Search
Close this search box.

الشهادة كجسر للعبور إلى السعادة

الشهادة كجسر للعبور إلى السعادة

إنّ المجاهد المؤمن الذي ينظر إلى هذا العالم وعالم الآخرة من خلال العقيدة الإلهية، ويرى أنّ الموت ما هو إلاّ جسر للعبور من هذه الدار إلى تلك الدار، يتباعد الخوف من الموت عن نفسه، وهو ليس فقط لا يخشى الموت، وإنّما يُسرع إلى استقباله في بعض الموارد.

وبالنسبة إليه، يُعدّ الموت خاتمة العذابات، ومفتاح الإذنِ في الدخول على الحضرة الإلهية؛ وبهذه الفلسفة تُحلُّ مسألة الموت لديه، وخلافاً لمنكري القيامة، لا يعتريه أدنى اضطراب أو خوف.

ومع أنّ المجاهدين قد أعدّوا أنفسهم لأيّ نوع من أنواع الموت قد قُدِّرَ لهم، وهم راضون بذلك، إلاّ أنّهم يعشقون أن يكون خروجهم من هذا العالم عن طريق الشهادة، وأن يختموا حياتهم في هذا العالم بهذا الشرف العظيم. والإمام علي عليه السلام الذي كان يَعدُّ الأيام شوقاً إلى هذه الأمنية، حيث يقول: “إنّ أكرمَ الموتِ القتلُ، والذي نفسُ ابن أبي طالب بيده لألفُ ضربة بالسيف أهونُ عليَّ من ميتة على الفراش في غير طاعة الله”[1].

وفي آخر عهده لمالك الأشتر، يتمنّى من الله لنفسهِ ولصاحبه الوفيّ أن يرزقهما الشهادة في سبيله، فيقول: “وأنا أسأل الله بسعة رحمته، وعظيم قُدرته على إعطاء كلّ رغبة أن… وأن يختمَ لي ولك بالسعادة والشهادة”[2].

وما في سيرة المعصومين عليهم السلام من استقبالهم الشهادة بصدر مفتوح، يحكي عن سموّ مقامها وعظمة منزلتها في معتقدهم. فقد نُقِل بشأن الإمام الحسين عليه السلام أنّ وقاره وطمأنينته كانا يزدادان، ووجهه يتلألأ بالنور أكثر، مع اقترابه من الشهادة يوم عاشوراء[3].

وإنّ التسابق إلى الشهادة بين جُندِ صدر الإسلام المضحّين، وكذلك بين أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، ومجاهدي الإسلام خلال الحروب المفروضة، كان ناشئاً من إدراك هذه الحقيقة، والتي قد استلهموها من آيات القرآن الكريم وسيرة المعصومين عليهم السلام، حيث كانوا يعلمون أنّ الشهادة هي أفضل أنواع الموت بين يدي الله تبارك وتعالى.

وفي النزاع الذي وقع بين خيثمة وابنه على المشاركة في حرب بدر ولإدراك الشهادة، نموذج من نماذج وعي هذه الحقيقة، حيث وعلى أثر إجراء القرعة، خرج اسم ابن خيثمة، فشارك في المعركة واستشهد.
وبعد انتهاء القتال، تشرّف والده بلقاء النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وطلب منه أن يدعو له كي يفوز بالشهادة هو الآخر، فدعا له واستشهد لاحقاً في معركة أُحد، فنال ما تمنّى[4].

وبهذه النظرة، كانَ مسلمو صدرِ الإسلام يذهبونَ للقاءِ الموتِ. ولهذا السبب عينهِ، لم يجعلوا للخوفِ من العدوّ طريقاً إلى قلوبهم. وحينما سأل أحدُ حَمَلَة الرايات في جيش الكفر أصحابَه بعد هزيمة بدر، أنّه ما السبب الذي جعلكم تُهزمون على يد المسلمين مع كلّ هذه العدّة والعتاد، أجابه شخص من بينهم: لقد كان السرّ في ذلك أنّ كلّ واحدٍ منّا كان يُحبُّ أن يُقتل صاحبُه قبلَه، في حين كان كل واحدٍ من المسلمين يُحبُّ أن يُقتل هو قبلَ صاحبه[5].

وإنّ أفضل كلام على الإطلاق يُبيّن حقيقة نظرة المؤمن نحو الشهادة، هو حديث السيدة زينب الكبرى عليها السلام في مجلس ابن زياد لعنه الله، عندما سألها ذلك الخبيثُ قائلاً: كيف رأيتِ فعلَ الله بأخيك وأهل بيتك؟ فأجابته: “ما رأيتُ إلاّ جميلاً”[6].

ومعنى هذا الكلام، أنّ شهادة جميع الشهداء في كربلاء، وسبيَ النساء والأطفال، وغير ذلك من الأمور هي جميعاً من وجهة نظر السيدة زينب عليها السلام، أمورٌ يجب على كلّ مؤمن تُصادفُه أن يستقبلها ويتقبّلها بصدر واسع، ويراها حسنة وجميلة.

وكان أمير المؤمنين عليه السلام يُسرع إلى قتال العدوّ في أشدّ الميادين صعوبة. وفي جوابه لأولئك الذين ظنّوا أنّه كان يتباطأ في حرب أهل صفّين خوفاً من الموت، قال عليه السلام: “أمّا قولكم: أكُلُّ ذلكَ كراهيةَ الموتِ؟ فواللهِ ما أبالي دخلتُ إلى الموتِ أو خرجَ الموتُ إليّ”[7].

* سبيل النجاة، مركز المعارف للتأليف والتحقيق


[1]  نهج البلاغة، ص180، الخطبة 123.
[2]  نهج البلاغة، ص445، الرسالة 53.
[3]  يُراجع: الشوشتري، الشيخ جعفر، الخصائص الحسينية، دار السرور، لبنان -بيروت، لا.ت، لا.ط، ص71.
[4]  العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج20، ص125.
[5]  يُراجع: مرتضى العاملي، السيد جعفر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، دار الحديث للطباعة والنشر، إيران- قم، 1426هـ، ط1، ج3، ص213.
[6]  العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص116.
[7]  نهج البلاغة، ص691، الخطبة 55.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل