لأنّ طبيعة الناس ونفوسهم مستغرقةٌ في عالم الدنيا والظاهر، ولا يُمكنهم في البداية أن يتعرّفوا إلى المصداق الحقيقي للكمال المطلق وهو الله، فقد أنزل الحقّ تعالى إليهم مظاهر هذا الكمال بجلباب البشرية لكي يتعرّفوا إليه من خلالها. فكان أعظم ما في هذا الوجود هو خلق هذا الخليفة لله بصورة البشر ﴿إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً﴾[1] فكان هذا الخليفة الواقعي هو المظهر والممثّل الحقيقي للمستخلف. أي مظهر إرادة الحقّ وكمالاته المطلقة في هذا العالم. ولهذا كان خُلق أهل البيت عليهم السلام حيث يشاهد الناس أمامهم بشراً يمشون في الأسواق، ويأكلون الطعام، وينامون، ويتزوّجون، ومع ذلك فهم مظاهر تامّة للكمال الإلهي اللامتناهي. وهذا ممّا سيُلهب وجدانهم ويزيد من شوقهم ويُلقي الحجّة التامّة عليهم.
فعن الإمام الباقر عليه السلام: “إذا أردتَ أنّْ تعلم أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك. فإذا كان يُحبّ أهل طاعة الله، ويُبغض أهل معصيته، ففيك خيرٌ، والله يُحبّك. وإذا كان يُبغض أهل طاعة الله، ويُحبّ أهل معصيته، فليس فيك خيرٌ، والله يُبغضك، والمرء مع من أحبّ”[2].
وفي رواية أخرى أنّ رجلاً يُدعى أبا عبد الله دخل على أمير المؤمنين عليه السلام فقال له الإمام: “يا أبا عبد الله: ألا أُخبرك بقول الله عزّ وجلّ ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[3]، قال: بلى يا أمير المؤمنين. فقال الإمام عليه السلام: “الحسنة معرفة الولاية، وحبّنا أهل البيت، والسيّئة إنكار الولاية، وبغضنا أهل البيت”[4].
وفي حديثٍ آخر عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لأصحابه: “أيّ عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. وقال بعضهم الصلاة، وقال بعضهم الزكاة، وقال بعضهم الحج والعمرة، وقال بعضهم الجهاد في سبيل الله. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لكلّ ما قُلتم فضلٌ وليس به، ولكن أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله، والبغض في الله، وتولّي أولياء الله والتبرّي من أعداء الله”[5].
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: “لو ضربتُ خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أنْ يُبغضني ما أبغضني. ولو صببتُ الدنيا بجمّاتها على المنافق على أن يُحبّني ما أحبّني، وذلك أنّه قُضي فانقضى على لسان النبيّ الأميّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: يا عليّ لا يُبغضك مؤمنٌ، ولا يُحبّك منافق”[6].
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “من رزقه الله حبّ الأئمّة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة. فلا يشكّنّ أحدٌ أنّه في الجنّة. فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة، عشر منها في الدنيا، وعشر في الآخرة. أمّا في الدنيا فالزهد، والحرص على العمل، والورع في الدين، والرغبة في العبادة، والتوبة قبل الموت، والنشاط في قيام الليل، واليأس ممّا في أيدي الناس، والحفظ لأمر الله (عزّ وجلّ) ونهيه، والتاسعة بغض الدنيا، والعاشرة السخاء. أمّا في الآخرة: فلا يُنشر له ديوان، ولا يُنصب له ميزانٌ، ويُعطى كتابه بيمينه، ويُكتب له براءة من النّار، ويُبيّض وجهه، ويُكسى من حلل الجنّة، ويُشفّع في مئة من أهل بيته، وينظر الله عزّ وجلّ إليه بالرحمة، ويُتوّج من تيجان الجنّة، والعاشرة يدخل الجنّة بغير حساب”[7].
* طلائع القلوب – جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة البقرة، الآية 30.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج2،ص126.
[3] سورة النمل، الآيتان 89-90.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص185
[5] م. ن، ج2، ص125.
[6] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج34، ص50.
[7] م. ن، ج27، ص78.