کل الآيات الكريمة التي تحدثت عن أفعال إبليس وإغرائه وإغوائه وتزيينه وفتنته وأمره بالفحشاء والمنكر، جاءت بوصف الشيطان الذي وإن كان إبليس وقبيله من أبرز مصاديقه لكنه يعمُّ كل طاغ متمَرِّد يأمر بالطغيان والتمرُّد على أمر الله تعالى، جِنّاً كان أم إنْساً
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَيْسَ لإبْليسَ جُنْدٌ أَعْظَمَ مِنَ الْغَضَبِ وَالنِّساءِ”.
لقد أخبرنا الله في كتابه الكريم عن إبليس كواحد من الجِنِّ، هذا الخلق المستور عَنّا، ولا سبيل لنا إلى معرفته إلا من طريق الوَحي، لأن الله تعالى هو المحيط بعالم الغيب والشهادة، وهو العارف بما خلق من مخلوقات، سواءً كنا نحُسُّها أو لا نحسُّها، وعالم الجِنِّ والملائكة من هذه المخلوقات التي لا نحُسُّها.
وأخبرنا أن إبليس الذي كان عابداً لله قد استكبر على آدم وأبى امتثال أمر الله له وللملائكة بالسجود التكريمي لآدم (ع) فكان ذلك سبب طرده ولعنه إلى يوم الدين.
وأخبرنا أن إبليس أخذ على نفسه أن يُغوِيَ آدم وذريَّته إلى يوم الدين: “قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿16﴾ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴿17/ الأعراف﴾.
وأخبرنا أن إبليس نفسه قد استثنى المُخلَصين من عباد الله من التأثُّر بوسوسته وإغوائه وفتنته، وهذا ما أكَّده الله تعالى إذ نفى أن يكون لإبليس وكل الشياطين تأثير على المُخلَصين من عباده، وأكَّد أن تأثير الشياطين مقتصر على من اتبعهم من الغاوين، قال تعالى: “قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿39﴾ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴿40﴾ قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ﴿41﴾ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴿42/ الحِجر﴾.
وكل الآيات الكريمة التي تحدثت عن أفعال إبليس وإغرائه وإغوائه وتزيينه وفتنته وأمره بالفحشاء والمنكر، جاءت بوصف الشيطان الذي وإن كان إبليس وقبيله من أبرز مصاديقه لكنه يعمُّ كل طاغ متمَرِّد يأمر بالطغيان والتمرُّد على أمر الله تعالى، جِنّاً كان أم إنْساً.
النتيجة التي نخرج بها مِمّا سبق هي: إن الشياطين يَسعَون بكل جهدهم وبوسائل عديدة تعتمد مبدأ التزيين والترغيب والإغواء واستثارة الغرائز للتأثير في أتباعهم مِمّن لا يَعون خطورة ما يدعوهم الشياطين إليه من خطأ وانحراف وضلال وفحشاء، أو يعرفون ذلك ولكنهم لا يتمتعون بإرادة قوية، ولا بعقل راجح. وقد تمكن الشياطين وما زالوا من إغواء الكثير من البَشَر كما قال تعالى: “وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ﴿62/ يس﴾.
وفي حربهم مع الإنسان يعتمد الأبالسة جيوشاً من وسائل عديدة، ويتحيَّنون نقاط الضعف التي تتيح لهم التأثير فيه:
أما جيوشهم وجنودهم فهم كل من يشايعهم ويتابعهم ويؤمن بمقولاتهم ويتبنى وجهة نظرهم، ويعتمد وسائلهم، وبكلمة أخرى: كل من يعينهم على تحقيق أهدافهم بالإغواء والإغراء والافتتان فهو من جنودهم، والنساء من أعظم جنود الشيطان، وبالطبع ليس المقصود من النساء هنا النساء بما هنَّ نساء، أبداً، فالنساء كما الرجال فيهن المؤمنة، والعارفة، والتقيَّة، والعابدة، والمُخْلِصَة والمُخْلَصَة، والعفيفة، والشريفة، والحَيِّيَّةُ، وهؤلاء من جنود الله وعُمَّاله، وعليه فالمراد مِنهُنَّ النساء المُتهتِّكات المُتبرِّجات الغانيات اللواتي يوقِعنَ الرجال في شباكهن.
ومعلوم بالضرورة أن الرجل تفتنه المرأة المُتبَرِّجة وتجتذبه بمفاتنها وتغويه بغِنجها وصوتها، فلذلك هي من مصائد الشيطان وشِباكه، ومعلوم بالضرورة أيضاً أن معظم من يقعون فريسة أجهزة الاستخبارات اليوم توقعهم النساء الغانيات في ذلك، ولا يحتاج الأمر إلى بسط في الحديث، فعندما يُفتَنُ الرجل بالمرأة ويستولي شغفه بها على نفسه، غالباً ما يفقد عقله، أو يبرر لنفسه أن يتجاوز كل الخطوط الحمر.
كذلك الغضب فإنه من جنود الشيطان، لأن الغضَب شُعبَة من الجُنون كما جاء في الحديث عن رسول الله (ص) ولذلك نرى أن معظم ما يرتكبه الناس من جرائم يرتكبونه حال غضبهم، ثم لا يتبقى لهم إلا الندم عندما يزول غضبهم.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي