Search
Close this search box.

لَيْسَ الْوَهْمُ كَالْفَهْم

لَيْسَ الْوَهْمُ كَالْفَهْم

الفرق كبير، والبَونُ شاسع، بين وَهمٍ يخالُه المَرءُ عِلماً، وبين الفَهم الذي يُدرك به حقيقة الشيء وكنهه، فالوَهْمُ هو: الظَّنُّ والتَّخَيُّل، يُقال: تَوَهَّمَ الشَّيءَ، أي: ظَنَّهُ وتَخَيَّلَهُ، سَواءٌ أكان في الوُجودِ، أو لم يَكُن.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَيْسَ الْوَهْمُ كَالْفَهْـمِ”.
الفرق كبير، والبَونُ شاسع، بين وَهمٍ يخالُه المَرءُ عِلماً، وبين الفَهم الذي يُدرك به حقيقة الشيء وكنهه، فالوَهْمُ هو: الظَّنُّ والتَّخَيُّل، يُقال: تَوَهَّمَ الشَّيءَ، أي: ظَنَّهُ وتَخَيَّلَهُ، سَواءٌ أكان في الوُجودِ، أو لم يَكُن.

والوَهْمُ مِن خَطَراتِ القَلْبِ. والجَمعُ: أَوهامٌ، والأوهام كثيرة، وكثير أولئك الذين يجعلون من أوهامهم أساساً للحكم على الأشياء، وأكثر ما يحدث مع أولئك الذين يجادلون في الدين وشرائعه، يقرأون آية من كتاب الله تعالى فيفهمونها على غير ما أراد الله منها ثم يتبنون ذلك الفهم للقبول أو الاعتراض، ولو أنهم التفتوا إلى سياق الكلمة أو الآية لفهموهما بشكل مغاير، فسياق الكلمة والآية له تأثير بالغ في إبراز معناهما الحقيقي.

فالكلمة الواحدة تفيد معنى في سياق لا تفيده في سياق آخر، ولهذا لا بد من الوقوف الدقيق على استعمالات الكلمة الواحدة في القرآن الكريم، فلو أخذنا مادة (قضى) مثالاً، واستقرأنا كيف استُعمِلَت فيه لوجدنا لها معانيَ مختلفة، إن مادة (قضى) في اللغة، تدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته. وسُمِّيَ القاضي قاضياً، لأنه يحكم الأحكام وينفذها. وسُمِّيَت المَنيَّة قضاء، لأنها أمر ينفذ في ابن آدم وغيره من الخَلق.

لقد استعملت هذه المادة في القرآن في المعاني التالية:

المعنى الأول: الأمرُ، ومنه قوله تعالى: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا…﴿23/ الإسراء﴾ والمعنى: أمرَ ربك ألا تعبدوا إلا إياها، وأمر بالإحسان إلى الوالدين.

المعنى الثاني: الخبر والإعلام، ومنه قوله تعالى: “وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ﴿66/ الحجر﴾ والمعنى: أخبرناه وأعلمناه بنزول العذاب على هؤلاء في الصباح.

المعنى الثالث: الانتهاء من الأمر، ومنه قوله تعالى: “فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ…”﴿103/ النساء﴾ أي إذا انتهت صلاة الخوف، أو أي صلاة فاذكروا الله… ونحوه قوله تعالى: “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ…”﴿10/ الجمعة﴾ أي إذا انتهت صلاة الجمعة فلا جناح عليكم أن تنتشروا في الأرض لطلب الرزق.

المعنى الرابع: الفعل، ومنه قوله تعالى: “قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿72/ طه﴾ والمعنى: افعل ما أنت فاعل، واصنع بنا ما أنت صانع.

المعنى الخامس: الموت، ومنه قوله تعالى: “…فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ…”﴿15/ القصص﴾ والمعنى قتله، أي كان في وكزة موسى له حتفه فمات.

المعنى السادس: وجوب العذاب وتحققه، ومنه قوله تعالى: “وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”﴿44/ هود﴾ فالمعنى: قد وقع العذاب وتحقق.

المعنى السابع: استيفاء الأمر وتمامه، ومنه قوله تعالى: “قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴿28/ القصص﴾ أي أيما الأجلين أتممت وفرغت منه.

المعنى الثامن: الفصل بين الناس يوم القيامة، ومنه قوله تعالى: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿47/ يونس﴾ أي فُصِل بينهم بأن أُدخِلَ أهل الجنة الجنة، وأُدخِلَ أهل النار النارَ.

المعنى التاسع: الخَلْقُ: ومنه قوله تعالى: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا…”﴿12/ فُصِّلت﴾ أي فخلقهن في مرحلتين.

المعنى العاشر: الحتم والإبرام، ومنه قوله تعالى: “…قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴿41/ يوسف﴾< أي ما قَدَّره الله لكما قد وجب وأُبرِم.

كما< استُعمِلت مادة (قضى) في القرآن بمعنى العزم، والحكم، والعهد، والإرادة، على أن هذه المعاني للفظ في آية واحدة تحتمل أكثر من معنى، وبالتالي لم يكن عجباً أن نرى المفسرين يختلفون في تفسيرها، وعليه كيف لطارئ على القرآن واللغة العربية أن يجعل الوهم فهماً، ويدعي أنه قادر على الاستنباط من القرآن كما يستنبط العالم النحرير؟!

إن ما يظنُّه عِلماً هو وَهْمٌ وحسب، أما الفهم الذي يعني الإدراك، والاستيعاب، وحسن التصور، والإحاطة بالمراد فدونه الكثير حتى يدركه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل