Search
Close this search box.

لايمكن للمرء أن يحافظ على دينه من دون الصبر

لايمكن للمرء أن يحافظ على دينه من دون الصبر

لايمكن للمرء أن يحافظ على نفسه ودينه وكرامته من دون الصبر، فإن الصبر هو المهارة التي يدرأ بها سورة الغضب، واندفاعة العَجَلَة، ونار الانتقام، وبالصبر يَسلَمُ المُرء من اليأس والقنوط.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “كافِـلُ النَّصْرِ الصَّبْـرُ”.
والصبر ليس خُلُقاً عظيماً وحسب، بل من أهمِّ المهارات التي يحتاجها الإنسان في الحياة، بل يحتاجها الحيوان أيضاً، فما دام المَرء لا يملك الزمن، وليس له سيطرة على الأسباب فليس له إلا الصبر يستعين به على قضاء حاجاته ومواجهة أزماته ونكباته، وتخطي الصعوبات والعقبات، ومنازلة الأعداء والانتصار عليهم.
من دون الصبر لا يمكن للمَرء أن يحصل على شيء يريده، فكل ما هو محكوم بالزمان يحتاج إلى التربُّص به حتى يحين حينه وتتكامل أسبابه وتكتمل ظروفه، فإن الاستعجال في الأمر لا يقرِّب أجَلاً، ولا يُنضِجُ ثمرة، والفَرار من مواجهة الأزمات لا ينجي من مخاطرها، والفَرار من أمام الأعداء لا يدفع عدوانهم.
ولا يمكن للمرء أن يحافظ على نفسه ودينه وكرامته من دون الصبر، فإن الصبر هو المهارة التي يدرأ بها سورة الغضب، واندفاعة العَجَلَة، ونار الانتقام، وبالصبر يَسلَمُ المُرء من اليأس والقنوط، وبالصبر يصمُد أمام أمواج الفِتَن، وعواصف الشهوات، وثِقل الفقر، ورزء الجَور والظلم، ومواجهة الأعداء وصلفهم وقسوتهم، والصبر على الحرب وما ينتج عنها من دمار وأهوال.
ولئن كان الصبر مطلوباً في كل صعيد من صُعُد الحياة الإنسانية، فإنه من أوجب الواجبات في مُغالبة الأعداء ومن أهم أسباب الانتصار عليهم، لأن من يفقد الصبر أولاً ينهزم، ومن يصبر أكثر ولو لساعة ينعقد له النصر، يُروي أهل الأدب عن عنترة بن شَدَّاد أنه قيل له: بِمَ غلبت العرب في المعارك؟ قال: بالصبر، فقال له أحد الشُّجعان: كيف تكون صابراً وأنا أصبر منك؟ قال: ناولني إصبعك، وخذ إصبعي، وعُضَّ وأَعُضُّ وانظر أينا أصبر، فأدخل كل واحد أصبعه في فم صاحبه، ثم قال له: عُضَّ، فعَضَّ ذاك وعَضَّ هذا، فقال الرجل: آخ، فقال عنترة: لو صبرتَ قليلاً لَصِحتُ أنا. وهذا ما سَمَّاه القرآن الكريم بالمُصابرة، حيث قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿200/ آل عمران﴾ فالعدوُّ من جبهة الباطل يصبر على ما يتلقّى من خسائر، وأهل جبهة الحق يصبرون وكل منهم ينتظر أن يستسلم الطرف الآخر، فكل منهم الجبهتين تُصابر الجبهة المقابلة.
إن الحرب لا بد فيها من الصبر والمُصابَرة والأخذ بعزائم الأمور، لأن فيها خسائر في الأرواح والأبدان والممتلكات، وهي صراع إرادات، فلا أهل جبهة الباطل يرضَون أن يتركوا ساحة المعركة بسهولة دون تقديم ما لديهم من قوة انتصاراً لباطلهم، فيبذلون قصارى جهدهم ويُسَخِّرون كل ما لديهم من قوة عسكرية وتكنولوجية وإعلامية واقتصادية ومالية من أجل إيقاع الهزيمة بجبهة الحق، ولا أهل الحق ينهزمون أمامهم، فهم أيضاً يبذلون الغالي والنفيس على طريق انتصارهم، وهم أيضاً يصبرون على ما ينالهم ويلُمُّ بهم، ويُصابرون عدوَهم موقنين بالغلبة والانتصار نهاية الجولة.
لو رجعنا إلى التاريخ ووقفنا على الحاضر لوجدنا الصبرَ كافل النَّصر، كما جاء في جوهرة أمير المؤمنين (ع)، فكل الذين اضطرَّهم الباطل والظلم للانخراط في صراع أو حرب معهما كانوا يستعينون على ذلك بالصبر، فمن فئة قليلة لا حول لها ولا قوة تواجه قوة جبّارة يتوجّه أفرادها إلى الله يسألونه أن يُفرِغ عليهم الصبر، والإفراغ عبارة دالَّة على التدفّق وهي توحي بأن كمية الصبر المطلوبة كبيرة: “رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿250﴾ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ…” ﴿251/ البقرة﴾ ونبي يتوجَّه إلى قومه يطلب منهم الاستعانة بالله وبالصبر كسبيل وحيد للانتصار والتمكين في الأرض فيقول: “…اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿128/ الأعراف﴾.
ويوصي الله تعالى المؤمنين بالثبات وإطاعة الله وولي الأمر والصبر وعدم التنازع وهم يواجهون الأعداء فيقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿45﴾ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿46/ الأنفال﴾.
بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل