعامل للشَّرِّ والفاعل للخير ولا يتعداه إلى غيره هو الجزاء الأخروي، أما في الدنيا فمن المعلوم بالضرورة أن العامل للشَّرِّ والفاعل للخير وإن كان يتلقى الجزاء وحده، لكن الناس يشاركونه فيما يترتب على ما يكون منه من خير أو شَرٍّ،  فإن الناس في الدنيا مختلطون يؤثِّر بعضهم في مصير بعضهم الآخر، ويتأثر بعضهم بشَرِّ وخير الآخر، فالعامل للشَّرِّ في الدنيا يجلب الشَّرَّ للناس، والفاعل للخير يجلب الخير لهم، ولذلك وجب عليهم إنكار المنكر والأمر بالمعروف درئاً للشَّرِّ عنهم، وجلباً للنفع إليهم.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل