جعفر بن أبي طـالب ذو الجناحيـن

جعفر بن أبي طـالب ذو الجناحيـن

الشيخ تامر محمد حمزة

لم يؤرّخ لسنة ولادته، ولكن بما أنه يكبر أخاه علي بن أبي طالب عليه السلام بعشر سنين، فهذا يعني أنَّ ولادته كانت عام 590م. وممَّا يؤكِّد ذلك أن شهادته كانت عام 8 للهجرة الموافق لعام 631 م وله من العمر واحد وأربعون سنة. هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي والمكنى بأبي عبد الله ويعرف أيضاً بالطيار وذي الجناحين وذي الهجرتين.  تزوَّج بأسماء بنت عميس التي أنجبت له عبد الله ومحمداً وعوناً (1). هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة. كان متقدماً في إسلامه. وقد أمّره رسول الله صلى الله عليه وآله على الجيش في غزوة مؤتة (2) وأبلى فيها بلاءً قلّ نظيره حتى قُطعت يداه ثمّ قضى شهيداً، فهو من المسلمين الأوائل والمهاجرين الأوائل والاستشهاديين الأوائل.

* ألقابه

لقد اشتهر جعفر عليه السلام بالطيار وذي الجناحين (3). أما ذو الجناحين فلأنّ الله أبدله بهما عوضاً عن يديه اللتين قطعتا في مؤتة قبيل شهادته، ولأنه وصل جناح رسول الله صلى الله عليه وآله حينما وقف مع أخيه علي عليه السلام خلفه في صلاة الجماعة بداية الدعوة. عن الإمام الصادق عليه السلام: “كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي وأمير المؤمنين عليه السلام خلفه إذ مرّ أبو طالب وجعفر معه فقال: يا بنيّ صِل جناح ابن عمك ففعل. وانصرف أبو طالب مسروراً” (4). وأمّا الطيار فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: “حق لله عزّ وجلّ أن يجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة” (5). وفي هذا الحديث دلالة على علاقة قطع يدي جعفر عليه السلام بسبب تسميته بالطيار أو ذي الجناحين. يعتبر جعفر من المسلمين الأوائل إذ لم يسبقه إلى الإسلام أحد إلا خديجة عليه السلام وشقيقه علي بن أبي طالب عليه السلام.

* هجرته

هاجر جعفر عليه السلام هجرته الأولى بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله ليحفظ دينه وينجو بنفسه وكان ما أراد. وفي هجرته إلى الحبشة أسلم على يديه ملكها. فقد ورد في ردّ النّجاشي (ملك الحبشة) على رسالة النبي صلى الله عليه وآله التي بعثها إليه قوله: “أما بعد فقد بلغني كتابك فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السّماء والأرض إنّ عيسى لا يزيد على ما قلت تفروقاً (6)، وإنه كما قلت، ولقد ما بعثت به إلينا، وقد قربنا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صدقاً مصدقاً وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين” (7).

وأما هجرته الثانية

فكانت في السنة السابعة للهجرة إلى المدينة. وقد وصل إليها بعد أن فتح الله على يدي علي بن أبي طالب عليه السلام خيبر، إذ روى الصدّوق أنه بعد فتْحها أتى رسول الله صلى الله عليه وآله البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب فقال صلى الله عليه وآله: “ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر”؟ فلم يلبث حتى دخل عليه وقبّل ما بين عينيه وجلس الناس حوله” (8)، ومما قال له: “أشبَهْت خَلقي وخُلقي” (9).  وأما هجرته الثالثة والتي وقع أجره فيها على الله ورسوله صلى الله عليه وآله فكانت هجرة الشهادة وذلك في السنة الثامنة حين عقد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله له لواء قيادة الجيش إلى مؤتة.

* منح غنائم وحبوة صلاة

من المعلوم أن الغنائم تقسم على أفراد العسكر المشاركين في المعركة. أما في خيبر ومع جعفر عليه السلام فقد منحه رسول الله صلى الله عليه وآله. حين تقسيم الغنائم. حصةً له ولمن كان معه في هجرته إلى الحبشة. وقد صرح بذلك الشوكاني: “وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم”(10). وأما “الحبوة” فقد قال في (المقنع) أن النبي صلى الله عليه وآله ابتدأ جعفراً قائلاً: “ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أعطيك؟ فقال جعفر: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله… فقال: إنّي أعطيتك شيئاً إن صنعته كل يوم كان خيراً لك من الدنيا وما فيها. وإن صنعته كل يومين غفر الله لك ما بينهما أو كل جمعة. أو كل شهر أو كل سنة. غفر لك ما بينهما ولو كان عليك من الذنوب مثل عدد النجوم ومثل ورق الشجر ومثل عدد الرمل لغفرها الله لك”. (11) ثم ذكر له الصلاة التي تُعرف بـ “صلاة جعفر”. (وهي واردة في كتاب مفاتيح الجنان وغيره من كتب الأدعية).

* جعفر والخصال الأربعة

لم يتلوَّث جعفر بعادات المجتمع الجاهلي أبداً. وقد حرّم على نفسه ما أباحوه لأنفسهم حتى استحق وسام الشكر من الله تعالى على خصاله. يقول الباقر عليه السلام: “أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وآله: إني شكرت لجعفر أربع خصال فدعاه النبي صلى الله عليه وآله فأخبره، فقال: لولا أن الله عزّ وجلّ أخبرك ما أخبرتك, ما شربت خمراً قط؛ لأنّي علمت أنّي لو شربتها زال عقلي، وما كذبت قط؛ لأن الكذب يُنقص المرّوة ولا زنيت قط؛ لأنّي خفت أنّي إذا عَملت عُمِلَ بي، وما عبدت صنماً؛ لأني علمت أنه لا يضرّ ولا ينفع” (12).

* جعفر أول قائد شهيد في طريق القدس

معركة مؤتة هي معركة النبي الأولى مع الروم واليهود. وقد عيّن النبي صلى الله عليه وآله جعفراً قائداً على الجيش. وجاء في (كشف الغمّة) أن النبي صلى الله عليه وآله أراد بإرسال جيش إلى مؤتة أن يرسم توجّه المسلمين نحو القدس … وقد التحم جيش المسلمين مع جيش الروم في معركة غير متكافئة. وقد استبسل أميرهم جعفر فعرقب فرسه علامةً على عدم فراره وقاتل راجلاً حاملاً راية النبي صلى الله عليه وآله في يد والسيف الهاشمي في يد وقتل منهم كثيراً حتى تكاثروا عليه … فسقط شهيداً. وقد عدّ بعضهم في بدنه خمسين طعنة رمح وضربة سيف (13). وعن الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله حين بلغه شهادة جعفر كثُر بكاؤه عليه، وقد أمر فاطمة الزهراء عليه السلام أن تأتي زوجة جعفر مع نسائها وتقيم عندها وتصنع لها طعاماً لثلاثة أيام (14).

* جعفر مع ابن أخيه الحسين عليه السلام في كربلاء

عند شهادة جعفر كان عمر الحسين عليه السلام أربع سنوات. ولكنه حضر في كربلاء بحضور أحفاده الذين يحملون بين جنوبهم روح جدهم فاستشهدوا جميعاً بين يدي الحسين عليه السلام وعرفوا بـ “شهداء كربلاء من أولاد جعفر الطيار” .

* جعفر موضع الفخار

جعفر اسم افتخر به أهل البيت عليهم السلام في أكثر من مناسبة فعن النبي صلى الله عليه وآله: “نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة: رسول الله وحمزة سيد الشهداء وجعفر ذو الجناحين وعلي وفاطمة والحسن والحسين … والمهدي عجل الله فرجه” (15).  وعن الأصبغ بن نباتة قال: “رأيت أمير المؤمنين عليه السلام يوم افتتح البصرة… قال: أيها الناس… إن خير الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب …. ألا وإن أفضل الشهداء حمزة وجعفر بن أبي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة” (16).

جعفر حجة الله في كربلاء

في أكثر المواقف الحرجة حينما أحاطت الرزايا بالإمام الحسين عليه السلام يوم العاشر يتحدث التّاريخ عن ذلك الصدر الرحب الذي حاول استنقاذ الأمة الضالة فأخذ يذكّرهم وأنّى لهم الذكرى: “ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها فانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي: ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيّه … أوَليس جعفر الطيار ذو الجناحين عمي؟” (17). كما جرى اسمه على لسان زين العابدين عليه السلام في أكثر الأمكنة ضيقاً عليه وهو في قصر الإمارة في الشّام مخاطباً الحضور: “أُعطينا ستّاً وفُضّلنا بسبع أُعطينا العلم والحلم والسّماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب الناس وفُضّلنا بأنّ منّا النبيّ صلى الله عليه وآله ومنّا الصدّيق ومنّا الطيّار ومنّا أسد الله ورسوله ومنّا سبطا هذه الأمة ومهديّها” (18). ومسك الختام ما ورد في تفسير قوله تعالى ﴿وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاً بِسِيمَاهُمْ (الأعراف: 46) عن ابن عباس أنه قال: “الأعراف موضع عالٍ من الصراط عليه العباس وحمزة وعلي وجعفر يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه” (19).

(1) المغني، عبد الله بن قدامة، ج 11، ص 133.
(2) عمدة القاري، العيني، ج 16، ص 219.
(3) الأمالي، الصدوق، ص 562.
(4) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 21، ص 301 وكنز الفوائد، الكراجكي ص 124.
(5) روضة الواعظين، الفتّال النيسابوري، ص 269.
(6) التفروق هو الشيء اليسير والمراد أنه لا يزيد عنه إلا بشيء يسير.
(7) أسد الغابة، ابن الأثير، ج 1، ص 62.
(8) المقنع، الشيخ الصدوق، ص 139.
(9) شرح أصول الكافي، المازندراني، ج 7، ص 190.
(10) نيل الأوطار، الشوكاني، ج 8، ص 122.
(11) المقنع، م. س، 140.
(12) علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 558.
(13) كشف الغمة، الأربلي، ج 2، ص 235.
(14) الموسوعة الفقهية الميسرة، الأنصاري، ج 4، ص 60.
(15) الأمالي، م. س، ص 262
(16) الكافي، الكليني، ج 1، ص 450.
(17) معالم المدرستين، السيد مرتضى العسكري، ج 1، ص 263.
(18) بحار الأنوار، المجلسي، ج 45، ص 138.
(19) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 3، ص 31.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل