Search
Close this search box.

شريعة الله للإنسان قائمة على جلب المنفعة إليه

شريعة الله للإنسان قائمة على جلب المنفعة إليه

إن شريعة الله للإنسان قائمة على جلب المنفعة إليه، ودفع الضُّرِّ عنه، وبالتالي فهي مبنية على الحكمة الإلهية التي تُوجِّه الإنسان نحو الخير وتمنعه من الشر والقبح

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَمْ يَأْمُرْكَ اللّهُ إِلاَّ بِحَسَنٍ، وَلَمْ يَنْهَكَ إِلاَّ عَنْ قَبيحٍ”.
تعكس هذه الجوهرة الكريمة جوهر التشريع الإلهي للإنسان، فإن شريعة الله للإنسان قائمة على جلب المنفعة إليه، ودفع الضُّرِّ عنه، وبالتالي فهي مبنية على الحكمة الإلهية التي تُوجِّه الإنسان نحو الخير وتمنعه من الشر والقبح.

هذا المبدأ يرتكز على فَهم أساسي للعلاقة بين الله والإنسان، حيث أن الله تعالى بعلمه وحكمته المطلقة، يأمر بما هو حسن وصالح لمصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة، وينهى عن القبيح والشر الذي يضر بالإنسان ويفسد حياته.

مِمّا لا شكَّ فيه أن الإنسان محتاج حاجة ماسَّة إلى شريعة تُنَظِّم علاقاته الأربعة، وهي: علاقته بخالقه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بالناس، وعلاقته بالطبيعة، فكل علاقة من هذه العلاقات تحتاج إلى تنظيم وتقنين ولا يمكن أن تكون علاقة اعتباطية مرتجلة، والتجربة الإنسانية الطويلة تشهد لذلك، فإننا لو استقرأنا حال مجتمعاتها الغابرة والحاضرة، المتمدنة وغير المتمدنة، العصرية والبدائية، الكبيرة والصغيرة، فلن نعثر على مجتمع لا تنتظم علاقة أفراده فيما بينهم من دون قانون معمول به.
عليه، فإن هاهنا سؤالاً يحتاج إلى إجابة، وهو: ما دام الإنسان بحاجة إلى قانون (شريعة) فهل في مقدوره أن يُشَرِّع لعلاقاته الأربعة الآنفة الذكر قانوناً جامعاً شاملاً قادراً على تلبية حاجاته كلها؟
الإجابة على السؤال تقتضي أن نعرف ما هو الإنسان أولاً، وما هي غاية وجوده ثانياً، وما هو الطريق الذي يبلغ به تلك الغاية ثالثاً، ولا شَكَّ في أن الإنسان كائن يتشكل من بُعدَين اثنين: بُعْدٌ مادي هو جسمه، والجسم آلة له وحسب، وله حاجات مادية، وتصيبه الأمراض والأعراض، وبُعْدٌ روحِي ونفسِيٌّ، وهذا أيضاً له حاجاته وتصيبه الأمراض والأعراض، وعلى القانون (الشريعة) الذي هو حاجة للإنسان، أن يستجيب لحاجات ذلكما البُعدَين.

إن ذلك يقتضي أن يكون المُقَنِّن (المُشَرِّع) مُتَّصِفاً بالتالي:

• أن يكون عالِماً عِلماً تفصيلياً تاماً ببُعدَي الإنسان المادي والروحي والنفسي، وعالماً علماً تفصيلياً تاماً بحاجات البُعدَين وأمراضهما وأعراضهما.
• أن يكون عالِماً عِلماً تفصيلياً بالمصلحة الحقيقية للإنسان في بُعدَيه، وبما ينفعه وما يضُرُّه حقيقة.
• أن يكون محيطاً بغاية وجود الإنسان، وبالطريق الذي يبلغ به تلك الغاية، وبالمعوِّقات التي تعيق بلوغه إليها.
ومِمّا لا شَكَّ فيه أن هذه الشروط الثلاثة غير متوفِّرة في الإنسان مهما بلغ من العلم ومهما تقدم في المعرفة، يدل على ذلك أن عمر البشرية الحاضرة بلغ آلافاً من السنين، وقد جرَّبت طول تاريخها قوانين ودساتير وشرائع، ولم تتمكن من العثور على القانون الأكمل الذي يستجيب لمختلف حاجات الإنسان، ناهيك عن اختلاف القوانين بين أمة وأمة، وشعب وشعب، وجماعة وجماعة، فضلاً عن ذلك فإن الإنسان ما زال إلى اليوم يتعرَّف على البُعدَين المادي والروحي للإنسان، ولم يزل الخلاف في اختيار القانون الأسلم له ناشباً بين المشَرِّعين على امتداد المَعمورة حتى السَّاعة، ناهيك عن اختلاف البشر أنفسهم في نظرتهم إلى وجودهم، وغاية وجودهم، ونظرتهم إلى الحياة هل هي مدَّة وتنتهي، أم تعقبها حياة أخرى.

لذلك نحن نعتقد أن الله تعالى وحده الذي يحق له أن يُشرِّع للإنسان، لأنه هو الذي خلق الإنسان وسَوَّاه وركَّبه من ذلكما البُعدين وجعل لوجوده غاية يجب أن يبلغها. أضف إلى أنه تعالى مستغنٍ عن الإنسان وعندما يُشَرِّع له لا يهدف من ذلك إلى جلب منفعة له (الله) أو دفع ضرر عنه، وهو عليم حكيم يُشرِّع للإنسان بعلم تامٍ وحِكمة بالِغة.
لذلك لا يأمر الله تعالى الإنسان إلا هو حَسَنٌ، والحَسَنُ هو ما حَسَّنه العقل، وهو كل ما يعود على الإنسان بالفائدة في الدنيا والآخرة. وتشمل هذه الأوامر العبادات والأخلاق الحميدة والمعاملات الحسنة.
ولا ينهى الله الإنسان إلا قبيح، والقَبيح هو ما قَبَّحه العقل، وهو يشمل كل ما يؤدي إلى الضرر والفساد، سواء كان ذلك في العلاقات الشخصية أو الاجتماعية أو في السلوك الأخلاقي والديني. الله ينهي عن الأمور التي تؤدي إلى الظلم، الفساد، والابتعاد عن طريقه المستقيم، وهو طريق الحق.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل