هناك معادلة مهمَّة يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع) مفادها: أن الشخص الذي يعجز عن القيام بما يجب وما يقدر عليه من أمور سواء كانت أموراً شخصية طبيعية، أو كانت في مواجهة أعدائه فسيجد نفسه في موقف الذُّلِّ والهَوان والصَّغار.
رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ عَجَزَ ذَلَّ”.
معادلة مهمَّة يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع) مفادها: أن الشخص الذي يعجز عن القيام بما يجب وما يقدر عليه من أمور سواء كانت أموراً شخصية طبيعية، أو كانت في مواجهة أعدائه فسيجد نفسه في موقف الذُّلِّ والهَوان والصَّغار.
ومِمّا لا شكَّ فيه أن العَجز ذُلٌّ وهَوان بين يدي الناس، خصوصاً ذلك العَجز الذي يختاره المَرء لنفسه، أي العَجز الذي يأتي كقرار يتخذه المرء فراراً من أعباء الطَّلب أو المواجهة مع الأعداء، فهذا العَجز مذموم عند الله ومذموم عند الناس، وما يكون مذموماً عند الله تعالى يكون صاحبه مؤاخَذاً عليه في الدنيا وفي الآخرة.
إن الله سبحانه وتعالى لا يطلب مِنّا ما نعجز عنه واقعاً، إنه لا يكلِّفنا فوق ما نُطيق، حاشاه، لكنه لا يرضى مِنّا أن نتخذ العجز منهجاً لنا في مواجهة متطلبات الحياة، أو في مواجهة الأعداء، بل يدعونا إلى فعل ما يمكننا فعله ونترك ما نعجَز عنه واقعاً إليه سبحانه هو الذي يتكفَّل به وبأسبابه، يقول سبحانه: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ…”﴿60/ الأنفال﴾ فالله تعالى لا يرضى منا أن نختار العجز منهجاً في مواجهة أعدائنا، ففي ذلك ليس الذل والمهانة وحسب، بل فيه إضاعة لكل مكاسبنا، وإضاعة لحاضرنا ومستقبلنا، “العَجزُ سَبَبُ التَّضيِيعِ” كما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) لذلك يريد الله منا أن نُعِدَّ لأعدائنا ما نَقْدِر عليه واقعاً، أن نتهيَّأ لهم بما نستطيع وهو يتكفَّل بما نعْجَز عنه.
في آية كريمة أخرى يخاطب الله تعالى رسوله الأكرم (ص) فيقول: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ”﴿64/ الأنفال﴾ والمعنى: يا رسول الله يكفيك الله ومن اتبعك من المؤمنين ولو كانوا قِلَّة، ليس المطلوب منك أن تحشد الجيوش المُؤَلَّفة فذلك أمر تعجز عنه واقعاً، لذلك اكتفِ بالله وهو الكافي، واكتفِ بالمؤمنين الصادقين فهم يكفونك. لكن هذا لا يعني عدم الاعداد والاستعداد وفق الإمكانيات والطاقات المتاحة.
ما نخلص إليه قارئي الكريم أن العَجز آفة، والتحجُّج بالعَجز آفة أخرى، وفي كليهما الذُّل والهَوان، والعجز هنا لا يقتصر على العَجز الجسدي فقط، بل يشمل العَجز النفسي والمعنوي أيضاً.
فالعَجز الجسدي: يعني عدم القدرة على القيام بالأعمال البَدنية بسبب ضعف أو مرض.
والعَجز النفسي: يشمل الخوف، التَّرَدُّد، وعدم الثقة بالنفس.
والعَجز المعنوي: يعني عدم القدرة على اتخاذ القرارات أو تحمل المسؤوليات.
وإذا كان العاجز جسدياً لا لوم عليه لأنه خارج عن إرادته، فإن العاجز من النَّوعَين الثاني والثالث مذموم ومُهان بلا نقاش، وذليل بين يدي الناس من دون شك.
العبرة التي نستفيدها من هذه المعادلة العلوية الكريمة أن نسعى للتغلُّب على عَجزنا وضعفنا بكل أشكالهما، سواء كان جسدياً أم نفسياً أم مَعنوياً، وأن نثق بقدرتنا على أن نكون أقوياء على تحقيق ما نرغب في تحقيقه، وعلى مواجهة أعدائنا مهما بلغوا من القوة والقدرة، فكما أن لدينا نقاط ضَعف فلديهم نقاط ضَعف، وكما لديهم نقاط قوة لدينا نقاط قوَّة، وهي تحتاج منا إلى تفعيل وحسب، وثقة بأنفسنا، وتوَكُّل على الله مالك السماوات والأرض.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي