إن الرزق مضمون لكل أحد من خلق الله تعالى، يستوي في ذلك جميع ما يحتاج إلى الغذاء والماء، لا يزيد ولا ينقص عمَّا قَدَّره الله، معظمه يأتيه بالسَّعي والطلب والجِدِّ، وبعض منه يأتيه من حيث لا يحتسب.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَنْ يَسْبِقَكَ إِلى رِزْقِكَ طالِبٌ”.
اعلم قارئي الكريم أن “لِكُلِّ ذِي رَمَقٍ قُوتٌ” والرَّمَقُ: بَقِيَّةُ الرُّوحِ أو الحَياةِ. ويأْتي بِمَعنى آخِرِ النَّفْسِ، ومعنى ذلك أن كل ذي نفس ما دامت الروح في بدنه فقوته مكفول له، والمتكفِّل به هو الله تعالى الرَّزَّاق. وقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) قوله وهو يتكلم عن ضمان الله أرزاق خلقه كل خلقه: “عِيالُهُ الخَلائقُ، ضَمِنَ أَرزاقَهُم، وقَدَّرَ أَقْواتَهُم” وقد ذكر الله تعالى هذا المضمون في طائفة من آي كتابه الكريم إذ قال: “قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿9﴾ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴿10/ فصِّلت﴾ ولا أريد الخوض في معنى وكيفية تقدير أقوات الأرض، ومعنى الأيام الأربعة مراعاة للإيجاز، ولذا اكتفي بالاستشهاد بها على أن الله قد قَدَّر قوت كل مخلوق في الأرض.
وقال تعالى: “وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴿22/ الذاريات﴾.
وإذا فالرزق مضمون لكل أحد من خلق الله تعالى، يستوي في ذلك جميع ما يحتاج إلى الغذاء والماء، لا يزيد ولا ينقص عمَّا قَدَّره الله، معظمه يأتيه بالسَّعي والطلب والجِدِّ، وبعض منه يأتيه من حيث لا يحتسب، ومن لطيف ما قيل في هذا الشأن ما قاله الإمام أمير المؤمنين (ع): “انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لَا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ وَلَا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا وَصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا لَا يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ وَلَا يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ وَلَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ”.
ويتابع (ع) قائلاً: “فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ أَحْصَى عَدَدَ الرِّيشِ مِنْهَا وَالنَّفَسِ وَأَرْسَى قَوَائِمَهَا عَلَى النَّدَى وَالْيَبَسِ وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَأَحْصَى أَجْنَاسَهَا فَهَذَا غُرَابٌ وَهَذَا عُقَابٌ وَهَذَا حَمَامٌ وَهَذَا نَعَامٌ دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ وَكَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ وَأَنْشَأَ السَّحَابَ الثِّقَالَ فَأَهْطَلَ دِيَمَهَا وَعَدَّدَ قِسَمَهَا فَبَلَّ الْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا وَأَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا”.
واعلم قارئي الكريم أن الله تعالى قد “جَعَلَ لِكُلِّ رُوحٍ مِنهُم قُوتاً مَعلوماً مَقسوماً مِن رِزقِهِ، لا يَنقُصُ مَن زادَهُ ناقِصٌ، ولا يَزِيدُ مَن نَقَصَ مِنهُم زائدٌ” كما يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه الشريف. وجاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): “اِعلَمُوا أنَّ عَبداً وإن ضَعُفَتْ حِيلَتُهُ، ووَهَنَتْ مَكِيدَتُهُ أنَّهُ لَن يُنقَصَ مِمّا قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ، وإن قَوِيَ عَبدٌ في شِدَّةِ الحِيلَةِ وقُوَّةِ المَكِيدَة أ نّهُ لن يُزادَ عَلى ما قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ”.
وما دام رزقك مقدَّر فلن يسبقك إليه أحد ولو فعل ما فعل، لأنه غير مقدَّر له، فلك رزقك وله رزقه، وكل منكما لا يسبق الآخر إلى رزقه، فاطمئن إلى رزقك ولا تقلق، ولا يدعوَنَّك تأخُّره عنك أن تلجأ إلى أساليب غير مشروعة فإنك محاسب عليها.