Search
Close this search box.

القناعة تُعرِب عن عِزّة النفس

القناعة تُعرِب عن عِزّة النفس

إن القناعة صِفةٌ كريمة، تُعرِب عن عِزّة النفس، وشرف الوجدان، وكرم الأخلاق، وهي قيمة أخلاقية تحثُّ على عدم الإفراط في السَّعي وراء المَلذّات الدنيوية والماديات، والابتعاد عن الطمع والحرص، وبهذا فإنها تشكل مبدأ حياة هادئة، متوازنة، مليئة بالطمأنينة والسكينة.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَمْ يَتَحَلَّ بِالْقَناعَةِ مَنْ لَمْ يَكْتفِ بِيَسيرِ ما وَجَدَ”.
تشير هذه الجوهرة الكريمة إلى مفهوم القناعة، وتدعو إلى التأمُّل في معاني الرضا والاقتناع باليَسير الموجود، والاكتفاء بما هو متاح وفي متناول اليد، دون تَطَلُّعٍ إلى ما ليس متاحاً، أو طمع فيما لا يملكه المَرء.
القناعة صِفةٌ كريمة، تُعرِب عن عِزّة النفس، وشرف الوجدان، وكرم الأخلاق، وهي قيمة أخلاقية تحثُّ على عدم الإفراط في السَّعي وراء المَلذّات الدنيوية والماديات، والابتعاد عن الطمع والحرص، وبهذا فإنها تشكل مبدأ حياة هادئة، متوازنة، مليئة بالطمأنينة والسكينة، وتمنح المَرء شعوراً بالغِنى،  وتشحنه بطاقة معنوية عالية، ويقظة روحية، وبصيرة نافذة،  تجعله عزيزاً أمام المغريات، لا يؤثِّر فيه الآخرون بما يُغرونه من مال أو منصب، وتُحرِّر المَرء من عبوديّة المادّة ، واسترقاق الحِرْص والطمَع ، وعنائهما المرهِق، وهوانهما المُذلّ، وتنفخ فيه روح العزّة، والكرامة، والإباء، والعفّة، والترفّع عن الدنايا، واستدرار عطف اللئام، والإنسان القَنوع هو الذي يجد السعادة والرضا بما يملك، مهما كان قليلاً، دون أن يعيش في دوامة التَّذَمُّر، أو السَّعي المَحموم وراء المزيد،  فهو أسعد الناس حياةً، وأصلحهم بالاً، وأكثرهم دَعَةً واستقراراً، رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “القَناعَةُ مالٌ لا يَنفَدُ” ورُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “مَن قَنِعَت نفسُهُ أعانَتهُ علَى النَّزاهَةِ والعَفافِ” وقال: “مِنْ عِزِّ النَّفْسِ لُزومُ القَناعَةِ”.
من جهة أخرى، فإن الشخص الذي لا يتحلّى بالقناعة سيظل في حالة عدم رضا، حتى وإن حصل على الكثير من الأمور الدنيوية ولا ينفَكُّ عن القلق والمتاعب والهُموم، روِيَ أنه شكا رجلٌ إلى الإمام الصادق (ع) أنّه يطلب فيصيب، ولا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه، وقال: علّمني شيئاً أنتفع به. فقال الصادق (ع: “إِنْ كانَ مَا يَكْفِيْكَ يُغْنِيْكَ، فَأَدْنَى َما فِيْها يُغْنِيْكَ، وَإِنْ كانَ مَا يَكْفِيْكَ لا يُغْنِيْكَ، فَكُلُّ مَا فِيْها لا يُغْنِيْكَ”.
وجميعنا يدرك أن القليل يكفينا، نعم يكفينا القليل، لكننا لا نقنع أنفسنا بذلك، نتطلَّع إلى المزيد ربما لأننا نعتقد أن الاستكثار من الأشياء يمنحنا قوة، أو طمأنينة، وذلك خطأ كبير، إن القناعة ليست مرتبطة فقط بالقدرة على الحصول على الكثير، بل بالرضا والاكتفاء بما هو متاح ويقضي الحاجة، والسعادة الحقيقية تأتي من داخل الإنسان وليس من الأشياء المادية الخارجية، لذلك فإن الشخص الذي لا يكتفي بما وجد سيظل دائماً في حالة عدم رِضى مهما حصل على المزيد، بل سيزداد نَهَماً وجَشَعاً.
أما القانع من الناس فيكفيه ما يكفيه، وذلك يساعده على العيش بسلام وطمأنينة، ويدفع عنه الشعور بالحسد والغَيرة من الآخرين، وزيادة على ذلك يتمتع بالثقة بنفسه ولا يقارنها بغيرها، ولا يقارن أحواله بأحوال غيره.
أما اجتماعياً فإن القناعة تشكل عاملًا مُهِماً من عوامل الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، فعندما يرضى الأفراد بما لديهم ويبتعدون عن النَزَعات الاستهلاكية المُفرِطة، يَقِلُّ الضغط على الموارد، ويعيش المجتمع في حالة من الرضا والاستقرار.
ثم إن القناعة صفة مكتسبة يتطلَّب التَّحلِّي بها التدريب النفسي المستمر والإرادة الجادَّة، والترويض الدائم للنفس عليها، والنظر إلى إيجابياتها النفسية والمادية، فضلا عن كونها صفة أخلاقية راقية.

الإنسان اليوم أحوج ما يكون إلى القناعة لا كفضيلة أخلاقية راقية وحسب، بل لمواجهة النزعة الاستهلاكية التي باتت ظاهرة تجتاج عالمنا اليوم بفعل التسويق الذي تتفنن فيه الدعاية بوسائلها المختلفة، والتي جعلت من الإنسان فاقداً لإرادته وغير قادر على كبح جماح شهوته إلى المزيد مِمّا تُنتِجه المَصانع وتسوِّق له المؤسسات الإعلانية.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل