إن الله تعالى خلق الإنسان للجنَّة، ليكون من أهلها، فجعلها ثمناً لنفسه، ثمناً لجهده وجهاده، وجزاءً لعمله وكَدِّه وسَعيه، ولا يليق بالإنسان الذي ارتضاه الله خليفة عنه في الأرض لا يليق به إلا هذا الثمن الدائم الباقي.
وعليه: مِما لا شَكَّ فيه أن النفس أعلى الأشياء قيمة بالنسبة إلى الإنسان، ألا ترى قارئي الكريم أنه يبذل الغالي والنفيس من أجل المحافظة عليها؟! ألا ترى كيف يذود عنها كل خطر وضَرَر قلَّ أم كثُرَ ولو كان مُحتَمَلاً؟ بل إن كل ما يقتنيه وما يطمح إلى اقتنائه، وما يسعى إلى بلوغه من غايات، وكل نجاح يرغب به، وكل فشل يتجنَّبه، وكل مقام يسعى إليه، وكل ثراء يُمَنّي نفسه به، وكل راحة وسعادة يريدها، كل ذلك من أجل نفسه، فنفسه هي أثمن وأغلى ما يملك، إنها واحدة لا مِثل لها أبداً، إن ذهبت لا يمكنه أن يعوضَّها بحال من الأحوال ولو بأدنى منها، وعليه فلا ثمن يوازيها في الدنيا، لا مال ولا جاه فكل ذلك يزول، بل كل ذلك يتنازل عنه من أجل نفسه، الثمن الوحيد الذي يوازيها هو الجنة لا غير.
إن الله تعالى يستخلص لنفسه أنفُسَ المؤمنين وأموالهم ينفقونها في سبيله لا يستبقون منها شيئاً، هم البائعون، والله هو الشاري، يتصرَّف في أنفسهم وأموالهم كما يشاء، والثَّمن هو الجَنَّة، والطريق إليها هو الجهاد في سبيل الله، والنهاية هي النصر أو الشهادة، إن الله تعالى ارتضى المُثمَنَ، والمؤمنون ارتضَوا الثمن، والصفقة بينهم وبين الله لازمة لا إقالة منها، ولا رجعة فيها ولا خيار، والجنة ثمن مقبوض لا موعود، فمن وعد بها هو الله، ووعد الله متحقق بلا ريب، ومن أوفى بعهده من الله؟!